(أَرْشِيفُ الوَرْدَةِ)

I

فِي البَدْءِ كَانْتِ الوَرْدَةُ مُشَوَّشَةً ؛

ثُمَّ قَالَ لَهَا الأَوَّلُ الرَّاسِخُ فِي مَشِيئَتِهِ : كُونِي .

فَكَانَتْ أُمِّي ..

وَ أَبًا يَرَانِيَ بِوُضُوحٍ عِرْفَانِيٍّ رَشِيدٍ ،

وَ إِخْوَةً لاَ يَحْفَظُونَ قَصَائِدِي ،

وَ طِفْلَةً تَتْلُو رُمَّانَهَا عَلَى شَفَتَيَّ بِلاَ تَقَاعُسٍ ،

وَ أَصْدِقَاءَ كُسَالَى ،

وَ وَطَنًا غَامِقًا بِشَكْلٍ مُسْرِفٍ ..

كَـ (عَاشُورَاءَ) لاَ يُرِيدُ أَنْ يَنْتَهِيَ ،

وَ أَنَا ..

II

أُمِّي ؛

لِمَ أَتَيْتِ بِي .. ؟

وَاهِنٌ أَنَا ، وَ وَحِيدٌ ،

أَسِيرُ نَحْوَ الكَفَافِ بِتَؤَدَةٍ ،

مَغْرُوسٌ – دُونَ إِرَادَتِي - فِي هَذَا العَالَمِ المُتَّسِخِ ،

حَزِينٌ أَنَا ..

تَمَامًا ؛ كَسَارِيَةٍ عَارِيَةٍ خَذَلَهَا عَلَمٌ لَمْ يَنْتَصِرْ ..

III

أَبِي ؛

دَعْنِي أَتَشَبَّثْ بِثَوْبِكَ وَ أَنْتَ الحَمِيمُ ،

فَالْعَالَمُ ضَيِّقٌ كَحِذَائِكَ ،

وَ أَنْتَ صَدِيقِيَ الوَحِيدُ ،

وَ اِنْتِبَاهِيَ وَ الوَعْيُ أَنْتَ ،

أَيُّهَا الصَّافِي كَدَمْعَةٍ كَامِلَةٍ :

هَيِّئْ لِيَ مَجْلِسًا بِجِوَارِ بَصِيرَتِكَ الشَّاسِعَةِ ،

وَ لِنَبْصُقْ – مَعًا – عَلَى المُرَاوِغِينْ ..

IV

إِخْوَتِي ؛

يَا أَحْزَانِيَ .. أيُّهَا الكَثِيفُونَ كَغَابَةٍ ،

أَنَا المُهْمَلُ فِي هَذَا الكَوْنِ بِلاَ فَائِدََةٍ سِوَى اِنْتِظَارِكُمْ ،

مَرِيرٌ هُوَ حَظِّيَ كَـ (شَيْهَمٍ) يُعَانِي مِنْ سُوءِ الطَّالِعِ بِشَكْلٍ مُزْمِنٍ ،

أَقِفُ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِلاَ ثَمَرٍ ..

وَ أَشْوَاكِي لاَ تُخِيفُ أَحَدًا ..

V

صَغِيرَتِي ؛

فِي العَادَةِ لاَ أَرَى سِوَاكِ ،

قَابِعٌ فِي مَجْثَمِي ..

أَرْقُبُ العَوَالِقَ وَ هِيَ تَعْتَاشُ عَلَى صَمْتِي ،

وَ أَنْتِ وَحْدَكِ مَنْ يَتَكَفَّلُ بِتَضْمِيدِ كُلِّ هَذَا الأَحْمَرِ ..

فَلْنَرْحَلْ بِشَكْلٍ مُفَاجِئٍ ؛

إِذْ أَنَّنَا مَعْنِيَّانِ بِالْمَوْتِ عَلَى سَرِيرٍ أَنِيقٍ ..

سَرِيرٍ يَلِيقُ بِمَا لَدَيْكِ مِنْ أَبْيَضَ ،

وَ مَا لَدَيَّ مِنْ اِدِّعَاءَاتٍ مَا زَالتْ صَامِدَةً وَ صَالِحَةً ،

فَالْحَيَاةُ نَقِيصَةُ العَارِفِينَ ،

وَ الحُبُّ فَضِيلَةٌ كَالْمَجْدِ ،

وَ أَنْتِ مُبَارَكَةٌ كَرِيشَةٍ أُولَى لِـ (هِنْدِيٍّ أَحْمَرَ) وَ فَتِيٍّ ،

وَ أَنَا شَقَاؤُكِ ... فَقَطْ ..

VI

أَصْدِقَائِي ؛

أَيُّهَا المُبْهِرُونَ كَشَتَائِمَ جَدِيدَةٍ ،

كُنْتُ أَعْرِفُ وَاحِدًا يَبْتَكِرُ شَتِيمَةً جَدِيدَةً كُلَّمَا خَسِرَ رِهَانَهُ فِي سِبَاقِ الخَيْلِ .

كَانَ يُثِيرُ اِهْتِمَامِيَ ... إِلخْ .

فَأَنَا تُبْهِرُنِي الشَّتِيمَةُ الجَدِيدَةُ ..

كَمَا أَنَّنِي أُفَاجَأُ بِأَصْدِقَائِيَ دَوْمًا ،

نَعَمْ .. أَصْدِقَائِي الكُسَالَى عَنِ الوِدِّ ..

VII

وَطَنِي ؛

أَيُّهَا المُغَنِّي المُعْدَمُ وَ الكَفِيفُ ،

مَنْ لَكَ غَيْرُ الوَرْدَةِ الَّتِي تَعْرِفُ ..؟

وَ مَنْ يَجْرُؤُ سِوَاكَ عَلَى هَتْكِ مِلْحِيَ .. ؟

أَيُّهَا الكَمِينُ الأَحَبُّ ..

أَنَا مَسْرُورٌ بِشِرَاكِكَ النَّبِيَّةِ ،

أَيُّهَا المُسْتَحِيلُ كَأَمَانٍ ..

أَنَا مُبْتَهِجٌ كَطِفْلٍ دَسَّ جُوعَهُ لِلْتَّوِّ فِي حِضْنِ أُمِّهِ ،

أَيُّهَا الهَمَجِيُّ كَسَادِيَّتِي ..

أَنَا مُنْتَشٍ بِبُكَائِيَ الآنَ ،

أَيُّهَا المَعْقُولُ كَأَنَاقَةِ أَرْمَلَةٍ شَابَّةٍ ..

أَنَا مُتَرَبِّصٌ بِمَشْيَتِكَ المُتَبَّلَةِ بِالْدَّمِ ،

أَيُّهَا الشَّامِخُ فِي مُخَيِّلَتِي كَوَثَنٍ قَدِيمٍٍ يَضُرُّنِي وَ يَنْفَعُ ..

أَنَا مُطْمَئِنٌ لإِيمَانِيَ بِكَ ،

أَيُّهَا المُبْتَلَى بِنَا كَأَبٍ لَمْ يُنْجِبْ سِوَى السُّرَّاقِ ..

أَنَا قَانِعٌ بِعُقُوبَتِي ،

أَيُّهَا النَّدِيُّ كَشَفَتَيْ مُرَاهِقَةٍ صَادَفْتُهَا مَرَّةً ..

أَنَا مُثَارٌ بِكَ الآنَ ،

أَيُّهَا البَصِيرَةُ الفَسِيحَةُ ..

أَنَا فَخُورٌ بِشَكِّيَ أَمَامَكَ ،

أَيُّهَا المُتَفَرِّسُ بِالْسَّوَادِ كَنِسْوَةِ (كَرْبَلاَءَ) ..

أَنَا سَعِيدٌ بِحِدَادِ ثِيَابِيَ ،

أَيُّهَا المَلَولُ كَنَاعُورٍ وَحِيدٍ ..

أَنَا مَفْتُونٌ بِبَرَاعَةِ مَائِكَ ،

أَيُّهَا التَّوْحِيدُ ..

لَكَمْ أَشْرَكْنَا بِكَ .. وَ لَمْ تَغْضَبْ ..

فَسُبْحَانَ رَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ بَاطِلَنَا وَ العُقُوقَ .

.

أَيْضًا ؛

وَ فِي الجَانِبِ الآخَرِ .. كُنْتُ أُغَنِّي :

.

نَحْنُ شَوَاذٌّ ؛

لاَ يَلُوطُ بِنَا سِوَى هَذَا الاِنْتِمَاءِ المُفْجِعِ ،

وَ إِلاَّ بِمَ نُسَمِّي سُلُوكَ الوَطَنِ .. ؟

VIII

وَ أنْتَ ؛

يَا أنَا المَشْنُوقُ بِمَكَائِدِهِمْ ..

مَنْ سَيَرْكُلُكَ الآنَ .. ؟

أَصِيلَةٌ .. كُلُّ تِلْكَ الأَقْدَامِ الَّتِي اِسْتَشْعَرَتْ تَقَدُّمَكَ فَبَاغَتَتْهُ ،

وَ وَفِيَّةٌ تِلْكَ الحَيَاةُ ..

إِذْ جَعَلَتْكَ أَرْحَبَ ،

وَ مُعَزَّزَةٌ بِالْفَرَائِدِ كُلُّ تِلْكَ الأَفْوَاهِ ..

إِذْ لاَثَتْ بِتَأَزُّمِكَ العَتِيِّ .

أَيُّهَا الصَّاخِبُ كَلِحْيَةِ المَوْجِ :

صَالِحْ أََلَمَ رُوحِكَ ،

اُعْبُرْ إِلَيْكَ بِلاَ جُسُورٍ ،

شُدَّ مِنْ أَزْرِ المَصِيبَةِ كَيْ تَخْجَلَ ،

قُلْ لِلْسَّاعِينَ فِي جُرْحِكَ قَوْلاً رَحِيمًا ،

وَ اِغْفِرْ .. لأَنَّهُم يَأْلَمُونَ .

.

أَيُّهَا الصَّلْدُ كَوَرِيثٍ شَرْعِيٍّ لِلْحَجَرِ ،

سَاعِدْنِيَ ؛ هَاتِ يَدَكَ لأَتَسَلَّقَ حُزْنَكَ الكَافِرَ ،

قَرِّبْنِي ؛ لأَطْبَعَ خَطِيئَتِي عَلَى سِرِّكَ ...

وَ أَطِيشُ فِي الغِيَابْ ..

اسم القصيدة: أَيّـُهـَا الـمُبْـهِرُونَ كَـشَتَـائِمَ جَـدِيـدَةٍ.

اسم الشاعر: سعد الياسري.


المراجع

adab.club

التصانيف

شعر   الآداب