كانت سهرة ممتعة إلتقى خلالها بزميل قديم كانا في الأيام الغابرة معا على مقاعد الدراسة ، وقد تجاذبوا أطراف الحديث في هذا اللقاء بعد غياب طويل ثم مرّوا بشريط الذكريات الماضية ، يوم كانوا أشبالا و شبابا يافعين في المدرسة الإعدادية والثانوية معا ، وتذكروا أيام "الشقاوة والشيطنة" وبعض تلك المقالب النادرة التي حدثت في تلك الأيام الخوالي سواء ما كان منها مع الطلاب الأشقياء المشاغبين بين بعضهم البعض ، بهدف تمضية الحصة بالضحك والهرج والإنتفاش أمام زملائهم ، أو بينهم وبين بعض الأساتذة ، وغالبا ما تكون هذه أكثر متعة ولها طعم خاص وإن كانت نتائجها غير محمودة العقبى في أغلب الأحيان .

والضيف أبو ماجد تاجر ناجح ، ويتحلى بطيبة قلب وروح مرحة ، وخفة ظل  وتواضع جم ، مع كونه ثريا ورجل أعمال كبير.

 قدم أبو ماجد من أوربا في مهمة عمل ، جمع معها زيارة إبنته المقيمة في قطر مع زوجها أ بو العز وأولادها ، وزوجها هذا أبو العز يعمل مدرسا في نفس المدرسة التي يعمل فيها  الأستاذ أبو خالد زميل أبي ماجد والذي يكون عم أبي العز ووالد زوجته ، وأبو العز هذا من النوع الذي يحب المظاهر ويعشقها كثيرا ، ولا يكاد يجلس في مجلس إلا ويلّمح إلى عمّه  ووالد زوجته الذي يقيم في أوربا كرجل أعمال كبير، ويتكلم منتفخا  مزهوا عن أعماله وتجارته ... وأملاكه .

ومع نهاية السهرة اللطيفة قام  الأستاذ أبو خالد من باب الواجب الأدبي والإجتماعي  وكرم الضيافة ، بدعوة أبي ماجد وصهره أبي العز، بل وجميع الحضور في السهرة من الزوار والذين يقارب عددهم العشرة إلى وليمة الغداء يوم الجمعة بعد غد .

 شكر أبو ماجد زميله أبا خالد وطلب منه عدم التكلف فإن الزيارة وفنجان قهوة  يكفي بالأمر، والأصل في الزيارة الإجتماع والسهرة مع الضيوف الأكارم من الخلان والأحباب ، والأحاديث الحلوة ، والذكريات الممتعة ، فهي أهم من الطعام والشراب، ثم استأنف حديثه ولكن أرجوأن يكون الترتيب مع صهري أبي العز لأني ضيفه ، وهو الذي سيكون مرشدي ودليلي ! .

تدخل أبو العز أمام الزوار منتفشا ومنفوخا ، فها هو عمه رجل الأعمال الكبير يفوضه في قبول الدعوة أو رفضها ! وحتى يرضي غروره أكثر ، التفت إلى أبي خالد وهو يخاطبه بلهجة تخلو من الأدب والدبلوماسية ، وتفتقر إلى أدنى حدود اللباقة والكياسة قائلا : لا أظننا نستطيع الحضور..... فإننا مشغولون بدعوة أخرى فلقد دعانا أناس قبلك ! .

إلتفت عمه أبو ماجد مندهشا ومداعبا : لم لم تخبرني بهذه الدعوة ؟ ألست مدير أعمالي هنا يا أبو العز ؟ !

وبعد أن تلعثم أبو العز قليلا قال : كانت الدعوة على الهاتف قبل قليل .... وكنت سأخبرك عنها بعد انصراف الزوار .

التفت أبو ماجد نحو زميله أبي خالد : دعوتك مقبولة واعتبرها قد تمت يا أبا خالد .

- لا يا أبا ماجد لا يمكن أن يتم هذا اللقاء بيننا بعد أكثر من عشر سنوات بدون وليمة ......  ولكن إن شئتم غداء أو عشاء ، بحسب ظروفكم ومشاغلكم وأنا تحت أمركم  .

- إني شاكر لك ومقدر معزتك يا أبا خالد .

- لأ يا أبا ماجد أنت عزيز علينا  واجبكم غال علينا ، وكما قلت إن شئتم غداء أو عشاء بعد غد ، وسأتصل بكم غدا لتأكيد الموضوع ، ثم التفت أبو خالد إلى الزوار قائلا : جميعكم مدعوون على شرف حبيبنا أبي ماجد بعد غد الجمعة على الغداء ، وفي حال تغييرالموعد سأتصل وأبلغكم على الموعد الجديد ، ما لم  فإن موعدنا على ما هو عليه .

 وبعد أن انصرف الزوار  وفرغ البيت ، جلست العائلة أبو العز وأم العز وأولادهم قبيل انصرافهم إلى النوم ليسمر الأولاد قليلا مع جدهم القادم من وراء البحار لزيارتهم ، فقد أحبوه وتعلّقوا به ، ومما زاد من هذ الحب والتعلق ، ما يحضره لهم كل يوم من حلويات وهدايا وينقدهم من فلوس ، بل مما كان له الأثر الأكبر في ذلك تلك الحقيبة الكبيرة المحشوة بالهدايا الثمينة والألعاب الجميلة التي أحضرها لهم  من أوربا .

وبعد انصراف الأولاد إلى النوم ، وقبل أن ينصرف أبو ماجد أيضا إلى النوم إلتفت إلى صهره أبو العز وهو يسأله معاتبا برفق : ألن تخبرني من الذي دعانا يوم الجمعة يا أبا العز ؟

أجاب أبو العز وهو يرفع برأسه عاليا كأنه يناطح السحاب : الدكتور غالب - إبن مدينتينا - مدير عام الصحة سابقا  في المدينة .

تدخلت أم العز بفخر كزوجها أبو العز متسائلة : الدكتور غالب دعانا ؟

 تم أردفت : هذا رجل أكابر! إنه يعمل هنا في الدوحة مستشارا كبيرا في وزارة الصحة .

أضاف أبو العز : الدكتور غالب يتمتع بمركز مرموق في الوزارة وجميع الناس تجلّه وتحترمه

 ، الوزير لا يستغني عنه ويستشيره في كل صغيرة وكبيرة .

علق أبو ماجد  متسائلا بشيء من الدهشة : الدكتور غالب يعمل في وزارة الصحة مستشارا ؟ !

أجابا معا وبصوت واحد : نعم .

- يسعدني كثيرا اللقاء بالدكتور غالب أو غيره من أبناء مدينتنا ، لكن لماذا  لم يحضرمع الزائرين إلى سهرتنا هذه ، إن كان يعلم بوجودي هنا ؟

- الحقيقة إنه قد اعتذر  بسبب مشاغله الكثيرة وعلاقاته الواسعة ، إنه يحمل أعباء الوزارة كلها على عاتقيه ! .

- وما دام مشغولا فلم نشغله أكثر ونكلفه ؟ !

- لقد أصرّ على الأمر ! .

سأل أبو ماجد مرة أخرى صهره أبا العز : ومتى اتفقت معه ؟

- الجمعة .

- وفي أي وقت من الجمعة  ؟

- مساء .....  من الساعة السابعة إلى الثامنة .

- وما طبيعة الدعوة ؟

ارتبك أبو العز قليلا ثم أجاب : وماذا سيكون مساء ، غداء أو عشاء ! .

تدخلت أم العز لتنقذ زوجها قائلة : بالطبع .....  بالطبع سيكون غداء فهؤلاء ناس أكابر ... يكون غداؤهم متأخرا ! .

سأل أبو ماجد : وما المشكلة في الجمع بين الدعوتين ؟

قال أبو العز : الزمن قصير بين الدعوتين ، عدا أننا نفطر متأخرين يوم الجمعة ، ومن ثم فإننا سننشغل كل اليوم !

- الإفطار المتأخر نقدمه أو نلغيه ، وما المشكلة في الوقت ما دام أنه يوم إجازة ؟    

- دعوة الدكتور غالب قائمة يا عمي من أكثر من شهر .

- وكيف ذلك ؟ !

- من اليوم الذي علم فيه أنك ستزور قطر، أخبرني عندما يصل عمك أبو ماجد إلى قطر لا بد أن نجتمع معه وندعوه .

انتفشت أم العز ثانية : ألم أقل لكم أنه رجل أكابر وقمة في الإحترام ! .

قال أبو ماجد : وكيف علم أني سأزور قطر من أكثر من شهر ؟

أجاب أبو العز: أنا أتصلت به وأخبرته بذلك !

نظر أبو ماجد إلى إبنته وصهره وهو يقلّبهم بناظريه ثم توجه إليهم قائلا : وماذا ترون ياسيادة أبو العز وأم العز ؟ !

- قال أبو العز: بالطبع تلبية الدعوة ، فهذا واجب !

- تدخلت أم العز تدعم زوجها وتسانده : الدكتو غالب أكابر ، ويسكن في فيلا فخمة على حساب الوزارة بالدفنة  في منطقة الخليج الغربي ،  وزيارتهم شرف ، عدا عن أن تلبية الدعوة واجبة !

وبما أن القلوب عند بعضها ، وكلاهما - أم العز وزوجها -  يفكران بنفس الطريقة والأسلوب ، فقد نطقا معا بصوت واحد : الدعوة لمن سبق ! .

نظر أبو ماجد إلى إبنته وزوجها نظرة  المتفحص الخبير ، ممن ضرب القارات الخمس طولا وعرضا ، فخبر طبائع الناس ورغباتها ، و علمته التجارب قراءة الأفكار وما بين السطور، وما يدور داخل النفوس ويختلج في الصدور، ثم هزبرأسه  وهو يقول ما دامت هذه رغبتكم .... فليكن ذلك .

انبسطت أسارير الزوجين على الموافقة ، وإن لاحظا عدم وجود الرغبة عند أبي ماجد .

وقبل أن يودعاه وينصرفا إلى غرفتهم إلتفت أبو ماجد إلى صهره قائلا : عندما يتصل بك الأستاذ أبو خالد غدا فأكد له قبول دعوته وحضوري على الغداء يوم الجمعة ! .

بدا الإمتعاض على وجه أبي العز وأم العز وإن تحيرا فلم يردا بجواب قبل انصرافهم  للنوم .

وأم العز هذه يبدو أنها من نفس نوعية زوجها ، وعلى مبدأ المثل القائل "وافق شن طبقة"  وإن شئت قل :" إن الطيور على أشكالها تقع " فهي أقرب لوصف الحال ، لأنها من النوع التي تحب المظاهرويسكرها البريق والبهرجة، وتفكرفي المصلحة الشخصية العاجلة  كزوجها  ، وتقيس جميع الأمور من خلال هذه الزاوية الضيقة والمنظارالقاتم .

 وكيف تخفى على أبي ماجد مثل هذه الأمور ، وهو يعاني منها في بيته كل يوم مع أمها  منذ أكثر من أربعين سنة ، وهاهو يرى إبنته نسخة مكررة  طبق الأصل عن أمها ، إلا أن الفارق في الأمر أن زوجها أبو العز من نفس النوعية ، ابتسم في سره وهو يتساءل في نفسه : من الذي أثر في الآخر وطبّعه بطباعه؟

 اتسعت بسمته وهو يثرثر مع نفسه : اتفاق الطباع ووجهات النظر له فوائد كثيرة داخل البيت .... حتى ولو كانت على خطأ ! .

ثم أسلم رأسه للوسادة وراح يغط في نوم عميق .

بعد صلاة الجمعة بدأت أم العز بتجهيز نفسها مع الأولاد متأهبة للزيارة المرتقبة والدعوة المهمة إلى بيت الأكابرالدكتور غالب ، فقد اعتذرا عن حضورهما لدعوة الأستاذ أبو خالد لأنه رجل بسيط ولا يليق بالمقام ! بعد أن رضخا لرغبة أبي ماجد في تلبيته الدعوة مع الأولاد  وكلاء وبديلا عنهم عند الأستاذ أبي خالد ، بينما خرج أبو العز يرتب السيارة الفارهة الحديثة  والتي استأجرها اليوم خصيصا لهذه الزيارة ( فور ويل  لكزس فل أتوماتيك مع كامل الإضافات موديل 2010 ) ،  لأن سيارته العادية (كورولا ستيشن موديل 1990) لا تليق بهذا المستوى من الزيارة.

وبينما كان أبو العز يتململ ويسوف مضيّعا الوقت لإيصال عمه وأولاده إلى منزل أبي خالد ،

 كان أبو خالد على الباب قد حضر لتوصيلهم إلى البيت بسيارته المتواضعة بدون اتصال أو سابق إنذار .

وبعد إعتذارأبي ماجد بالنيابة عن صهره وابنته عن تلبية الدعوة لأسباب طارئة ، دلف إلى داخل السيارة يجر معه حفيديه ، وأبو خالد لا يكف عن الترحيب والتأهيل بالضيف العزيز والزميل القديم أبي ماجد .

وبعد الوصول أعاد الترحيب والتأهيل به ثانية وثالثة ، ثم دعا جميع الحضور للتسمية والمباشرة بطعام الوليمة على شرف رجل الأعمال والزميل القديم أبي ماجد .

لقد كانت دعوة عامرة فيها ما لذّ وطاب من أشهى أنواع المأكولات والمشاوي  وما   تبعها من الفواكه والمشروبات والمكسرات  والحلويات وغيرها ، حمّل نفسه أبو خالد الكثير من التكاليف والتي آدّت ظهره وربما كسرت ميزانيته لأكثر من شهر، ولعل هذا كان الأمر الوحيد الذي نغص على أبي ماجد الدعوة وعاتب أبا خالد بذلك ، فكان رد أبا خالد قائلا : الأموال تأتي وتذهب دائما ، لكن لقاء الأحبة والجلسات السعيدة معهم  لا تتكرر يا أبا ماجد إلا نادرا .

 وأما أكثر ما أسعد أبو ماجد في هذه الدعوة بعد الأحاديث الحلوة والجلسة المتواضعة مع هؤلاء الناس الطيبين ، تلك السعادة التي رآها وقد طبعت على وجوه حفيديه ، وهم يلعبون مع الأولاد في الحديقة بفرح ونشاط منقطع النظير بعد أن ملأوا بطونهم مما لذّ وطاب .

ومع نهاية الدعوة بعد العصر استأذن أبو ماجد بالإنصراف فقام الجميع مودعين له ثم قام أبو خالد بتوصيله ثانية إلى البيت بنفسه بعد إصراره الشديد .

وبعد قليل كان أبو العز وأم العز قد أنهوا استعداداتهم وترتيباتهم ، للزيارة المرتقبة والدعوة الكبيرة  للوليمة العامرة الشهية ، التي يحلمون بها عند الدكتور غالب .

فتح أبو العز باب السيارة الفارهة لعمه ، ثم اعتلى كرسيه الوثير بعد أن ركبت أم العز والأولاد في الكرسي الخلفي ، ثم أطلق العنان لسيارته المستأجرة يسابق بها الريح ، سالكين طريق الكورنيش إلى الخليح الغربي ليتمتعوا بمناظر البحر الخلابة ، وأشجار النخيل الباسقة على جانبي الطريق ، ومزارع الورود بألوان متعددة بألوان قوس قزح ، والأبراج الشاهقة المصطفة على الطرف المواجه للبحر .           

وبعد وصولهم بيت الدكتور غالب استقبل الدكتور غالب أبا ماجد مرحبا بطريقة رسمية لا تخلو من التكبر والتعالي المبطن ، وبعد أن انتهى منه التفت إلى أبي العز حين رأى أم العز والأولاد معهم  قائلا : آسف يا أبا العز المدام خرجت مع السائق إلى السوق (فور شوبنج) ، ولكن الخادمة بالداخل ... يمكن أن تذهب أم العز وتجلس معها إن شاءت  !  ثم رفع رأسه بعد أن نظر إلى ساعته مبتسما كأنما يعاتب أبا العز على تأخره وهو ينظر إليه قائلا : الساعة الآن السابعة والربع ! .

إربدّ وجه أبي العز وتغير لونه ، وتمنى لو أن الأرض انشقت وابتلعته بعد أن وضع نفسه في هذا الموقف المحرج والذي لا يحسد عليه ، في حين هرعت أم العز إلى السيارة وهي تسحب أولادها وتواري وجهها ، حتى لا تظهر انفعالاتها ، وتفضح دخيلتها .

أما أبو ماجد فقد شعر براحة وطمأنينة كانت بردا على قلبه وسلاما ، لكنه أراد أن يعلم هذا الأكابر! درسا أدبيا بلباقة خبير محنك ، التفت بعد هنيهة إليه قائلا : الحقيقة يا دكتور غالب لقد دعوت صهري أبا العز مع أم العز والأولاد إلى وليمة بفندق شيراتون  بمناسبة العقد الذي وقعته الأمس مع نائب وزير الصحة بعشرة ملايين دولار لتوريد أجهزة طبية ! وخلال مرورنا من هنا ذكرك أبو العز فاقترحت عليه أن ننزل قليلا في طريقنا لنسلم عليك ونستفيد من الوقت

فما زال لدينا من الوقت -  بعد أن نظر إلى ساعته - ربع ساعة لنشرب عندك فنجان قهوة أو كأس ماء ، وكان بودي دعوتك معنا مع المدام والأولاد لأن الدعوة خاصة بالعائلات، ولكن لسوء حظنا أن المدام غير موجودة ، وليس من اللياقة والأدب أن نقطع عليها متعة التسوق ! .

اربدّ وجه الدكتور غالب وتلون  وظهر عليه الإرتباك والحيرة ، فقد ظنهم قادمين خصيصا لزيارته وبحسب الموعد المرتب مع أبي العز ، ولكن الذي قلب عاليه إلى سافله ولخبط كيانه ما سمعه من أبي ماجد عن توقيع عقد بمبلغ عشرة ملايين دولار مع نائب وزير الصحة ، أي سيد سيده ! التفت إلى أبي العز ينظر في عينيه معاتبا  لم لم يخبره بذلك وما كان يدري أن أبا العز نفسه لا يدري عن هذا الأمر شيئا ، لأن رجل أعمال محنك مثل أبي ماجد لا يمكن أن يباسط صهره ويسر إليه عن صفقات بملايين الدولارات ، خاصة بعد أن خبر طبيعته وسبر أعماق نفسه ، ثم التفت الدكتور غالب إلى أبي ماجد مرحبا يؤهل ويسهل به وبمن معه ، ثم أبدى أسفه الشديد لعدم وجود المدام ، ولو علم ذلك لأجل مشوار تسوقها ، ثم رجا أبا ماجد أن يقبل دعوته على الغداء مع أبي العز وأم العز والأولاد  في الغد .

أجابه أبو ماجد متسائلا : أولست مدعوا معنا غدا مع مسؤولي وزارتكم ؟ !

تلعثم الدكتور وزاد ارتباكه : لا ... أقصد ... نعم ... إنه ....

قال أبو ماجد : ظننتك مدعوا معنا غدا على شرف وزير الصحة مع جميع مسؤولي الوزارة فقد وجهت لهم الدعوة مع مرافقي في الوفد من شركتي .

تهرب الدكتور غالب من الإجابة لأنه لا يعلم ما يقول ولا يدري شيئا عما يحدث داخل الوزارة ، لكنه كرر دعوته وبإلحاح شديد قائلا : فلتكن الدعوة بعد غد يا أبا ماجد ولا أظنك داعيا أو مدعوا بعد غد أليس كذلك ؟

هز ابو ماجد برأسه قائلا : فعلا لست داعيا ولا  مدعوا .

- إذن اعتبرها دعوة رسمية من الآن يا أبا ماجد .

 - ولكني ولسور الحظ  سأكون مسافرا على الأغلب يا دكتور .

أجاب الدكتور : إن لم تسافر اعتبر الدعوة قائمة ، وسأتصل بك غدا مساء للتأكد من ذلك ، وأقوم بإحضاركم مع أبي العز وأم العز والأولاد ، بعد التشرف بزيارتكم عند أبي العز ونشرب فنجان القهوة عندكم ، لأن واجبكم علينا كبير ! .

هزّ ابو ماجد رأسه ثانية : للأسف أغلب الظن أني سأكون مسافرا يا دكتور ، ثم أضاف وهو ينظر إلى ساعته وأرجو أن تسمح لنا بالإنصراف فلقد تأخرنا عن موعد نا .

هرع الدكتور يصرخ على الخادمة وهويقرعها ويكيل لها الشتائم والإهانات ، لأنها لم تقدم القهوة بعد !  ثم جرى بنفسه إلى المطبخ فأخرج من الثلاجة مجموعة من علب العصير الباردة ودفع بها إلى الخادمة  لتجري خلف أبي ماجد قبل أن يركب بالسيارة ، ثم خرج خلفهم مودعا ومشيّعا ! .

بعد أن ركبوا السيارة التفت أبو العز بعين كسيرة  ونفس ذليلة مشبعة بخيبة أمل ، يسأل عمه  بصوت خفيض لا تكاد تسمع كلماته  كأنما يهمس لنفسه : والآن هل نعود إلى البيت ؟

 أجابه عمه كأنك لم تكن معنا عندما كنا نتكلم... إمض في طريقك إلى مطعم الفندق .

- ظننتك تمزح لتخرس غرور هذا المتكبر !

- هذه أمور لا يقبل فيها المزح يا أبا العز ، لأني فهمت من طبيعة عرضك لدعوته ، وتحديد الفترة بأنها لم تكن دعوة غداء ولا عشاء ، وإنما هي دعوة جبر خاطر ، وفنجان قهوة ليس أكثر ، كما علمت بأنه رجل دعي مغرور، من الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا ، حين ذكرت لي نقلا عنه بأنه مستشار كبير بالوزارة ، وأن أعباء الوزارة على عاتقيه ، في الوقت الذي لم يحضر أي اجتماع معنا في الوزارة ، كما لم يذكر أحد اسمه أمامي  ، فرتبت الدعوة بالفندق حتى لا أكسر بخاطر هؤلاء الصغار وأنتم تمنونهم بدعوة الأكابر من أول امس ! ولأني لم أكن أتصور بأن دعوة أبي خالد ستكون عامرة إلى هذه الدرجة وسيكون كريما وطيبا إلى هذا المستوى، وسيسعد بها الأولاد إلى هذا الحد .

- وكل الذي قلته لغالب كان حقيقة وجدّا ؟ !

- نعم وكل الذي قلته للدكتور غالب كان حقا يا أبا العز .

- لا أعرف كيف أشكرك يا عمي الكبير !

- وعلام تشكرني ؟

- على إخراجي من هذا الموقف المحرج .... فقلبت الطاولة عليه !  لقد بدا أمامك صغيرا ... بل قزما ... لقد نفثته كبالون كبير وخز بدبوس ، لقد استقبلنا قرودا  وودعنا أسودا ! .

- لم أقصد فعل ذلك ولكني رأيته يحب الكبر والتظاهر والإنتفاش كغيره ! فوضعت أمامه بعض الحقائق  ليعرف حقيقته ... وقدر الآخرين .

إلتفتت أم العز إلى زوجها تستفسر منه وتسأله عما حدث بالتفصيل  بعد أن بلغ  الهم والحزن منها مبلغا بعد ذلك الموقف الذي أحبطها .

أجاب أبوالعز : كوني مطمئنة فقد لقنه والدك درسا لن ينساه كل حياته وسأشرح لك التفاصيل في البيت إن شاء الله ، ثم التفت إلى عمه  مخاظبا :

 ولكنك يا عمي رجل أعمال كبير وتقابل وزراء وتجتمع مع مسؤولين  وتتكلم بالملايين ، فلم تضيع وقتك في مقابلة البسطاء أمثال ألأستاذ أبي خالد وتذهب لدعوته مع شلة من  المتواضعين ؟ !

التفت أبو ماجد إلى صهره وهو يقلّبه بناظريه قائلا : لم تستوعب الدرس ولم تتعلم بعد يا أبا العز ، ثم أضاف : معاملة  الناس تكون لصدقهم وطيبة نفوسهم ونقاء جوهرهم  وكرم أخلاقهم ، لا لكمية أموالهم وعلو كراسيهم وبهرجة ألقابهم وانتفاخ جيوبهم ، ولو كان كذلك لوافقت أم ماجد ووقفت معها في صف واحد لرفض طلبك  وعدم الموافقة على زواجك من أم العز ! .

               


المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  مجتمع   الآداب   قصة