على أرض وطن عربي.. في قصرٍ من القصور المغلقة على أسرار كبار البلاد تتمايل قدود
المومسات ملهبةً جدران الأسمنت المطلية بأفخر أنواع الدهان، ويفوح غنجهن في فضاء
المكان، وفي جهة مقابلة لهنَّ يتقابل تاجران عربيان على طاولة النرد يكرعان الخمر
بشراهة.. أجساد مائلة مميلة وتاجران يرفلان في النعيم ويبذلان المال بسخاء على تلك
الأجساد والكؤوس، وعلى بوابة القصر يقف الحرس والعونة الظالمين ينعتون المارين بكل
قبيحة.
على طاولة التاجرين جريدة تتوسط الكأسين الذهبيين، تحمل خبراً عنوانه (موت عائلة
عربية بسبب نقص الدواء) يقوم التاجر الأول بقلب الجريدة على الخبر ويوقع على شيك
ليصرف لعلاج لاعب كرة قدمٍ عربي.
يسحب التاجر الثاني الجريدة وينظر في الصفحة الأخيرة ليقع بصره المتخبط على عمودٍ
مُيز بلون خاص عنوانه (غزة تحت النار) يقلب هو الآخر الجريدة على المقال ويسحب
هاتفه متصلاً:
- أحجزوا للراقصة فلانة إلى القصر قبل ارتفاع النار في البلاد المجاورة للاحتلال.
وهناك على أرض وطن عربي آخر الجوع يتسلل إلى بطون الكبار قبل الصغار، وهدير
المزنجرات يتخطى الشوارع والأزقة الضيقة، وفي ضفة من هذا الوطن أسرى ومعتقلون
يُضربون بأعقاب البنادق يساقون إلى السجون والزنازين الموحشة.. بينما شيخ التهمه
الكبر وأصدع اليأس قلبه وَقَفَ بجانب متجر رُصَّت أمامه الصحف اليومية.. مرر عينيه
التي إنهدم عليها حاجباه العريضان على عنوان في الصفحة الأولى من الجريدة: (علاج
اللاعب الكبير على نفقة تاجر عربي).. يزفر بأسى ثم يمرر بصره إلى عنوان آخر:(تاجر
عربي يدفع تكاليف إنقاذ الراقصة الشهيرة من لهب الحرب).. يضغط بكفه على عصاه ويكمل
سيره إلى الجامع الكبير وهو يتمتم:
- حسبنا الله ونعم الوكيل