آه كم هو ممل هذا الفيلم الوثائقي !
بطلته أنا ، أصحو كل يوم مبكرة أسابق
الزمن وأصارعه، لأصل إلى عملي في الوقت . وهناك ، أعمل وأحارب وأختلف وأبكي، وأيضا
أضحك وأفرح، ثم أعود إلى البيت وفي صراع مع الزمن ، ليكون الغداء ، وبعده راحة أو
لا راحة، ثم شؤون أخرى ومسؤوليات أسرية جسيمة ، ثم نوم قلِق أو نوم كالإغماء ويكتب
الله لي المزيد من العمر ، فأكرر ما كان ليصبح ما يكون ..
وتتوالى السنون ، والوثائقي نفسه ..
والنفس لها طموح كبير .. فكم تمنيت أن
أكمل دراستي، وتمنيت أن يكون لي بيت أحسن من بيتي ، وتمنيت أن أكون صاحبة مشروع
لا مأجورة عند أحد، أفكر فأدرس ثم أنفذ ، وأحلم فأرسم على الورق خططا ثم يصبح
الحلم حقيقة إذا قدر الله ذلك – ولكن الوثائقي نفسه ، يأبى إلا أن يتكرر ..
وتمنيت أن أسير معتدلة الظهر بعد أن
أحط عنه ديونا أثقلته ، فأشعر ذلك الشعور الجميل الذي حرمته منذ زمن ، أن القرش
الذي أجنيه لي وليس للناس .
وتمنيت أن أفرح بالقليل الذي أشتريه
أحيانا لنفسي ، ولكن الندم على ما اشتريت سرعان ما يخنقني ، فكيف يحق لي أن أفعل
وأنا المديونة ؟ كيف لي أن أشتري شيئا خارج حدود ما يسد جوعتي وأبنائي ؟ وتمنيت أن
أرفه نفسي وأدللها لو مرة في العام ، فـ ....
-
أمي أنت هنا يا أمي ؟ ماذا تفعلين ؟
-
ماذا تريد يا بني ؟
-
أمي ، كنت قديما مرحة نشيطة تضحكين وتمزحين ، ولكنك تغيرت منذ فترة فكثيرا ما
تبكين ، ودائما أراك حزينة ولا شيء يفرحك ..
-
سيزول كل ذلك بإذن الله، المهم ماذا تريد ؟
-
أريد أن أشتري أشياء للمدرسة .
-
حسنا حبيبي سأعطيك لتشتري ..
يدخل الابن الثاني : وأنا يا أمي أحتاج
حذاء لدرس الرياضة .
-
حسنا يا بني .
تسرع الابنة : آه شممت رائحة أموال
توزع، وأنا أحتاج عباءة جديدة ، فعباءتي اهترأت !
بعيون باردة ، ووجه أكثر برودة تنظر
إليهم جميعا وتقول : عندما يأتي والدكم نطلب منه كل هذا. . ينصرف الأبناء ، على وعد
من أمهم بالتنفيذ تصمت ما شاء الله لها أن تصمت ، وباب حجرتها مغلق عليها ، استحضر
عقلها كل الصعوبات التي مرت بها خلال سنين زواجها الخمسة عشر .. وكل صعوبة بصمت
بصمات من الصبر على قلبها .
هبت واقفة تقطع كل ذلك قائلة : آن
الأوان لاتخاذ القرار ، فلا مزيد من بصمات الصبر مللته وملني ولا أقدر على المزيد .
سأتحدث مع زوجي وبصراحة وأعطيه فرصة أخيرة ، فإما أن يعمل على زيادة الدخل فيسد
الدين، وإما أن يتركني وشأني، أكفي نفسي، ويتحمل هو مسؤولية بيته وأولاده .
مسحت دموعها لتزيل آثار الضعف – كما
تقول – ووقفت تنظر إلى نفسها في المرآة ترسم على وجهها علامات الشجاعة .
هاهو يدخل البيت : أين أمكم يا أولادي
؟
وعلا صوته مناديا : ماما، سوسو،
زهرتي الجميلة ..
حتى فتح باب حجرتها، قبّل رأسها وقدم
لها قالبا من الشيوكولاته قائلا : أكلت مثله في الصباح ، وأحببت أن تتذوقي طعمه ،
وأظنه سيعجبك كثيرا، وهذه أزهار الجاردينيا قطفتها لك من حديقة المؤسسة، أعرفك
تحبين رائحتها.
ابتسمت فقط !
سألها : ما بك ؟
ابتسمت خجلا ، وابتسمت حبا لهذا الزوج
الرقيق الطيب الذي حرمه الله المال الكثير ولكن أعطاه أحلى ما في الدنيا ، الحب
لأسرته ولها ..
اتسعت ابتسامتها ، وقبّلت يده .
تتابع البطلة : الوثائقي نفسه .. على
أمل بالفرج .