في المطعم عاملٌ لا يقدم الطلبات للناس , لا يقدم المساعدة إلى أي أحد , يتأمل
الأيدي كمن لا يملكُ يداً , يجلس على الكرسي الوثير , ويقبض باليمينِ المال من
الزبائن, ولا يُحسنُ غير هذا أبداً .
لذلكَ كان الكلّ يعبسُ في وجهه حين التعامل بالأوراق النقدية , فمظهرهُ يذكّرهم
بمن يأخذ الجزية , متكّئ ُ على جنبيه .. يأخذ المال بيدهِ اليمنى , تلكَ اليد التي
تثاقلت وأصبحت تمتدّ على الطاولة .. كمشية العرجاء .
زبون متذمّر دوماً , يجري السبابِ على لسانه منذ دخوله للمطعم , وحين أراد دفع
الحساب .. لم يعجبه منظرِ العامل الجابي للجزية ! , فرمى الزبون النقود بإهمال
ووقعت على الأرض , ومال العامل لالتقاطها .
فرحَ الناس أنِ انكسر غرور هذا العامل بصنيع الزبون الأخير , ولكن سرعان ما تبدّدت
هذه الفرحة إلى دهشة , أتبعها حزنٌ .. ثم شفقة ! فالحقيقة قد تظهر أحياناً حين
التعبير عن شعور ما .. وهذه الحقيقة قد تغيّر الشعور ذاته .
انكشف رداء العامل عن يده اليسرى حين مال , وبانت كهلالِ السماء , ناقصة الظهور ,
من خلف الرداء تفسّر في كبرياءٍ مظهر العاملِ حين يتّكئ على جنبيه في ضعف , ويأخذ
المال بيده اليمنى .. تلك اليد التي أرهقها الحزن على رفيقتها فباتت تواصل عملها ..
كمشية العرجاء .
اعتدل العامل في جلسته , والكلّ ينظرُ إليه , والكل يقول في نفسه : سامحني يا الله
عندما أتذمر , ولكنه ابتسم في هدوء وكأنه يعزّي الحاضرين وقال مخففّاً عليهم
الموقف : على الأقل لن آخذ كتابي يومئذٍ بشماليه !