أحسستُ بتراجع يديه
الصغيرتين الدافئتين عن معانقتي، نظرت في وجهه، رأيته يغط في نومٍ عميق. ابتعدت عنه
بهدوء متسللة إلى خارج الغرفة، وقبل أن أغلق الباب ورائي، سمعت صوتَ حركة مفاجئة في
الحديقة جعلني أعود إلى الغرفة، وأصغي السمع من نافذتها.. صوت رفيع يشبه النحيب،
يقلقني، ترى من صاحبه؟ أولادي كلهم في أسرَّتهم نائمون.
غادرت الغرفة باتجاه الحديقة. كان البرد قارصًا هذه الليلة الكانونية، استجمعت على
وجلٍ، وعجلٍ كاملَ قوتي مستأسدة للدفاعِ عن عريني بغياب سيد البيت. وضعت شالي
الصوفي السميك فوق كتِفَيَّ .. أضأت النور في الحديقة، وبهدوء تام خرجت إليها
تجنبًا لإحداث حركة ما قد توقظ أولادي. هاجمتني في طريق البحث هذه هواجس تقشعر لها
الأبدان، فكانت قوتي تزداد كلما توغلت بالأوهام عمقًا. قرب شودير الشوفاج ازداد
الصوت وضوحًا، للحظات ظننتُ بأنه مواء قطة، ولكن ما رأيته بعد ذلك، جعلني أرتجف
كأرنب مذعور فاجأه ثعلبٌ ماكر، كدت أقع فوق الأرض عندما رأيته يندس خلف الشودير،
وعيناه تلمعان بالدموع، وهو ينظر إلي متوسلا بصمت محزن. ازددت ذعرًا وحيرة، تراجعت
إلى الوراء بضعة خطوات، أضأت خلالها المصباح الكهربائي فوق الشودير لمعرفة ما إذا
كان زائر الليل هذا وحيدًا أم برفقة أحدٍ ما. كان وحيدًا، تعجبت منه كيف استطاع
اجتياز السلك الشائك فوق سور الحديقة، وكيف نزل إليها في الظلام دون سُلَّمٍ. تقدمت
نحوه ويداه ترتجفان... اقتربت منه، فالتصق بالحائط الذي أبى ابتلاعه، اقتربت أكثر
ودقات قلبي بازديادٍ، بينما أفصحت شفتاه المزرقتان عن حالِ قلبه المضطرب.. أمسكت
بيده المرتجفة... جذبته نحوي بلطف، وحنان، فكاد
الدم يتجمد بيدي من شدة برودة يده.
- أحمد ماالذي أتى بك
إلى هنا ياجارنا الصغير؟
نظر إلي و الدموع تهمي
من عينيه النجلاوين، و ضوء المصباح يتكسرُ بهما حباتِ ماسٍٍ تتناثرُ فوق خديه
المتوردين بالخوف، والخجل متمتمًا: لا تعيديني إلى البيت.. سيضربني أبي بالعصا.
- لماذا؟
- كسرت زجاج الغرفة
بالكُرة، وجرحت رجلي ويد أختي سارة.
ابتسمت في وجهه بحنان،
ومشيت به إلى البيت لأضمد جرحه النازف، بينما كان صوت صغيري يعلو باكيًا عندما
استيقظ ولم يجدني بالقرب منه..