قرية المحبة قرية هادئة وادعة تغفو على كتف الجبل , كل ما في القرية جميل , سهولها
فسيحة , ووجوه أهلها مريحة , هواؤها عليل , وماؤها عذب كأنه السلسبيل .
كانت الشمس ترسل خيوطها الذهبية الأولى من خلال الغيوم الكثيفة التي كانت تغطى وجه
السماء عندما خرج سعيد من بيته قاصداً بستانه , كان سعيد يرتدي معطفاً من الجلد
يتقي به البرد , وفي يمناه طعامه وفي الأخرى مظلة قد
تسلح بها يتقي بها المطر متى نزل .
عندما وصل في طريقه إلى تلة مرتفعة استرعى انتباهه صوت لم يسمعه من قبل , أعار سمعه
ليفهم الصوت ... فإذا هو قادم من السحاب " اسق حديقة كريم " كريم ... من كريم هذا ؟
.. وما قصته ؟ .
لفت
نظره شيء آخر وهو أن الغيوم بدأت تسير مسرعة كقطيع غنم يسوقه راعيه , تابعها بنظره
فإذا بها قد تجمعت والتحمت ثم أفرغت ماءها .
هبط
الأكمة مسرعاً حتى وصل الأرض التي نزل فيها المطر , رأى بيتاً صغيراً في جانبها ,
ورأى رجلاً علائم التقوى بادية على وجهه , قد زين وجهه لحية غلب عليها البياض فكسته
مزيداً من النور والوقار .
كان
الرجل يحول الماء في أخاديد قد أعدها لهذا الأمر لكي يصل الماء إلى جميع الأرض .
سلم سعيد عليه قائلاً : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. رفع كريم رأسه والبسمة
قد ارتسمت على شفتيه وهو يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .
بادره سعيد بالسؤال قائلاً : ما اسمك ؟ فضحك الرجل وقال كريم , اسمي كريم لكن ما
الأمر .. ؟ .. فأجاب سعيد : لقد رأيت وسمعت الساعة عجباً , سمعت صوتاً في السحاب
يقول اسق حديقة كريم , ورأيت الغمام قد تجمع فوق أرضك فسكب ماءه , وإني
لأظن أنه لم يغادر أرضك من الماء ولا قطرة واحدة فبالله عليك أخبرني ما الأمر ؟
أطرق كريم قليلاً ثم رفع رأسه والعرق يتصبب من
جبينه كأنه حبات لؤلؤ , لاحظ سعيد أن كريماً يكتم دموعه , فراعه الأمر وقال ما
الأمر ؟ ما بك ؟
فقال كريم : هو سر ما كنت أريد البوح به لولا أنك سمعت ما سمعت ورأيت الذي رأيت ,
فاسمع يا أخي واكتم عني ما سمعت فإني أخشى على عملي أن يضيع . انظر إلى هذه الأرض ,
لقد ورثتها عن أبي الصالح جواد رحمه الله , وقد عاهدت الله أن أعطي الفقراء حقهم من
هذه الأرض .
ولذلك فإنني أنظر إلى ما تخرجه الأرض كل عام فأجعله أقساماً ثلاثة : أتصدق بالأول
على الفقراء والمساكين , وآكل وعيالي القسم الثاني , وأشتري سماداً وبذاراً بالثلث
الأخير لأجعله في الأرض فأحصده في العام الذي يليه وهذا حالي منذ زمن طويل .
اسمع يا أخي : من المستحيل أن تحسن إلى خلق الله ولا يحسن الله إليك , فالخلق عيال
الله , وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ اسْقِ
حَدِيقَةَ فُلَانٍ فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ
فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدْ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ
كُلَّهُ فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ
الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا اسْمُكَ قَالَ فُلَانٌ
لِلِاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ فَقَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ لِمَ
تَسْأَلُنِي عَنْ اسْمِي فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ الَّذِي
هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ اسْقِ حَدِيقَةَ فُلَانٍ لِاسْمِكَ فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا
قَالَ أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا
فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا وَأَرُدُّ فِيهَا ثلثه
.