لاحتْ بأسمال بؤس تفتر عن سحنات مغشية بحزن دفين، تنصاع النظرة المتطلعة إليها إلى
المساءلة عن خبء درامي يلوك ألف سؤال وسؤال...
التحفتْ أسى بادياً على هيئة تتماثل للسقوط في اتجاه اليسار، يد حيل بينها وبين أن
تمسك بتلابيب محفظة متلاشية دفنت فيها أوراق مهترئة طالما استعملت لمآرب سد رمق
الجوع، وعلاج هذا الجسم السقيم. وثائق تنوب عن لسان منعقد، يتعثر الحرف على سطحه
ألف مرة قبل بلوغ شفة مرتعشة مغمورة بسيول غلَت في مراجل مقلتيها.
تدير دفة حياتها بشق من جسدها، والشق الآخر هوى في عالم الإعاقة، وتشق عباب هذا
الزمن الكؤود بابتعاث لحظات ألق من غيابة الماضي، حينها يفتر ثغرها عن ابتسامة
متهالكة، وسرعان ما تتجه ناصيتها ناحية الأرض لتلفظ زفرة حرى، نحيبا صامتا، وأنفاسا
مسربلة بوخز الأيام الخوالي وطعناتها.
ولطالما استبدت بها نوبات نشيج في غرفة منزوية اتخذتها موئلا ليليا لا بديل لها عنه
في مواجهة غوائل الزمن، لتفرض صلابة ما تزال بين أضلعها مع كل هذا الهم الذي غمر
لياليها المطعونة، والمغصوبة. غرفة تقيها شر تربص زوج سكير لا يرتاد بيته إلا في
عمق الليل لينثال عليها كحيوان بئيس ينشد الخطيئة الملعونة. أجرة الغرفة كان يسددها
بعض المحسنين ممن اضطلعوا على سر لم تعد تملك أن تصونه بعدما استبد بها معتق القهر
في ظلام سرمدي، لم تجد منه بدا، ليس لأنها لا تعرف سبيلا إلى قصبة القضاء، ولكن
علة القلب وتمسكها بأمل العلاج جعلها تؤثر البقاء في دائرة المتزوجات ممن يحظين
بالتغطية الصحية، لأن خروجها من هذه الدائرة يعني الامتثال لتصاريف المعاناة
الصحية. اختارت عيشة ضنكه تتأرجح فيها بين بيت زوجها بالنهار ـ لتقر عينها
بأبنائها، تناغيهم وتطعمهم ـ والغرفة الموحشة ليلا . آثرت أن تمسك بزمام أبناء قد
يلفحهم لهيب الشارع، وبشعرة معاوية مع زوج لم يعد لها منه سوى اسم تستثمره حين
اللجوء إلى المستشفى لتلقي العلاج.
تدرك أنها تسعى عبثا للجمع بين شتيت لا يجتمع، تذر الرماد في عيون زمن ساخر، تدير
ملحمة فريدة في البعد الخارج عن كل أبعاد الحياة الزوجية المشرعة، على تخوم هذا
البُعد يفترس كل ما ينبني عليه ميثاق الزواج، في ذاك البعد لا ألوان للحياة؛ إنما
هو مقصلة للزمن، حيث وئدت شهية البقاء.
في هذه الأنفاق التي تتقاذفها، تلملم شظاياها كي تنأى عن تهمة التفريط، واقتراف
جريمة الوأد، والواقع أن الانفصال عن المكان والزمان، والاغتراب عنهما وجه آخر
للموت.