قال أبو العبَّاسِ المُبرِّدُ:
ما سُرِرْتُ بشيءٍ كسروري بأبياتٍ أنشدَها أبو محمدٍ يحيى اليزيديُّ ، وهي :
يا رَبَّةَ البيتِ إني عنكِ في شُغُلِ
فجاوري بالصِّبَا غيري وبالغَزَلِ
قد كنتُ فيما مضى للَّهوِ مُتَّبِعًا
سهلَ القِيَادِ لأهلِ الغَيِّ والخَطَلِ
فاليومَ قنَّعَني شَيْبي وبصَّرَني
طولُ التَّجارِبِ ما قدَّمْتُ من زَلَلِ
في الأربعين إذا ما عاشَها رجلٌ
ما يُوضِحُ الحقَّ والمنهاجَ للرَّجُلِ
لَهْفي على موبقاتِ القولِ والعمَلِ
يا ليتَ أنِّيَ لم أَفعَلْ ولم أَقُلِ
أبكي ذنوبي ولا أبكي الشبابَ وإنْ
كانَ المَشِيبُ هو المُدْنِي إلى الأجَلِ
إنَّ الشبابَ وأيامًا له سلَفَتْ
أَشْفَتْ بنفسي على الأهوالِ والوَجَلِ
فكيفَ آسَى عليه وهو زوَّدَني
لا بل تزوَّدتُّ منهو أسوأَ العمَلِ
فإنَ يَزَعْني حُلولُ الشَّيبِ عن سَفَهٍ
فخيرُ مُستخلَفٍ من خيرِ مُنتقِلٍ
يا جامعَ المال للدُّنيا يُشمِّرُها
ومُدْئِبًا نفسَه بالحَلِّ والرَّحَلِ
يا مُرْضيَ الخلقِ في إسخاطِ خالقِه
ومُهْلِكًا دينَه بالحرصِ والأمَلِ
إن تُفْنِ عمُرَك في كَدٍّ وفي تعَبٍ
فالدَّهْرُ يُفْنِيك في رفقٍ وفي مَهَلِ
أكُلُّ هذا لكي تزدادَ من نشَبٍ
ويَكثُرَ الجمعُ من مالٍ ومن خَوَلِ
وتجعلُ الأهلَ والأولادَ عِلَّة ما
تسعى له يا كذوبَ السَّعْيِ والعِلَلِ
بل أنتَ تَشْقَى وعندَ اللهِ رزقُهُمُو
وقد كفى كُلَّ مولودٍ ومُكْتَهِلِ
يا ربِّ إني مُسِرٌّ مُعْلِنٌ ندَمًا
على الذي كانَ في أيَّامِيَ الأُوَلِ
فالطُفْ بعبْدِكَ وارزقْهُو مُراجَعةً
إلى السبيلِ الذي تَرْضى من السُّبُلِ
واغفِرْ له وأقِلْه سوءَ عَثْرتِه
فالويلُ إن أنتَ لم تَغْفِرْ ولم تُقِلِ
المُبهِج في القراءات الثمان لسِبطِ الخيَّاط ص 109