" قصة مهداة للأهمية لأمين عمان "
- الزمان: قبل أسبوعين.
-المكان: في حديقة عامة من حدائق أمانة عمان.
-الشّخوص: رجل خمسيني شبه عاجز، طفل فقير منكود لا يتجاوز العاشرة، وموظفون من
أمانة عمان، وقلمي.
-
نوع الحادثة: الدّوس دون رحمة على قوت مواطن مسكين.
-النّهاية: تنظيف المكان من مواطن أردني فقير.
-الشّهود: أأنأأ أنا و مجموعة من المتنزهين .
-التّهمة: إفساد أرواحنا وتلويث مشاعرنا وأحاسيسنا.
-
الغاية: انتظار موقف حقيقي وعملي من الأمين بخصوص هذه السّلوكيات الجائرة بحق أصحاب
البسطات.
-
المسمّى الرّسمي للجريمة: إزالة بسطه غير مرخّصة لمواطن فقير.
-
التّفاصيل: الشّكر كلّه لأمانة عمان التي تُعنى بتزين المدينة بما له لازم وبما هو
بهرجة سخيفة لا داعي لها، ولها الشّكر أيضاً إن سعت إلى أن تعفي عيوننا من كلّ مشهد
مؤذٍ وجارح، ولكن من المسؤول والمجرّم فيها عندما تجرح إنسانيتنا ونحن نراها أداة
من أدوات مطاردة الفقراء أصحاب الأعمال البسيطة، لتحرمهم من قوتهم، وتدفعهم إلى
الجوع والعوز وربما إلى الجريمة بحجّة أنّهم يحتاجون إلى إذن مسبق كي يبيعوا اليسير
من البضائع الذي يكفيهم ذلّ السّؤال والعوز.
وماذا لو كانوا لا يستطيعون أن يستأجروا أماكن ومناطق في أملاك الأمانة بباهض
الأثمان كي يحصّلوا أرزاقهم؟ أيتوجّب عندها على الأمانة أن تدوسهم عبر موظفيها دون
رحمة؟ ومن نصيرهم عندئذٍ؟!!
اسمه " صاحب بسطه" ،لا أعرف له اسماً أو عنواناً ، ولكنّني أعرف من ملابسه الكابية
القديمة، وقسمات وجهه الكسيرة، ورجاء صوته، وذلّ نظراته، ومتواضع ما تحتوي بسطته من
إبريق شاي وإبريق قهوة وبعض السّكاكر المغلّفة الرّخيصة وأكواب الشاي البلاستيكية
أنّه من أولئك القابضين على حياتهم وكرامتهم وصلاحهم بشقّ الأنفس في ظلّ موجة غلاء
معيشة تكاد تخنق الأغنياء،فماذا عن الفقراء؟
كان
يجلس على الأرض في الممر الواسع في آخر حديقة عامة من حدائق الأمانة، وإلى جانبه
ينتصب ابنه الصّغير كشجرة راعية حانية. الابن كان يعدّد لوالده بسلطة لذيذة وأمر
حنون ما يريد أن يشتري له والده بمناسبة اقتراب عودة المدارس بعد العطلة المدرسية،
والأب يؤمىء ويكرّر برجاء لواحد جبّار: إن شاء الله يابني نشتري ماتريد.ثم يعود
يراقب بسطته، ويصبّ الشاي والقهوة في الأكواب ، ويدفع بها إلى أيدي المتنزهين الذين
يدسّون في يده نزير المال مقابل كؤوسهم، ثم يغادرون لا يلون على شيء.
فيعيد الابن الطلب قائلاً:" أنا أريد حذاء، وحقيبة، وبنطال، وقميص، ومقلمة، وعشرة
دفاتر، و..."
فيقاطعه الأب قائلاً بحنان صارم: إن شاء الله، توكّلْ عليه.
كان يمكن لصاحب البسطه أن يحقق حلم ابنه، كان حلماً صغيراً يمكن أن يحققه
معظم النّاس بسهولة، ولكن صاحب بسطه يستطيع أن يحقّقه بصعوبة بالغة.
هل كان صاحب البسطه يملك غير هذا الحلم الصغير المؤجّل رغم أنفه؟ لعلّه كان يملك
أمنيات سرّيّة وأحلاماً مستحيلة، ولكن موظف الرّقابة التابع لأمانة عمان صادر بل
داس في لحظة واحدة كلّ أحلامه، اقترب منه بغطرسة متكبّرة، لا يستطيع أن يكونها
إلاًّ مع مواطن مسكين مثل صاحب بسطه، وبأسئلة سريعة نزقة استفزازية يرافقها أزيز
جهازه اللاسلكي تأكّد من أنّه لا يحمل ترخيص ليقود بسطته الفضائية!!!
بركلة من قدمه داس البسطه، وأفسد كلّ ما فيها، صاحب البسطه سأله بالله أن يكفّ عمّا
يفعل، وانبرى يحاول أن ينقذ ما بقي من حطام بسطته، وابنه بين الأقدام يحاول أن ينجز
مهمة والده المستحيلة، لكن الموظف غالى في القفز وتحطيم البسطه، وشاركه موظفان
مرافقان له في هذه اللعبة الشيطانية على أنغام دموع الطفل وحوقلات والده المغلوب
على أمره.
موظّف الأمانة أكمل مهمته الشّهمة بأن ألقى بصاحب البسطه الكسير وشبه المعاق وابنه
صاحب الحلم المستحيل إلى خارج الحديقة لا يلويان على شيء، المتنزهون انفضوا بقرف من
حول موظفي الأمانة، وأنا فكّرت بعمق ماهي عقوبة من يضرب موظّف دولة؟ ثم انسرحت
أحدّق في البسطه الشهيدة، وأبحث عن قلم وورقة لأرثيها في قصة اسمها " صاحب بسطه".