لا أظن أن الدعاء يكفي لتحقيق الاحتياجات دون بذل أسباب الحصول عليها، فقد أوجد الخالق -جل وعلا- أنظمة وقوانين كونية تتطلب بذل المقدمات المناسبة لكل نتيجة والسعي لتحقيقها، وهنا تبرز أهمية المعرفة بواقع العلاقات المنطقية بين الأشياء.
ولاشك أن لدى الإنسان القدرة على بذل الأسباب، وكذلك اختيار ما يقوم به من تصرفات وسلوكيات، وفقًا لسماته الشخصية وما يتعرض له من خبرات في حياته، غير أن النتائج تبقى من المآلات التي لا يستطيع الإنسان اختيارها بشكل مباشر ولكن يمكنه التنبؤ بها وصناعة الظروف المناسبة لها وفق إرادته واختياره، فمع أنه لا يستطيع الجزم أن يكون سعيدًا أو غنيًا، يمكنه بذل أسباب الغنى والسعادة وتغيير أنماط وأساليب حياته ثم انتظار النتيجة.
وبعيدًا عن الإجراءات المادية المحسوسة التي تتعلق بالسبب والنتيجة، يظهر بعد آخر لا يقل عنها في الأهمية، بل يعتبر عاملًا رئيسًا لنجاح تلك الإجراءات وعنصرًا هامًا لتحقيق الغاية منها، وهو ما يعرف بالتوفيق، الذي يتمثل في الهداية لسلك طرق ميسرة لتحقيق الهدف، والشخص الموفق هو الذي تتهيأ له الظروف المواتية لأداء أو تحقيق أمر معين في أفضل صورة.
ولا يرتبط التوفيق دائمًا بأداء الشروط المادية لتحقق الأشياء، فقد يبذل الشخص جميع ما يظهر له من أسباب نجاح مهمة ما، ولكنه في النهاية يفشل ويكون السبب –ببساطة- عدم التوفيق.
الأمر الذي يقود إلى التسليم بأن منطقية العلاقة بين الأشياء ومسبباتها لا تكفي بالجزم بوقوعها وأن هناك إرادة قوية تفوق إمكانات البشر، تملك صلاحية تفعيل أو تعطيل تلك العلاقات، وتقرر ما يترتب عليها من آثار ونتائج، وفقًا لقوانين ربانية تنظم مسيرة الحياة في نظرة كلية شاملة ومترابطة.
فالأشياء لا تحدث إلا بأسبابها الحقيقية، ولكن توافر هذه الأسباب لا يعني ضرورة حدوثها، فثمة متغيرات أخرى تؤثر في مستوى حدوث الظاهرة، ويلعب التوفيق دورًا بارزًا في توجيه أبعاد العلاقة فيما بينها، وتظهر آثاره في مستويات مختلفة ومتغيرة تتسق مع طبيعة أحوال البشر وواقع ما يقومون به من أعمال.
ويمكن استشعار التوفيق في مآلات الأشياء والأحداث كأحد مظاهر وحدة الضبط الإلهي لمجريات الحياة، ضمن نظام عادل بديع، يضفي أفقًا أوسع في فهم طبيعة حدوث الظواهر والأحداث النفسية أو الاجتماعية أو حتى الطبيعية، ومدى ارتباطها بالمشيئة الربانية وما يتعلق بها من علاقة المخلوقين بخالقهم وانعكاساتها المختلفة على سلوكياتهم وغيرها من العوامل التي تسهم في تفعيل العلاقات السببية بين الأشياء.
وقفة
قبل أن نطلب التوفيق يجب البحث عن أسبابه التي قد لا تربط بالظاهرة بشكل مباشر.