عمان – منذ صدور روايته الأولى “كنت سأفضل الحياة” الحائزة على الجائزة الكبرى “جون أورميسون” لعام 2007، والروائي تييري تييري كوهين يطير من نجاح إلى نجاح. كتبه الثلاثة الأولى التي تصفها دار “فلاماريون” بأنها الكتب الأكثر مبيعا حيث الحب، والتصوف والتشويق ترسم عالما غنيا بالمشاعر”، قد ترجمت إلى 10 لغات. أما كتابه “كنت سأفضل الحياة” فقد يقتبس سينمائيا من قبل جيل باكيه برينر، منتِج فيلم “كان اسمها سارة” الذي اشترى حقوق الرواية.
“إذا كنتَ موجودا في مكان آخر” هي الرواية الرابعة لتييري كوهين. “سوف تموت بالقلب مع خمسة أشخاص آخرين”، تقول الصغيرة آنا لِعمّها نعوم، هذا العازب، البالع من العمر 35 عاما، المهووس بعمله. نعوم الذي يشعر بالقلق والاضطراب بسبب مغادرة هذا العالم، يقرّر استشارة طبيبة نفسانية تستعمل أساليب علاجية”غير عادية”. تقول له النفسانية أن كلام ابنة أخيه نابعٌ من روح “نبوءة الأبرياء”: البشر الأنقياء وحدهم – وهم الأطفال أو المعوقون عقليا – هم الذين يملكون موهبة التنبؤ بالمستقبل. لكن نعوم يرفض الاستسلام لهذه الفكرة وينطلق في البحث عن خمسة أشخاص محكوم عليهم بالاختفاء عن الحياة في الوقت نفسه الذي يغيب فيه هو أيضا عن الوجود. “مغامرة تذهب به إلى حدود العقل، حيث يمكن أن تنتهي الحياة.. وحيث يمكن أن يولَد الحب من جديد.
في أحد فصول الكتاب نقرأ “جذبته أريثا لورنس إليها وقبّلته بحرارة. وما لبث هذا التعبير العاطفي أن لامس روحه”. “عندما كان نعوم مريضَها كانت أريثا لورانس واحدة من علماء النفس المتخصصين في الأطفال، ومن أكثرهم شهرة وصيتا في البلد. فهي تلميذة فرنسواز دولتو الشهيرة، ولذلك فهي تتقن فن الإنصات إلى الصغار الذين يودَعون عندها. فمن خلال حنانها، وعنايتها كانت تضع هؤلاء الصغار في قلب علاقة يستردون في داخلها ثقتهم بأنفسهم وفي كل من يحيطون بهم”.
“لقد سبقته سمعته شهرته”. فعندما عهد به غليها كان نعوم هادئا صامتا. لم يكن أبكم تماما لكنه كان يحصر كلامه ضمن الحدود التي تقتضيها الضرورة، إلى حدود قليل من الكلمات التي يختارها بكثير من الهواجس كما لو كان يخشى أن يستنفد ائتمانه من المفردات”.
أريثا لورنس، المتخصصة في علم نفس الطفل تلتقي بناعوم، مريضها السابق. في الرواية توصف هذه المرأة العجوز بالشخص اللطيف الودود الذي يحمل الكثير من الصفات الجميلة: “ناعمة”، “لطيفة”، “حنونة”، “ودودة”.. شخصية أمومية تعانق نعوم الذي يتأثر في النهاية. لقد ساعده إصغاؤه لنصائح طبيبته في التغلب على المأساة التي وقع فيها عندما كان طفلا. في الرواية السابقة لتييري كوهين “لطالما حلمت بها” نكتشف بائع كتب قديم يقدّم بسخاء العمل لروائي مسكين غارق في الديون ويعوزه بسبب ذلك الإلهام. لعله العمل بالمثل القائل الطيبة هي السلاح الأخير ضد الشقاء!…”
ماذا عن أسلوب الروائي؟ لقد جاءت فقرات وفصول الرواية قصيرة، وجاءت الجمل موجزة مكثفة، وحاذقة أحيانا (لقد سبقت سمعته شهرته)، لكن اللغة مهذبة ومنمقة وفي متناول الجميع، والكتابة متميزة بالسيولة والسلاسة، وهي  قادرة على إرضاء القراء الذين يريدون الترفه خلال هذا الصيف على الشواطئ بين حصتين من حمامات الشمس الحارقة.
في رواية تييري كوهين نجد مواضيع تدّعي الشمولية – قلق الماضي، وهشاشة الحياة، والخوف من الموت، والحب، والأسرة، وكذلك الشخصيات الذكورية المعذبة والمنفعلة، أي بعبارة أخرى، الشخصيات الرومانسية. وفي ذلك يكمن سرّ مثل هذه الروايات، المليئة بالقصص الجذابة، وإن كانت بلا طعم أحيانا، وبجماليات باهتة. وذلك هو حال الروايات في أيامنا.


المراجع

alghad.com

التصانيف

أدب   الآداب   قصة