على
حين
غرة، والناس في شغل عن الغد بسبب ما هم فيه من ضنك سنين الجدب في
الأرض وفي السماء، جاءهم شيخ القيادة بخبر قرب قدوم سعادة وزير التجهيز،
صار
من قبيل الحلم تحقق وعد الوزير السابق، ألقى فيهم خطبته العصماء
بعربية ترفع الفاعل وتنصب المفعول، كأنه في قوم من نجد أو تهامة، فلم يتم
نقل
فحوى كلامه لاحقا إلا عبر بعض فتية دخلوا مدرسة المدينة ، ممن أسعفتهم
خؤولة أو عمومة هاجرت تحت وقع الرصاص بعيد الاستقلال، فتعلموا اللغتين
العربية والفرنسية، قبل انجرارهم إلى ما يقيم أود العيش بالهجرة إلى الضفة
الأخرى متسللين عبر حدود الجوار في الليل والنهار، شاع بينهم على الإجمال
ما
بشرهم
به
الوزير من فك العزلة عن قريتهم الموغلة في جبال الريف، إلى فتح المدارس و
المستوصفات، و رغم أن الشيخ كان من القرى المجاورة، بينه وبينهم قرابة دم
وانتماء، فإنه طالما كان نذير شؤم عليهم بما يأتيه على لسان المخزن في
الرباط، حمل إليهم ذات ليلة بشرى نبأ قدوم موكب رسمي كبير، فما أصبحوا إلا
على
زلزال عنيف تناقلت وكالات الأنباء العالمية فضائح المزايدة فيه على
شعب
المنطقة، قبل تفاصيل آثاره المدمرة، عاود الشيخ صيحته كأنها في واد
غير
ذي زرع، لم يخرج إليه من العشيرة فرد يبدي أدنى اهتمام بما أنبأهم
به،
رغم استمرار سوء أحوالهم من نصف قرن أو يزيد.