لم يكن الديك يثق بأحد من حوله، ولا حتى بأكثر الدجاجات تمسُّحاً بجناحيه وتودُّداً أمام مجلسه وخضوعاً لرغباته ونزواته. كانت شكوكه عظيمة بأن مؤامرة تجري لاستبداله، وقد أقلقه التفكير بالمؤامرة، ومشكلة عدم وضوح أبعاد هذه المؤامرة، او اتضاح بعض تفاصيلها وغياب تفاصيل أخرى. وكان أشد ما يخافه من المؤامرة تحويله الى وجبة يلتهمها رواد المطاعم. وقد يكون التذلل والتودد من حوله خداعاً مخططاً من قوى تتحين الفرصة لإسقاطه وغزو مملكته التي تكاثر دجاجها في السنة الأخيرة بمعدلات فاقت التوقعات، مما رفع قيمة خمِّه في البورصة الدجاجية. ورغم ذلك.. السياسة مليئة بالمطبات الخطيرة.. والمفاجآت غير المتوقعة، ولا تحكمها الأخلاق.. وتغيب عنها القيم. السياسة أضحت تجارة بيع وشراء، مطبات ومؤامرات، يضحكون بوجهك لإلهائك عما يطبخون، وديك بمثل مقامه، مثقف، شاعر، مفكر، فيلسوف، قائد عسكري، رجل دولة، وراعي شؤون الخم وفحله، تتكاثر حوله المؤامرات والأطماع والدسائس الداخلية والخارجية.. طمعاً بإنتاجه الدجاجي، الذي يوازي اليوم الإنتاج النفطي في أهميته الاستراتيجية، والرغبة في التهامه واكتساب صفاته الفكرية والفحلية عبر وجبة شهية تتعاظم، وتُشغل السياسة الدولية...
كان أمنه الشخصي يقلقه أكثر من أمن مملكته. لأن نفوقه هو نهاية للتاريخ ونفوق لملك لا يظهر مثله في التاريخ الا كل قرن كامل، أو عدة قرون. وكان الديك يحب ان يؤكد، حتى لا يلتبس المعنى على قليلي العقل، انه يقصد بالقرن مائة سنة وليس تلك الموزة الصلبة التي تنمو في أعلى رأس وحيد القرن.
من سيصدح صوته صباحاً مجلجلاً بشعر ثوري تعادل قوة القصيدة فيه ما يتجاوز حتى قوة الصواريخ الباليستية عابرة القارات..؟ من قادر مثله ان يُخضع أكثر الدجاجات استعلاءً وتمختراً بجمالهن لأوامره ورغباته؟ من يروي شبق هذا الجيش الدجاجي قليل العقل والدين...؟
المسؤوليات جسام. وهو خلق لتحمل هذه المسؤوليات الأرضية، وإيجاد الحلول لمسائل الأمن الحارقة في جمهوريته الدجاجية، الأفلاطونية بتنظيمها.
حقاً، هل تتصورون ما قيمة المملكة إذا نفق ديكها، والى ما يمكن أن تؤول آلية التطورات من إشكاليات تنظيمية وانتاجية؟ وتأثير ذلك السلبي على استقرار الاقتصاد العالمي؟ وهل ستصمد البورصات أمام أزمة غير متوقعة مثل نفوق الديك؟!
مضطراً، قام الديك بخطوات أمنية حاسمة مستعينا بخبرة ديوك الجيران الأشقاء.. فعين بعض الدجاجات ليعملن كعيون في مملكته، أسوة بممالك الأشقاء السابقين له في الخبرة.. وأطلق على هذه المجموعة أسم "ثقافة الأمر بالحسنى".. ولكن هذا الأمر حسب ارشادات ديك ام كميل يبقى ناقصاً ويحتمل نسبة خطأ كبيرة. والحل تعيين عيون من دجاجات أخرى ليعملن كعيون على العيون من المجموعة الأولى. وسمى المجموعة الثانية "هيئة النهوض بشؤون الشعر الفصيح" ليعطي انطباعاً ان خمه يعنى بشؤون الثقافة والتربية والتعليم، كيف لا ورجل الدولة الأبرز في الخم، هو الديك الفصيح... رغم ان نسبة الأمية تكاد تكون مطلقة.. لكن المعطيات التي توزع على الاعلام تصاغ في إدارة الخم حسب رغبات الديك، وهذا لا يعتبر تزويراً انما تيمُّناً بما سيكون عليه المستقبل.
ولكن يبدو ان هذا الهرم الأمني يبقى ناقصاً في فاعليته، كما أشار الأشقاء في آخر مؤتمر قمة جمعهم في خم أبي العلاء. حيث أكد الأشقاء على ضرورة إقامة مكتب أمني سري لا يعلم به الا الديك نفسه ويسمى ب "أرشيف الديك الثقافي"، تكون مهمته مراقبة المقربين والمتحذلقين حوله. ومكتب آخر صلته غير مؤكدة بأعمال الأمن.. سمي "مكتب الاستثمارات" يتخذ شكلاً دولياً للمشاريع العمرانية مما يسهل تجنيد الدعم الخارجي، ولكنه عمليا ينفذ سياسة أمنية مشددة جداً، ويمول سائر أجهزة الأمن، وليذهب العمران الى الجحيم بعد أمن الديك وسلامته.. ويقول بعض العالمين بلغة الديوك وتصرفاتها انه أقيمت مع الوقت فئة عيون أخرى لم ينشر اسم رسمي لها مما جعل الهيئات المشتغلة بالأمن الشخصي للديك تزداد الى أربعة تنظيمات أو خمسة، والعلم بالعدد الحقيقي، عند الله جل جلاله.. ولكن تسربت معلومات ذكرتها "الجزيرة" دون أن تفضح مصادرها، ان الديك أنشأ هيئة هي " المكتبة القومية" حيت يحتفظ بملف عن كل طير دجاج داخل خمه، منذ خرج من قشرة البيضة وحتى لحظته الأخيرة داخل الخم.
وباتت مملكة الديك مكتظة بالعيون المختلفة، ثلاثة منها (وربما أربع؟) معروفة بأسمائها، وواحدة سرية (وربما اثنتان؟) قائمة بالتأكيد. وأخرى سرية معروف وجودها ومجهول اختصاصها، وغير ملموس نشاطها في مجال العمران اطلاقا رغم اسمها، ورغم تدفق الأموال النفطية اليها.... ووصل عدد العيون على العيون على العيون الى نصف سكان الخم والبعض يقول ربما أكثر إذا علمنا عدد المشتغلين بالأجهزة السرية من مختلف الهيئات .. وإذا أنزلنا من حسابنا الفراخ الصغيرة التي لتوها قد خرجت من قشرة البيضة، يكون قد عين عينا لكل دجاجتين أو ثلاث وعليهن عين أخرى تراقبهن وتراقب كل همسة او حركة غير واردة في الحركات المسموح بها للدجاجات، بما في ذلك تسجيل عدد المرات التي تحرك فيها الدجاجة أجنحتها، وعدد المرات التي تقترب من وعاء الماء، وعدد المرات التي تعملها فوق الارض بلا حياء .. وبالحساب الأخير يمكن ان نفترض بدون خطأ كبير انه يوجد عين لكل دجاجة ونصف الدجاجة تقريبا، حسب معلومات تؤكدها أيضا معاهد الدراسات العسكرية التي يديرها ديوك شعراء مرهوبي الجانب تجيئهم المعلومات من عيونهم المنتشرة حول الكرة الأرضية. والهدف طبعا، أن يبقى أمن الديك مضمونا، وينام نومته السلطانية بعد تأدية واجباته العائلية والأمنية وقضاء شهوته اليومية من دجاجاته.
المستهجن ان هذه المملكة تسمى خما في لغة الضاد. يا لها من لغة قاصرة، وأول المتضررين منها هم شعراء الخم وعلى رأسهم الديك .. لأن كلمة خم تفتقد للوزن الشعري وتعني الرائحة النتنة، فهل يستقيم الشعر مع هذا الوضع؟!
بالطبع، ان لتخصيص العيون في المملكة الخمية تبريرها المنطقي. اذ ان الخطر الداهم على مكانة الديك ورفعته وعدم المساس به، هي من ضرورات بقاء الديك الزعيم الأوحد في مملكته. وصاحب الصوت الأقوى في الخم. وصاحب الفراع الأحمر الوحيد النابت مثل التاج الملكي عل قمة رأسه .. والناصع الريش بألوانه التي تسحر أجمل طير خلقة الله ..
من وظائف العيون في مملكة الديك الابلاغ عن كل فقس جديد وعدد الديوك المتوقع في الفقس الجديد، وتنمية خبرة العيون في التمييز بين البيضة التي سيخرج منها ديك والبيضة التي ستسفر عن دجاجة. وضرورة سحب البيضات الديكية من تحت الدجاجات ليلتهمها أو يبيعها صاحب الخم، حتى لا يبلغن مرحلة التفقيس وتبتلي المملكة بمنافسين من فصيلة الديكة .. فتعم الفوضى نظام الخم وقد ينهار النظام أو ويسوء، وينهار أمن الدجاجات وفراخهن ..
وغني عن القول انه لولا هذا التنظيم العبقري لسادت الفوضى ولشكلت كل دجاجتين حزبا مستقلا ولقامت المظاهرات التي تطالب بحصص أكبر من معاشرة الديك، الأمر الذي سيربك النظام ويستنزف قدرات الديك.. ولعمت الفوضى الاجتماعية داخل الخم .. ولأقيمت النقابات الهدامة، وتعطلت مشاريع الانتاج البيضي والفراخي ولأقام كل فرخ دجاجي مجلة ثقافية لينشر فيها شعرا مقاوما لسلطة الديك ..، وقد يكون أحد الديكة الناشئين جني فيقوم العراك ويسيل الدم، وتصبح حال ديكنا مثل حال الدجاجات، مجرد وجبة دسمة على مائدة في أحد المطاعم.. ويصبح المرحوم، أو السابق، بعد ان يحل محله فحل جديد !!
وفي الحقيقة انه وقعت أخطاء عدة في الاستدلال على البيضات الديكية.. أخرجت بيضات بريئة... وظلت بيضات تـآمرية .. ومع كل ذلك بقي الديك صاحيا، متيقظا لعملاء الاستعمار والصهيونية، حتى لا يجند عملائهم بعض الفراخ الديكة ويحرضونهم على المنكر وطريق الشر، وتصبح حياة الخم قتالا وصراعا ونتف ريش ودما، ولا بد مهما بلغت مكانة الديك اليوم، أن يجيء يوم أسود، كما حدث مع الديك السابق الذي نفق في القتال مع ديكنا الحاكم الذي صار الزعيم الأوحد اليوم .. وكان الديك على قناعة انه لا يمكن ان يكون في الخم ديك زعيم سابق. بل ديك زعيم أوحد، والزعيم السابق مرحوم او نافق.
حسنا، سيجيئ اليوم الذي يختار الديك وريثه في التتويج على الخم، من إحدى أجمل الدجاجات .. ولكن الآن كل شيء سابق لأوانه .. فها هو بقوة الفحل .. يحرت بلا كلل وبمتعة .. ولا يقصر بواجباته .. ومتنبه بواسطة العيون على كل ما يجري تحت الفراخ من فقس جديد. ويعرف كل التحركات، وحتى يعرف الوقت الدقيق بالثواني، الذي تقضي فيه كل دجاجة حاجتها فوق أرض الخم ..
غير ان الرياح لا تجري كما تشتهي السفن.
أطل صاحب الخم فجر أحد الأيام، ليعلف دجاجاته، وأدخل للخم ديكا جديدا جمال ريشه يأخذ العيون، وفتوته بارزة مما جعل الدجاجات يتضاحكن ويهرولن لملامسته واثارته .. دون حياء ودون أخلاق، كأن الزعيم الأوحد لم يرو شبقهن ليلة أمس.
الديك الفتي وقف يتأمل الديك الملك ببعض النظرات التي تثير الغضب.. ودون أن يكلف خاطره لتقديم صكوك الطاعة. كان من المتوقع ان يفهم هذا الغبي انه لم يدخل للخم لينصب ملكاً او وريثاً. وأن القرار بالتنصيب يعود لمجلس الدجاج البرلماني المشكل بأكثريته المطلقة من الدجاجات العيون على اختلاف هيئاتهم الثقافية (الجاسوسية).. والدجاجات أصحاب الحظوة في أمسيات الديك اللاهبة.
قرر الديك ان يكلف دجاجة بملاحقة هذا الوافد الجديد، الذي دخل ليستملك الأرض والبيت والعرض.. بينما صاحب الشأن حي يرزق.
ولكنه لا حظ ان المعلومات التي تصله من الدجاجة العين لا تشمل الكثير من التفاصيل، فهل تظن ابنة الزنا انه غافل عما يدور في خمه..؟ وهل تظن انها الوحيدة التي تراقب الوافد الجديد؟ والا تعرف ان كل الحركات تصله من عدة مصادر على الأقل، حيث تقارن المعلومات وتصنف في الأرشيف الثقافي؟
وفي ليلة قمراء، قرر ان يفرض حظر التجول، ليقبض على الوافد والخائنة بالجرم المشهود. فأعلن الأحكام العرفية التي أقرت بلا مشاكل في مجلس الدجاج البرلماني. وأبلغ الديك الدجاجات بان يلزمن مواقعهن لأنه يعتقد ان مؤامرة كبرى تحاك ضد أمن الدجاجات ورفاهيتهن .. وحبهن المطلق لزعيمهن الأوحد ديك الديوك.
خمدت الدجاجات فوق بيضاتهن بوجل، بانتظار ما قد يسفر عنه نظام الطوارئ .. ومضت الساعات متوترة ثقيلة. وفجأة سمع صوتا يتأوه .. وصوت يأمر بأن "أصمتي .. لا تفضحينا " فأطل على الزاوية التي تسرب منها الصوت، ويا لهول ما كشف. كانت الدجاجة العين التي كلفت بمراقبة الديك الجديد تتأوه تحته بلا حياء .. وهو يطالبها بتكرار بالصمت.
صاح الديك غاضبا: انها خيانة!!
جفل الديك الفتي: وقال بحياء: انا أمارس حقوقي.
- لا حقوق في خمنا الا باذن مني
- ولكنك مثلنا كلنا.. انت عابر أيضا.
- ما هذه الوقاحة.. انا الملك أيها الحقير!
صاح بقوة وغضب متفجر، متحفزا للإنقضاض بمنقاره على رأس هذا المعتوه المغرور.
ولكنه تريث اذ فكر بأن غضب صاحب الخم أشد بأسا من نظامه الديكي، اذ انه يملك وسائل قمع وقتل رهيبة لا يمكن تجاهلها في اقرار النهج الديكي. وقال:
- في خمنا لا يوجد ملكان.. بل ملك واحد .. وكل ملك آخر هو مرحوم أو لم يخلق بعد.
- يا سيدي أحضروني الى هنا لأقوم بواجبي القومي.. الاكثار من الدجاج والبيض...
- اخرس.. انت عميل وستجري محاكمتك. يا عيون القوا القبض عليه ,,,
وبعد تفكير قال:
- وعليها ايضا التي باعت كرامتها وتنازلت عن ثقتنا بها مقابل شهوتها.
انتفض الديك الفتي وانقض بمنقاره على رأس دجاجة من العيون حاولت تقييد جناحيه، فتزعفلت ألما بالتراب وما هي الا لحظات حتى نفقت. وما هي الا لحظة أخرى او بعضها والا والديك الملك ينقض على الديك الدخيل بمنقاره وينتف ريش رقبته وبعضا من جلد رقبته ليزعق الغبي بألم ويتأوه من نزيف دمه، وليفهم مرة والى الأبد، من هو الملك هنا. وقال بلهجة التهديد:
- بقصد لم الحقك بالدجاجة الميتة.. اعتبر هذا انذارا !!
في فجر اليوم التالي تفاجأ صاحب الخم بالدجاجة الميتة. وقد شاهد ضربة المنقار في أعلى راسها.
قذف الدجاجة لكلب الحراسة الذي سارع يقطعها بأنيابه الحادة ويلتهمها. تأمل الديكين بغضب.. وشاهد آثار المعركة بينهما. ولكنه أيقن ان العقاب لن يكون لصالح ازدياد انتاجية الخم.. وان الضحية ربما كانت ضرورية لتنظيم العمل الديكي داخل الخم.. المهم ما ستكون عليه النتائج خلال الشهر كله.. ان ديكين أفضل للخم من ديك واحد.. وسيفهم الغبيان هذا الأمر او ينفق أحدهما... وهذا يقاس لمن لا يعلم بعدد البيضات، طبعا الديك معفي من البيض.. ولكن تقول الأساطير ان بعض الديكة لها بيضة واحدة نادرة.. تسمى "بيضة الديك"، يرزق ربنا من يجدها بأحلى أمانيه!!
ترى هل ديكنا من أصحاب البيضة النادرة؟
او ربما لسد العجز المتوقع قد يصير ديكنا بياضا !!
المراجع
almadenahnews.com
التصانيف
شعر أدب قصائد شعراء