ليس بطراً منهم و لم يتحول اطفالي الى نباتيين فجأة و لم ينتموا الى جمعية الرفق بالدجاج بل أنهم يحبون اللحوم بكل انواعها و الوانها البيضاء و الحمراء ولكنهم اضربوا فجأة عن أكل الدجاج !
لقد تعودت كلما أستلم راتبي الذي لايستقر في جيبي الا بضع دقائق قبل ان ينقرض و يتبخر و يذوب و يتلاشى بفعل توزيعه على أشخاص ينتظرون راس الشهر لينقضوا عليه و يقطعوه إرباً إربا .. تعودت عند استلام ( المكموع ) ان أشتري دجاجة لأتناولها مع اطفالي في احتفالية أو في الحقيقة (عركة ) على المسكينة التي نحيلها الى حطام و عظامها الى رميم و في ذلك اليوم الذي ينتظره اطفالي في نهاية كل شهر ذهبت كعادتي لأشتري الدجاجة و لكني في هذه المرة لم أشأ ان أخذ دجاجتي كالعادة مذبوحة و مجهزة بل اخذتها حية تفعم بالحياة رغم انها كانت كئيبة منطوية على نفسها و رغم  صغرها و ضئالة حجمها الا انها بدأت بالصراخ المخنوق عندما وضعتها في المطبخ و حام حولها الاطفال ليعتنوا بها فهذا يجلب لها الماء و ذاك الطعام حتى حان وقت ذبحها و تجهيزها للطبخ فتابعني اطفالي و انا أحد السكين و التفوا حولي و انا أوجه الدجاجة المسكينة نحو القبلة فنتفت بضع ريشات من رقبتها فاستسلمت لي بعد مقاومة بسيطة و لكن قبل ان اقوم بعملية الذبح أنتبعت لتلك النظرات في عيون اطفالي و فيها مزيج من التعاطف و الخوف و الرحمة و طالب بعضهم بتركها تعيش متوسلاً و لكن هيهات هيهات فمعتدي كانت تصرخ مستنجدة و لم تؤثر في قناعاتي توسلات اطفالي و بعض الدموع في عيونهم و لكني لم أشأ ان اقوم بجريمتي امامهم فطلبت منهم الانصراف خوفاً على مشاعرهم و لكنهم اصروا على حضور جلسة الاعدام و مشاهدة المنظر الذي لم يطلعوا على مثله من قبل , و تمت عملية النحر و لكن لم اسمع هتافات التكبير التي ترافق مثل هذه الاعمال بل كان السكون و الوجوم و الاندهاش يعلو الوجوه البريئة و هم يرون ضحيتي ترقص وسط دمائها  و راسها معلقاً بالكاد بجسمها حتى استكانت و استسلمت فاستلمها القدر لتصنع منها زوجتي طعام الغداء , و عند جلوسنا الى المأدبة و بعد ان اهلكنا الجوع جاء الطبق الرئيسي من الارز البرياني تعلوه تلك المخلوقة التي تغير لونها الى الوان صفراء تسر الناظرين و روائح زكية تزيد من الجوع بلة , كانت العيون ترقب الضحية و مسلطة عليها و كأنها تتخيلها دجاجة حية ثم تنتقل العيون لي لترقب القاتل و نظرات الادانة و اللوم و ربما المطالبة بالقصاص ! لا ادري ؟
 قمت بالمهمة الموكلة لي و هي تقسيم الدجاجة الى اجزاء و وضعت امام كل طفل حصته من الغنيمة و استحقاقه بحسب حجمه و قربه من القلب طبعاً و قلت : قولوا بسم الله ...  فقال الجميع كالعادة بسم الله ... و لكن لم تتحرك ايديهم لتصل الى حصصهم كما اعتدنا في مثل هذه المواقف و بقي السكون هو سيد الموقف حاول البعض ان يأكل قليلاً من الارز و لكن اثار استغرابي هو انسحابهم التدريجي من الطعام و عدم استطاعتهم تقبل أكلهم هذه الدجاجة بعد ان شاهدوا منظر ذبحها رغم جوعهم لم يستطيعوا الاكل و بقوا هكذا حتى المساء و لم يعد أطفالي ابداً كما كانوا بعد ذلك اليوم ...و بقيت الدجاجة على حالها لم يمسها أحد بسوء , كنت في تلك اللحظة أفكر في اولئك الرجال القاسية قلوبهم الذين ينحرون الناس و السنتهم تصرخ بالتكبير ( الله أكبر ) اي فطرة صافية غادرت تلك القلوب و تشوهت ؟ و دمتم سالمين .
 

المراجع

رابطة أدباء الشام

التصانيف

ادب  قصص