العقوبة في نظر علماء الإسلام قبل أن نتكلم عن العقوبة في نظر علماء الإسلام نقول : إن الغرض منها في التربية الإسلامية الإرشاد والإصلاح ؛ لا الزجر والانتقام ؛ ولهذا حرص المربون من المسلمين على معرفة طبيعة الطفل ومزاجه قبل الإقدام على معاقبته . وتكوين العادة في الصغر أيسر بكثير من تكوينها في الكبر ؛ ذلك أن الجهاز العصبي الغض للطفل أكثر قابلية للتشكيل وأيسر حفرا على مسطحه . ومن أجل هذه السهولة يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتعويد الأطفال على الصلاة قبل موعد التكليف بها بزمن كبير ، فإن لم يكن قد تعودها بالفعل من تلقاء نفسه فلابد من إجراء حاسم يضمن إنشاء هذه العادة وترسيخها . ويقول رسولنا صلى الله عليه وسلم في ذلك : " مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع ، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر " أخرجه أبو داود () وإن روح الرفق والعطف والشفقة تظهر بوضوح في التربية الإسلامية عند معاقبة الطفل ، فقد اشترط للعقوبة البدنية شروط وهي : ألا يضرب الطفل قبل أن يبلغ العاشرة من السن . ألا يزيد الضرب على ثلاثة أسواط ( عصي ) . أن يعطي الطفل الفرصة في أن يتوب عما فعل ويصلح الخطأ ، دون الالتجاء إلى ضربه والتشهير به . وقد عني فلاسفة التربية الإسلامية بموضوع العقوبة عناية كبيرة ، سواء أكانت عقوبة معنوية أم كانت عقوبة بدنية . وأجمعوا على أن الوقاية خير من العلاج . التربيـة بالعقـوبة حين لا تفلح القدوة ، ولا تفلح الموعظة ، فلابد إذن من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح ؛ وبعض اتجاهات التربية الحديثة تنفر من العقوبة وتكره ذكرها على اللسان ولكن الجيل الذي أريد له أن يتربى بلا عقوبة – في أمريكا – جيل منحل متميع مفكك الكيان . إن العقوبة ليست ضرورة لكل شخص . فقد يستغنى شخص بالقدوة وبالموعظة ، فلا يحتاج في حياته كلها إلى عقاب . ولكن الناس كلهم ليسوا كذلك بلا ريب . ففيهم من يحتاج إلى الشدة مرة أو مرات . وليست العقوبة أول خاطر يخطر على قلب المربي ولا أقرب سبيل . فالموعظة هي المقدمة ، والدعوة إلى عمل الخير ، والصبر الطويل على انحراف النفوس لعلها تستجيب . " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ؟ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " -OQ
CQ- " واصبر على ما يقولون " -OQCQ- ولكن الواقع المشهود أن هناك من لا يصلح معهم ذلك ، أو يزدادون انحرافا كلما زيد لهم في الوعظ والإرشاد . وليس من الحكمة أن نتجاهل وجود هؤلاء أو نتصنع الرقة الزائـدة فنستنكر الشدة عليهم ! إنهم مرضى . نعم . ومنحرفون . و " العيادات السيكلوجية " قد تصلحهم . ولكن فلنحذر أن نجعل من وسيلتنا في تربية النفوس أن نجاريها في انحرافاتها ونتلمس لها الأعذار . فان ذلك نفسه يبعث على الانحراف ويزيد عدد المنحرفين ! ومن هنا كان لابد من " شئ " من الحزم في تربية الأطفال وتربية الكبار لصالحهم هم أنفسهم قبل صالح الآخرين . ومن الحزم استخدام العقوبة أو التهديد باستخدامها في بعض الأحيان . () والإسلام حين يعالج ذلك اتبع جميع وسائل التربية فلم يترك منفذا في النفس لا يصل إليه . إنه يستخدم القدوة والموعظة ، والترغيب والثواب ولكنه كذلك يستخدم التخويف والترهيب بجميع درجاته من أول التهديد إلى التنفيذ . فهو مرة يهدد بعدم رضاء الله وان كان له فعله الشديد في نفوس المؤمنين : " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ، ولا يكونوا كالذين أُوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون . " () ومــرة بغضـب الله صراحة كما في حديث الإفك في سورة النور الآيات ( 14- 17 ) وتلك درجة أشد . ومرة بحرب الله ورسوله إن لم يترك الربا ، ومرة بعقاب الآخرة ، ومرة بالعقاب في الدنيا " الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة " -OQ
CQ- والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا " -OQCQ- درجات متفاوتة لدرجات من الناس ! فمن الناس من تكفيه الإشارة البعيدة فيرجف قلبه ويهتز وجدانه ، ويعدل عما هو مقدم عليه من انحراف . ومنهم من لا يردعه إلا الغضب الجاهر الصريح . ومنهم من يكفيه التهديد بعذاب مؤجل التنفيذ . ومنهم من لابد من تقريب العصا منه حتى يراها على مقربة منه . ومنهم بعد ذلك فريق لابد أن يحس لذع العذاب على جسمه لكي يستقيم .() نحن والعقوبة المدرسية نعتقد أن العقوبة المدرسية لم توضع للقصاص أو الانتقام ، بل وضعت لإصلاح المعاقب ، وحماية بقية التلاميذ . ونعتقد أن العقاب البدني ليس بعلاج ناجع يحسم الداء ويبرئ العلة ، بل قد يكون سببا في تفاقم المرضى ، وتطاول العلة ، والعقاب الأدبي يؤثر في التلميذ تأثيرا بالغا لا يبلغه تأثير أي عقاب بدني . فالتلميذ الذي ينتخب لمراقبة حجرة الدراسة ، ثم يرتكب مالا يتفق وشعار المدرسة فيفصل وينتخب آخر لرياسة الفصل – يؤثر فيه هذا النوع من العقاب الأدبي تأثيرا نفسيا شديدا ويود أن تعود إليه ثقة زملائه . والحق أن كل طالب يعد قضية مستقلة قائمة بذاتها يجب أن ننظر إليه نظرا خاصا ، اذ أن ما يلائم هذا الطفل من العقاب ربما لا يلائم الآخر . وما أجمل قول المتنبي : وان أنت أكرمت اللئيم تمردا اذا أنت أكرمت الكريم ملكته كوضع السيف في موضع الندا فوضع الندى في موضع السيف بالعلا مُضرٌّ ومن لك بالحر الذي يحفظ اليدا ؟ وما قتل الأحرار كالعفو عنهمو ويجب ألا يمس نوع العقوبة كرامة الطفل ، وألا يكون فيها إهانة له كأن نقول : إن هذا التلميذ سرق كذا ، ونعلن هذا أمام المعهد أو المدرسة . فان للطفل شخصيته ويجب أن تراعى وكرامة يجب أن نحافظ عليها . وفي اعتقادنا أن العقوبة البدنية يجب أن تكون آخر وسيلة يلجأ إليها المربي إذا لم تنجح كل الوسائل الأخرى . ويجب أن يُشعِرَ المدرسُ تلميذه بذنبه الذي عوقب من أجله ، وبعدالة العقوبة ، وألا يعاقب المعلم المتعلم وهو في حالة غضب بل عليه أن ينتظر حتى تهدأ ثورته .. وتتاح للمعلم والتلميذ فرصة للتفكير . () وأرى أنني بصدد وضع نقاط موجزة في تصوري تساهم في تعديل مسار العقاب التربوي : - لابد من التعاون الحقيقي بين إدارة المعهد أو المدرسة والأستاذ من جهة ، وبين المنزل من جهة أخرى . لا يجب أن تلقي إدارة المعهد أو المدرسة التبعة كاملة على الأستاذ بعد أن سلبت منه حق العقاب ، دون أن تقوم هي الأخرى به .. فهي بذلك تجعله كالطائر المقصوص جناحيه ويطلب منه أن يطير . الإفراط في الثواب من جانب المعهد أو المدرسة أو المنزل على حساب التغاضي عن العقاب لا يثمر الثمرة المرجوة وها هو شاعر الإسلام " محمد إقبال " يصور ذلك في بيت شعر فيقول : " وإني أكاد أبكي دما إذا رأيتك في الترف والبذخ ، لا خير فيك ولو أصبحت ملك الدنيا كلها مادمت متجردا من قوة عليٍّ ، واستغناء سلمان . " وإذا كان أفضل محك لنجاح التربية وإخفاقها ، هو تقاليد المجتمع والقيم السائدة ؛ فعلينا أن نلاحظ دائما أن كل محاولة للتقدم تقوم على القيم التي يؤمن بها هذا الشعب (). ومن هنا لابد من تحسين صورة المدرس الوافد(يخص ذلك الدول التي يعمل بها غير أبنائها) سواء من قبل الإدارة التعليمية أو من قبل المجتمع ككل وخاصة المنزل لأن هذا الوضع غير الطبيعي بين أبناء أمة واحدة ورسـالة سامية ساعد عليه بعض العوامـل الاقتصـادية والنزعـات العصبية والروح القومية . أن العقاب يجب أن تكون له لائحة معتمدة في المعهد أو المدرسة أو حتى المنزل فهو وسيلة من الوسائل الإصلاحية . لا يجب أن يفهم العقاب على أنه رد فعل لخطأ المتعلم ، ولكنه للإصلاح أولا ولحماية بقية التلاميذ من الوقوع في نفس الخطأ مستقبلا . والعقاب على قسمين : عقاب بدني وعقاب أدبي وفي كل الحالات فإن آخر شئ في العقاب هو ( البدني ) .. كما يقولون : " آخر الدواء الكي " . أن العقاب البدني من منظور إسلامي يجب أن يشتمل على الشروط التي أوردنها سلفا ؛ وإلا فقد فاعليته . أن يكون الثواب بقدر؛ فلا يضن به فتموت الهمة من نفس المتعلم ، ولا يسرف فيه فتضيع قيمة الجهد التعليمي ، وغاية القول أن يكون الثواب مساويا للعقاب بكل أنواعهما المادية والمعنوية . أن يكون المدرس صبورا ، فقليل الصبر لا يصلح أن يكون مدرسا ، وأن يكون متواضعا فالمتكبر لن يستفيد التلاميذ منه شيئا ، وقدوة صالحة فصاحب الخلق الضيق السيئ ربما ساعد في نشر الأمراض الخلقية . أن يستعمل المربي اللوم والتوبيخ والعتاب بحكمة ، فالإكثار من العتاب في كل حين يهون على المتعلم سماع الملامة ويسقط وقع الكلام من قلبه . فالأستاذ يخوف الطالب بأبيه والأب يخوف الطالب بأستاذه الأم تخوف الابن بوالده .. وهكذا في حدود الحكمة التي بيناها ؛ لأن الطفل قد يفعل الشئ حيث تنهاه عنه ، وينتهي حيث تأمره ولا يريد بذلك ألا يعرف ماذا تكون نتيجة مخالفته وعصيانه أن يستعمل المربي غريزة الأبوة في تعامله للأبناء سواء أكان مدرسا أو مديرا أو أبا حقيقيا حتى لا تتوسع دائرة العقاب إن وجدت ، فيكون حازما فيما يقول وما يفعل ، فيلين في غير ضعف ويشتد في غير عنف . وذلك مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده " . فيعاملهم المعلم كما يعامل أبناءه . أن يعطي المربي أو المدرس كامل الحق ـ مع إدارته وبالتعاون مع المنزل في توجيه العملية التربوية إذ الوضع الآن معكوس في غالب الأحيان ؛ فنجد أن التلميذ بنفسه أو بأهله هم الذين يقررون ما ينبغي ، فبدلا من أن يعاقب التلميذ على خطأ ، يعتبر المدرس هو المخطئ الذي يجب أن يعاقب فالحصان يجب أن يكون أمام العربة باستمرار ولو كان محتاجا إلى من يطعمه ويشربه أن يكون المدرس ملما بحياة تلميذه وظروفه بأي وسيلة يراها حتى يستخدم الأدوار في أماكنها . على أولياء الأمور وعلى الإدارات المدرسية مسؤولية التواصل الدائم مع بعضها البعض دون تقصير أو استخفاف ليستشعر التلاميذ أن المدرس في المدرسة هو الوالد في البيت أو أن الوالد في البيت هو المدرس في المدرسة فتكون الوقاية وتقل السلبيات . وبعـــــــــد فإني لعلى ثقة في أن هذا المبحث القصير سوف يصادف قبولا من المهتمين بأمور أبنائنا على أساس عقيدة نظيفة وأخلاق فاضلة وإعداد متين لرسالة هذا الإنسان المسلم على الأرض ومواجهة التحديات الكبرى التي نالت وتنال من هويتنا وثقافتنا وعقيدتنا بما كنا نعده من زمن قصير دخيلا علينا . وهذه التحديات الآن تغشى أبصارنا وتملأ عقولنا ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم . ثم إنني لا أطلب من قراء هذا البحث أن يوافقوني على كل ما جاء فيه ـ حيث إني بادئ ذي بدء لست مجازا أو موثقا في نظراته ـ ولكني أرمي إلى لفت الأنظار إلى مشكلة أو سلبية تسللت إلى بيوتنا ومعاهدنا الدراسية تحت غطاء التربية الحديثة التي سلبت الأضواء من أصول التربية الإسلامية الخالدة . وأحسست أني أخذت من بعض علماء الغرب مستشهدا لما هو حق ولكني وقفت في جُلِّ هذا البحث عند حدود ديننا وعلمائنا كالغزالي وابن خلدون وغيرهم ممن فهموا العقاب التربوي للمتعلمين في ضوء كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام والتي هي مرجعنا الأول والأخير فمن وافقنا فيهما بأي وجه وافقناه ، ومن خالفنا فيهما ولو أفنى عمره في نظرياته تجاهلناه . وفي نهاية هذه السطور فإنني أعتقد تمام الاعتقاد أن التربية الإسلامية ستنهض – بإذن الله – في هذه الصحوة المباركة وسيقيض الله لها رجالا يأخذون بناصيتها إلى كل خير مادام هناك البحر الوافر والمحيط الزاخر المتمثل في كتاب الله عز وجل والذي فيه خيري الدنيا والآخرة ، والذي تخلق به رسولنا_ صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه فنالوا السيادة والسعادة . واللهَ أسألُ أن يعيد للإسلام مجده الماضي ومبادئه المثالية وحضارته الخالدة .. إنه سميع مجيب،، الباحث أبو محمد محمود إبراهيم مراجـع البحـث منهج التربية الإسلامية . لمحمد قطب . التربية والحرية DR . J . B . Comant نقلا من كتاب " نحو التربية الإسلامية الحرة في الحكومات والبلاد الإسلامية . " للحسن الندوي . التربية الإسلامية وفلاسفتها . لمحمد عطية الابراشي . التربية والغاية الاجتماعية . F . W . Jokford مقدمة ابن خلدون . arabicme@yahoo.com محمود إبراهيم محمد علي alnamrout@yhoo.com لا تنسني بالدعاء والصلاح في الدنيا والآخرة

المراجع

www.zahra1.com/BHOOTH/BO-3koobah.html موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث