بسم الله الرحمن الرحيم
يسمونها في بعض الدول المتقدمة السلطة الرابعة, وتضمن كثير من الدساتير الدولية حريتها مثمنة دورها في تقصي الحقيقة, وتشكيل وتوجيه الرأي العام, والمدافعة عن الحقوق, وكشف الفساد ومكافحته, تلك هي حرية التعبير والاعلام الحر صورة من صورها.
إن دوحة الاعلام الحر والمسؤول لا تؤتي اكلها الا اذا تحلت بقيم واخلاق تكسبها ثقة المتلقي, ومن اهم هذه القيم الصدق, والعدل, والامانة, وتحري الادلة والبراهين, والاتزان في العرض, والحيادية, والتناسب الطردي بين الجهد الاعلامي والاهمية الفعلية للمادة الاعلامية.
يثري الاعلام الحر النقاش والبحث بابراز الرأي الاخر, والنظرة المقصاة بلا سبب وجيه, وسماع الافواه المكممة, فيعرض الاعلام الحر على المتلقي الرأي ونقيضه, ويترك له النظر والاختيار. إن احادية الرأي في ما يسوغ فيه الاجتهاد وفي بعض الأمور غير محمودة اذ تحرم المتلقي من النظر الشمولي من زوايا متعددة, وفي هذا السياق التعددي فلابد ان يترفع الاعلام الحر عن تسييس المعلومة والحدث والتحليل اتباعا لهوى شخصي داخل المنظومة الاعلامية, او رضوخا لمطالب سرية لقوى سياسية او اتجاهات فكرية لايروق لها من الطرح الاعلامي الا ما يوافق توجهاتها ويتوائم مع ولائها او انتمائها.
تتعدد اساليب التلاعب بالاعلام ومحاولات التحكم في المعروض الاعلامي, ولكنها تتفق جميعا على غاية واحدة وهي الرغبة في التحكم في الرأي العام بالعرض الانتقائي لبعض المواد الاعلامية, والتركيز على وجهة ناقصة و مبتسرة للرأي وتضخيمها والدعوة اليها بتكرارها, ويقابل هذا التركيزالجزئي والانتقائي اغفال مقصود لزوايا اخرى تعين في فهم الاحداث,ولفت النظر بعيدا عن اجزاء من الحقيقة لاتقل اهمية عن المعروض وقد تفوقه, وفي بعض الاحيان تتواطأ بعض الجهات على اخفاء الحقيقة برمتها, وقد يتمادى بعضهم الي التزييف وعرض صورتهم المصطنعة والمكذوبة عن الحقيقة والترويج لها, وللتلاعب بالاعلام صور اخرى غير مباشرة منها اعطاء هامش بسيط ومقيد من الحرية الاعلامية لغرض التنفيس شريطة البعد عما يسمونه بالشخصنة, ونظير هذا السماح للاعلاميين بذم الجريمة والانشغال بالعرض العام لها والتحدث عن اصغر ممارسيها عن فضح المجرم الاكبر وهو حر طليق يعيث في الارض فساداً, وهم بهذا يرسخون في المجتمع مبادىء فاسدة مثل التطبيق الانتقائي للقانون والحصانة المضمونة للبعض من المسائلة والمحاسبة.
لماذا يخاف البعض من الاعلام الحر, ويحاصره, ويخنقه, ويجرمه؟ وهل يرجع خوفهم الى وجود اسرار مخفاة لديهم وامور غير سوية تحاك في الظلام؟ وهل يصح ادعاء البعض بأن حرية الاعلام وحياديته وفاعليته تتناسب طردا مع قيمة الفرد في المجتمع وما ينبثق عنها من مجالات الحرية المتاحة له ومستوياتها: حرية المعلومة, حرية الفكر, حرية الخلاف, حرية القرار, حرية التعبير, وحرية الاعتراض, وهل هنالك صلة اخرى بين حرية الفرد ومستوى نضج الممارسات الديموقراطية في المجتمع, وما هو الحصاد لخنق الاعلام الحر؟ وهل يثمر الشوك العنب؟
إن خنق الاعلام الحر وقولبته القسرية فكريا او سياسيا بعيدا عن الحقائق والارقام والادلة لايثمر بالضرورة ثقة المتلقي بالمعروض الاعلامي الموجه, وهو كذلك لايميت الرغبة في التعبير الاعلامي او يوهنها, كلام صحف وحكي جرائد وهذه رغبة المخرج: هذه احكام ذكية واسنتاجات واقعية توصل اليها الملايين من المتلقين الذين ظنهم المتلاعبون بالاعلام اغبياءاً ساذجين, لقد عرف المخدوع الكثير من اسرار اللعبة لكثرة معايشتها, ولقد تعلم الكثير والكثير بأن بعض إنكار الاعلام اثبات, والكثير من النفي تأكيد, والتفاخر بالسبق المزعوم والمنصب الريادي والترتيب الاول صحيح لفظاً ولكنه ليس صحيحا جهةً, ولعلهم نسوا الاشارة الى ان الترتيب المقصود هو من ذيل القائمة واخرها, وتعلموا كذلك ان كل جعجة اعلامية عدائية ضد الشيطان اوالطاغوت لاتعني بالضرورة البراءة من موالاته و نفي العمل معه يدا بيد و في خندق واحد, لقد فطنوا بفطرتهم السليمة الى الفرق بين ماينشر للاستهلاك المحلي والحقيقة الاصيلة المعروفة في المحافل الدولية, وايقنوا بأن محاكمات الاعلام الموجه لبعض الجهات والاشخاص وكيل التهم لهم جزافاً ماهو الا جزء من اللعبة, فرب متهم للاعلام برىء من كل تهمة, ولعل الكثير ممن يلمعهم الاعلام اولى واحق بالاتهام وتبعاته, و علمتهم التجارب كذلك ان نشر الوعود الكبيرة لايعني بالضرورة الوفاء بها وادائها لاهلها, فلقد نبهتهم الايام بأن حرارة الموقف, والحماس تحت الضغوط, والتحدث بالرغبة في الحل الشمولي ماهي الا مشاعر وانفعالات وقتية سرعان ماتبرد وتفتر بعد احرازها تهدئة آنية, وتجاوزها لازمة او مناورة مرحلية, فجعجة الازمة لايقصد بها اصلاحها باستئصالها من جذورها, وماهي الا نوع من البرمجة العصبية العكسية والمخدرة.
من الحصاد المر لخنق كلمة الحق في الاعلام الحر اللجوء لاساليب ومصادر اخري للحصول على المعلومة ونشرها, وفي فضاء الشبكة المعلوماتية العالمية وبرامج التواصل الاجتماعي يجد المهتمون فسحة للنشر والتعبيرعما لايجد فسحة في الاعلام المكمم, والحرب سجال ولانهاية لها بين الناشر الالكتروني وجهات الحجب, فما يحجب اليوم يعود ظهوره في الغد بصورومسميات مختلفة, وينسى البعض ان بعض الممانعة لايولد الاالمزيد من المعاندة, وأن الظل لايستقيم والعود اعوج, وكل محاولة لتقويم الظل لن تفلح, و سوف يزداد عدد من يعرفوا اعوجاج العود يوما بعد يوم, فلا تنطلي عليهم كل الحيل لتقويم الظل, ولابد ولامفر من تقويم العود ليستقيم ظله, وخير الختام دعوة الجميع للاستقامة على نهج قويم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز رحيم.
هشام محمد سعيد قربان
hesham.gurban@hotmail.com
المراجع
saaid.net/arabic/508.htm موسوعة الأبحاث العلمية
التصانيف
الأبحاث