لم يع ما تكتنفه خيمته الداكنة من هواجس بات ليلته يماطل عنفوانها الصارخ في ذاته ، صامتاً يضرع أبواب الموج الذي أنتابه وهو في فراشه بين اليقظة والمنام  ، لا يدري من أين دخلت عليه وهو ما يزال يوصد كل الأبواب المترامية إليه!

 

ينتصب أمامه وجه رجل شاحب يراقب بريق عينيه الذابلتين من خلال فراغ يفصل بينهما  ، استدار يحرك نفسه في فجوة فراشه الممزق والذي يرقد في باحة من تراب خيمته الدكناء الخالية من كل شيء سوى فراشه وسلاح له وعدة فرسه الأصيل وقليل من طعام!

 

يسمع من يناديه بصوت ضعيف وكأنه يأتي من قاع بعيد لا يعرف من ، ينهض بقوة ويرفع أستار خيمته ليرى منبع الصوت القادم إليه ، لكنه لم ير شيئاً في حلكة الليل وسحنة الظلام الذي يغلف وجه الأرض .
يقف هنيئة والصوت ما يزال يدق مسامعه ، أقترب قليلاً من جهة الصوت متكأ على عمود خيمته وماداً بصره في الظلام حيث تنتصب أمامه امرأة فرعاء بلون الثلج ، يمسح عينيه المسهدتين ويتأملها جيداً ، نعم أنها أمه التي فارقها منذ سنين ، خطفها الموت وهو ما يزال صغيراً ، تذكرها جيداً ، تذكر دفئها وحنوها عليه وعلى أخوته الصغار ، كانت تمثل كل شيء لديه أمه وأبيه!

 

فزع لملاقاتها بلهفة عارمة وشوق يشق صدره ، تسري في جسده رجفة خوف لا يدري ما هي .
يقف مستديراً نحوها يحاول الوثوب عليها وتقبيل يديها في حين تفاجئه :
أين أخوتك ؟
يتردد في الجواب كمن فقد شيئاً يبحث عنه مرتجف القدمين يشعر إنهما لا تقلاه على الأرض ، يحس بالأرض وخيمته تدوران به ، يحاول التشبث مقاوماً الدوران ويمسك عمود خيمته ، يهزها بعنف ، يسقط فانوسه المعلق ويحدث دوياً في الفراغ ، ينسكب الزيت على فراشه وأطراف خيمته ويشتعل فتِيل النار بهما يرتبك لمنظر النار وهي تلتهم كل شيء حوله يصرخ من أعماقه ويستيقظ مرتعش الجسد خائراً القوى ينظر إلى جهاته الأربع ، يلم حاجياته ويهد خيمته ويذهب إلى أخوته الذين فارقهم منذ مدة تائها على وجهه في الصحراء يقتات على ما يحصل عليه!

 

شعر بأن العمر يمتد به طويلاً وهو في لمة أخوته ، يسترسل النظر في وجوههم المسرورة به ، وبلهفة يعانق شروده في فسحة الخيال وهو يستحضر عيون تراقبه على أفق الشروق الذي بات وليد الحلم المنطوي عليه وهو ما يزال حسب تصوره نائماً في خيمته يلتقط معانيه من وجه أمه التي فارقته منذ سنين!
    

المراجع

almothaqaf.com

التصانيف

قصص   الآداب