رســــالة إلى كل من دب به الخوف والقلق
الدكتور عبدالله
مستشار في الإرشاد النفسي والتربوي
الهمســـــــــــــــــــة رقم ((1))
قال تعالى :
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} (4)
سورة البلد
كل إنسان معرض للقلق فهو مخلوق في مشقة وتعب وهم وقلق ..
كلنا يسعى ويعمل ليسعد وينعم بالمشاعر السارة ويتجاوز المؤلمة..
مرحبا بذلك القلق الذي يقودنا للإنجاز والتميز والإبداع ...
قلق الامتحان يدعونا للجد والمثابرة ويقودنا للتفوق والنجاح،
أنعم بذلك القلق الذي يساعدنا في إيجاد قنوات جديدة للإبداع والكفاح والاستمرار في مواجهة
عقبات الحياة وتحقيق متطلباتها ونقش بصماتنا فيها
تخيل أن مسح القلق من حياتك نهائيا فكيف يا ترى تكون أحوالك ؟؟؟؟
أخي هل فكرت يوما أن تزيل من أعماقك محاولة تساؤلاتك حول:
كيف أزيل قلقي وتضع مكانها تساؤلات : كيف أسيطر على قلقي وأتعايش معه ..
ستجد أنه بحق نعمة وليس نقمة
| | |
هل نظرت إلى القلق على أنه أمر طبيعي وهدفه إيجابي ...
إنه ببساطة جهاز إنذار بداخلك يبين لك أن خطأ ما قد حدث ويحتاج إلى تصحيح
أو يدعوك لتكون على حذر واستعداد وحيطة لأمر ما ، مما يدفعك لتحديد
ما الواجب عليك فعله ...
ولكن يا أسفي كثير منا بنظرته لذاته وحياته بما تضمنته من تراكمات سابقة وأفعال حالية وتصورات
مستقبلية جعل القلق ألد أعدائه فأصبح بحق بوابة الأمراض النفسية
إن ذلك يحدث فعلا إذا تجاوز القلق حالته الطبيعية وحدوده الإيجابية فحينها تتغلغل آثاره بمخاوفها
في كل أرجائك ، وفي الجهة المقابلة فإن انخفاض مستوى القلق لديك عن حده الطبيعي
يجعل منك إنسانا لا مباليا وبلا همة أو طموح أو مسؤولية ...
لتعلم يا أخي أن القلق والخوف إنما هو حصاد زرع غرسته أنت أو زودك ببذوره الآخرون فغذيته فكرا
وعقلا ومعتقدا واستجابة حتى نما بداخلك فأطفأ كثيرا من شموع إنجازك ونجاحك حتى ليكاد
الظلام يغزو كل أنحائك .. القلق أساس كثير من المخاوف ولن تنجح غالبا في التعامل مع الخوف
ومواجهته وتجاوزه إلا بتغيير موقفك من القلق وبنظرة فاحصة للمسببات الحقيقية للقلق
والخوف \" أعني : المرضي \" نجد أن جلها منشأه مما يلي :
1-الخوف من الفقر ( خسارة مالية ، ضياع مكاسب .. ).
2-الخوف من الناس ( الخوف من الرفض والانتقاص، الخوف من النقد ،
الخوف من الصراع ...) .
3-الخوف من الموت .
4-عقدة الذنب والشعور به والخوف منه .. واليأس من رحمة الله .
5-الخوف من الفشل ، وأحيانا الخوف من النجاح ..
6-من التغيير .
هذه بعض الأسباب العريضة التي قد يؤدي بك أحدها إلى سمة القلق والخوف لا سمح الله
وكأني بك الآن تسأل فكيف تساعدني لتجاوز ذلك والسيطرة على قلقي وخوفي في الأطر
الطبيعية .. وغيرك يسأل عن سبل الوقاية والسلامة ..
دعني في البداية أذكرك بما قاله الطبيب النفساني والعالم الرباني ابن قيم الجوزية رحمه الله حول
القلق وعلاجه ..
\" في القلب شعث لا يلمه إلا الإقبال على الله ، وفيه وحشة لا يزيلها
إلا الأنس بالله ن وفيه حزن لا يذهبه إلا السرور بمعرفته وصدق معاملته ،
وفيه قلق لا يسكنه إلا الاجتماع عليه والفرار إليه ، وفيه نيران حسرات لا
يطفئها إلا الرضا بأمره ونهيه وقضائه ومعانقة الصبر على ذلك وقت لقائه ،
وفيه فاقة لا يسدها إلا محبته والإنابة إليه ودوام ذكره وصدق الإخلاص له \"
انتهى كلامه رحمه الله .
أخي لو طبقت ما تضمنته الحروف التي رسمها ابن القيم رحمه الله بإضاءتها ووهجها والتزمت بما
نادت به فستكون من أسعد الناس على هذه البسيطة.....
الهمســـــــــــة رقم (2)
يشغلنا السعي للكسب وزيادة الرصيد وتحسين الأحوال ونخشى كثيرا من نقص المال وضياع
الأرباح وقلة المخزون وتردي الحال ... دعنا نعود إلى كتاب الله سبحانه وتعالى ففيه المخرج
والمعالجة قال تعالى
{وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}
سورة الذاريات
و قال تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }
سورة الذاريات
وقال تعالى:
{وما من دآبة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين }
سورة هود
نعم أخي لنعمل ونعمل نجد ونثابر وأثناء ذلك وقبله وبعده علينا أن نستحضر أن الله هو الرزاق وهو
من بيده الرزق سبحانه فلا داعي للخوف والقلق تجاهه ..
أخي علام الخوف من الناس أو تعظيمهم وإنزالهم فوق منزلتهم .. تذكر دائما أنه لو اجتمعت الخلائق
على أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عز وجل لك ، وإن اجتمعوا على أن
يضروك فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك .
استحضر هذا الحديث الشريف وستزول بإذن الله كثيرا من مخاوفك وقلقك ..
فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنه قال :
\" كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال لي \" يا غلام: إني أعلمك
كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن
بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو
اجتمعوا على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف \"
رواه الترمذي.
أخي ألا تشاركني الرأي بأن الخوف من الناس بصوره المختلفة قد يكون نتاجا لضعف إيمانك
بخالقك..
الهــمســــــــــــــة رقم (3)
والآن أعطيك فرصة لتعيش لحظات سعيدة مع هذه الآيات الكريمة ..
إن استوعبت معانيها وأثمرت في ربوع ذاتك أزهارها فستكون بإذن الله الراحة
والهدوء النفسي سمتك والسعادة حالتك وحياتك ..
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ}
سورة الأنعام
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ
عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
سورة يونس
{وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ
اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ
قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (3 سورة الزمر
{أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ}
سورة يــس
كلنا سيموت ويفنى
{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} (26-27) سورة الرحمن
فليكن حرصنا على كيفية جعلها مزرعة وحديقة غناء نجني خيراتها عاجلة وآجلة ولنتذكر الآية
الكريمة
{كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ
وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (185) سورة آل عمران
أخي الكريم أخلص نيتك لله واجعل رضاه غاية عملك ومقصدك و اعلم أن كل ما يصيبك بعد ذلك خير
لك.. قال صلى الله عليه وسلم:
\"عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير ، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن ؛ إن أصابته
سرّاء شكر ؛ فكان خيراً له ، وإن أصابته ضرّاء صبر ؛ فكان خيراً له \" رواه مسلم .
أخي الكريم لنعلم جميعنا أنه لا اختيار لنا مع اختيار مولانا ليكن حالك مع كل ما يحدث لك
شكر في العطاء
وصبر في البلاء
واستغفار بعد الذنب
ورضا بأقدار الله سبحانه
وما يمنعني وإياك أن نكون في هذا وذاك كما ذكر أحدهم وما أجمل قوله :
فالمؤمن يرى المنح في طيّـات المحن
ويرى تباشير الفجر من خلال حُلكة الليل !
ويرى في الصفحة السوداء نُقطة بيضاء
وفي سُمّ الحية ترياق !
وفي لدغة العقرب طرداً للسموم !
ولسان حاله :
مسلمٌ يا صعاب لن تقهريني = صارمي قاطع وعزمي حديد !
يتقلّب في البلاء كما يتقلّب في النعماء ..وهو مع ذلك يعلم أنه ما مِن شدّة إلا وسوف تزول ، وما
من حزن إلا ويعقبه فرح ، وأن مع العسر يسرا ، وأنه لن يغلب عسر يُسرين . (انتهى قوله )
ما رأيك بهذه الرؤية والنظرة لمتغيرات الحياة ؟؟ ......
أخي ..
توقف عندما يبلغ الأمر منك مبلغه ..
حاول أن تتعايش مع الوضع وتصقل تفكيرك واستجابتك وردود فعلك إلى
الأرقى والأفضل ..
ركز على إيجابيتك ولا تتحدث عن سلبيتك وتقف عندها وكأنها نهاية
المطاف
حاول وعدل وغير ....
فأنت غارس الفكرة والقائم بالفعل فشكل العادة واوجد الطبع
وحدد مصيره
وأنت من يجني ثمار ذلك وتبعاته
وأنت أيضا بمشيئة الله القادر على تجاوز الموقف والتغيير
وبعد فإن لك الخيار ..
العودة إلى إطفاء بقية شموعك المضيئة أثناء سيرك في متنقلا
من سرداب مظلم إلى آخر أشد إظلاما
أو الانطلاق إلى الحياة بشعاعها من النقطة التي وصلت إليها الآن
وتذكر دائما ما قاله أحدهم :
\" أنك إذا ظننت أنك تستطيع أو ظننت أنك لا تستطيع ، فأنت محق \" .
أسعدك ربك وأبعد عنك القلق والخوف
المراجع
sehha.com/art/details-6866.htmlالموسوعة الطبية العربية
التصانيف
حياة
|