خوله مناصرة
يتكلم الآباء والأمهات بمنتهى الحرقة والألم، عن أبناءهم المراهقين: ابني متمرد، ابني يدخن، ابني لا يسـتمع إلى كلامي، ويرفض نصائحي، يسـبب المشـاكل داخل البيت وخارجه. إنها ظـاهرة التمرد لدى المراهقين؛ ومـا هي أسـبابها؟ وكيف نتعامل معها؟
في مرحلة المراهقة، يتعرض الطفل لتغيرات هرمونية وجسدية كبيرة، فينتج عنها الكثير من تقلبات المزاج، وتذبذب الآراء والأحاسيس والانفعالات، فهو مشتت وحائر، يفتقر غالبا للثقة بالنفس، ويشـعر بالخوف والتردد، كما يتصف المراهق في هذه المرحلة بالتمرد وعصيان الأوامر، ويرفض الأوامر مدفوعا برغبته ثبات ذاته، والخروج على العادات والتقاليد.
وفي المقابل؛ يمارس بعض الآباء الديكتاتورية في تعاملهم مع الأبناء، ولا يسـتوعبون خصوصية وحسـاسية المرحلة التي يمرون بها، وتقع على الآباء مسؤولية كبيرة فيجب أن يدركوا أن هذا التغيير في حياة المراهق يستلزم تغييرا في أسلوب التعامل معه، فالاستمرار في منعه من الكثير من التصرفات او الأفعال وإصدار الأوامر والنواهي وانتقاده في كثير من أموره الخاصة: كالدراسة، والعمل، والتصرفات، والإنفاق المالي، واللباس، وقصة الشعر، مما يدفع الابن المراهق إلى التمرد ورفض الانصياع لآراء الأهل وأوامرهم، ومما يعقد الأمور أكثر وحدوث مواجهات حادة بين الآباء والأبناء، قد تؤدي إلى انعدام الاحترام بين الطرفين، او تشرد الأبناء، وبالتالي تفكك الأسرة.
ولتجنب مثل هذه المواجهات يجب التعامل مع المراهق بود، وعلى أساس من الصداقة، ومنحه مستاحة من الحرية، واحترام عقله بتوضيح سـبب ما يطلب منه أن يفعله، وليس بفرضه فرضا، وتعزيز ثقته بنفسه من خلال إعطائه بعض المسؤوليات، وإشعاره بالأمان، وبأن الأهل هم المـلاذ الذي يمكن أن يلجأ إليه في أي وقت، بحيث يواجهون مشاكله ومعاناته بالتفهم والمساندة، وليس باللوم والتعنيف المستمرين.
ولتربية الطفل وتعريفه بحقوق الوالدين، وآداب التعامل بين أفراد الأسرة، دور كبير في الحد من مشكلة التمرد، والحد من أبعادها ونتائجها.
ولا يقل دور العلاقة بين الوالدين على سلوك المراهق، فالعلاقة القائمة على الاحترام المتبادل بين الأبوين لا بد أن تنعكس على سـلوك الطفل، أما العلاقة السـيئة بين الوالدين فلها عظيم الأثر في تعميق المشكلة وتفاقمها.
ولاهتمام الوالدين بالطفل، وإظهار الحب والاحترام للطفل منذ مراحل طفولته المبكرة دور كبير في تحقيق التقارب، وإيجاد جسور للتفاهم وحل مشكلات سن المراهقة، فإهمال الطفل والانشغال عنه يوسع الشقة بينه وبين الوالدين، ولن تصبح العلاقات متينة بين الأبوين والطفل بين ليلة وضحاها، فيلجأ المراهق إليهما عند مواجهته أي مشـكلة، ويستمع إلى النصح والإرشاد ويأخذ به.
أما المدرسة فلها دور كبير في خلق روح التمرد لدى المراهقين، فطريقة التعامل التي يتم فيها تجاوز طموح الطالب وشخصيته، وعدم احترام رأيه، قد تؤدي إلى عدم انسجامه مع هذا الواقع، فيلجأ إلى تحدي النظام المدرسي، وافتعال المشاكل هدفها التمرد والعصيان، لذلك يجب أن تأخذ المدرسـة دورا متفهما لطبيعة هذه المرحلة التي يمر بها الطالب، والعمل على حل المشاكل، بحيث تدرك المدرسة أنها ليست طرفا في المشاكل يبحث عن الانتقام وفرض العقوبات، بل هي الموجه والمربي، والطرف الأكثر وعيا، وقدرة على حل ومواجهة المشاكل واحتوائها بصبر وحرفية. وتقديم الحلول الواقعية والجذرية.
وأفضل الطرق لاحتواء الطلاب، هو إشغالهم بمشاريع تستهويهم، بحيث ينفسون عن طاقاتهم بوسائل مفيدة لمدرستهم ولأنفسهم، أما التذرع بعدم وجود الوقت للتخطيط وتنظيم مثل هذه المشـاريع فهو ليس صحيحا، فالوقت الذي يضيع في حل المشكلات وتبعاتها يستهلك وقتا وجهدا اكبر من التخطيط لمثل هذه البرامج.
وتلعب طبيعة التكوين النفسي والسلوكي للمراهق، ومستوى التعليم والثقافة لديه دورا هاما جدا في اتجاهات تمرده، فالمراهق يشعر بالقوة والغرور، ويحس بالرغبة بتكوين ذاته المستقلة والانفصال عن أسرته، وقد يأخذ هذا التمرد شكلا ايجابيا بحيث يوظف تمرده في تحقيق تغير ايجابي، أما التعسف والإهمال فقد يؤدي بالمراهق المتمرد إلى انحرافات سلوكية يصعب ضبطها والتحكم بها: كاللامبالاة وعدم احترام الآخرين والإساءة إليهم، وقد تتطور تلك الاتجاهات السلبية وتعبر عن نفسها بعدم احترام القوانين والنظام.
المراجع
موسوعه الصحة العامة وتربية الطفل
التصانيف
حياة أطفال طب أطفال العلوم الاجتماعية