عبد العزيز السدحان
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وبعد:
لقد جاء الشرع الحكيم بما يضمن الخير للمسلم في جميع أموره، وبما يحذره عن الشر بجميع صوره، ولتأكيد هذا المقام جاءت نصوص كثيرة فيها ذكر علامات وصفات لأهل الخير وأعمالهم.
وفي المقابل جاءت نصوص أخرى فيها ذكر علامات وصفات لأهل الشر وأعمالهم، جاءت تلك العلامات والدلائل على أولئك الناس وأعمالهم، لكي يرغب المسلم ويرهب، يرغب ويحرص إذا رأى علامات أهل الخير فيه أو في غيره، ويرهب ويحذر إذا رأى علامات الشر فيه أو في غيره.
ومن شواهد تلك النصوص قوله صلى الله عليه وسلم:"آية المنافق ثلاث".
ومن ذلك أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم: "... أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم عفبف متعفف ذو عيال.
وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له – أي لا عقل له يمنعه مما ينبغي- والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك ..." أخرجه مسلم بلفظ أطول من هذا، وبوب عليه الإمام النووي رحمه الله تعالى بقوله: باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.
وإن من شواهد ذكر علامات أهل الضلال، والحذر والتحذير من سلوك منهجهم والتشبه بعلاماتهم: ما أخرجه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قوله تعالى: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..." الآية، ثم قال صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم".
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي جاءت بذكر علامات للخير ترغب فيه، وأخرى للشر ترهب منه.
ومما أصبح مشاهدا معلوما ما ظهر في عصرنا من علامات أصبحت وصفاً ملازماً لطائفة من الناس جندوا أنفسهم لهدم مجتمعاتهم وبث بذور الشر والفساد بما يقولون وبما يكتبون؛ هم شرذمة من الكتَاب الذين بلي بهم عالمنا الإسلامي؛ من الذين خانوا أمتهم وخانوا رسالة القلم وأمانته؛ فسخروا أقلامهم في إفساد المجتمع عامة.
فأفرزت صدورهم نفثات حقد دفين فاحت بها كتاباتهم العفنة ورشحت بها مقالاتهم النتنة شرقت صدورهم وتجرعوا غصصاً لما رأوا كثرة أهل الخير ومؤسساته ومشاريعه؛ فكانوا يثيرون في مقالاتهم الشبه وبخاصة فيما يتعلق بالمرأة والحجاب.
ومن جهة أخرى نراهم أسرع الناس تصيداً للأخطاء واستغلالها؛ فإذا ما وقع تصرف يبرأ أهل الخير منه، ووجد أولئك الكتبة مدخلاً لهم قاموا وقعدوا وخبوا ووضعوا وأجلبوا بخيلهم ورجلهم، وشمروا واستنفروا؛ فكتبوا ونعقوا ونهقوا، فتارة يلوَحون، وتارة يصرحون؛ فلا تخلو كتاباتهم من انتقاد واعتراض على حق، أو إقرار لباطل، أو بث شبهات وشهوات، وألصقوا التهم وعمموا الأحكام.
ولك أخي جملة من علامات تلك الأقلام النشاز حتى تحذر مكرهم , وتغدو على بينة من كيدهم ,
فمن تلك العلامات :
- أنهم إذا أرادوا إثارة قضية اجتماعية تواطأت كتاباتهم، وصبَت بمجموعها في قالب واحد، مما يعني أن الأمر دبَر بليل، وإلا فماذا يعني أن تلك المقالات تجتمع تحت قاسم مشترك يوحَد بينها، وتلتقي تحت مظلته أصول تلك المقالات وفروعها؟.
ومن علاماتهم: أنهم نصبوا أنفسهم علماء راسخين؛ فتارة مفسرين، وتارة محدثين، وتارة فقهاء مجتهدين؛ فلا يتورع الواحد منهم عن استنباط الآراء والاجتهادات وليَ أعناق النصوص في سبيل تطويعها لمرادهم.
ومن علاماتهم؛ أنهم يبرزون أحدهم في المقابلات الصحفية، ثم يقومون بتوجيه أسئلة إليه، يتخللها أسئلة شرعية تتعلق بقضايا عقدية أو اجتماعية لو طرحت على عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لجمع أهل بدر لها، بينما ترى ذلك النشاز يتشدق في الكلام، ويطلق لقلمه العنان بالتحليل والاستنباط، وكأنه مجتهد زمانه المطلق، فيا لله العجب من تناقض يجعل الحليم حيران.
ومن علاماتهم: أنهم يصدرون مقالاتهم أو يضمنونها بعض الأدلة الشرعية، يتمسحون بظواهرها في ترويج شبههم وباطلهم، ولذا لا يأخذون من الأدلة إلا ما كان فيه دلالة ضعيفة أو محتملة، بقصد التغرير والخداع لضعفاء النفوس والجهلة.
لذا لا تراهم يعرجون على الأدلة الأخرى التي تكبت مذهبهم، فشابهوا بذلك ضلال بني إسرائيل الذين قال الله فيهم:"أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض" وشابهوا أهل البدع والضلال الذين قال فيهم بعض سلف الأمة:(إنهم يأخذون من الأدلة ما لهم دون ما عليهم).
وبكل حال: فترى أولئك الكتاب يسهبون في الحديث حول ظاهر ذلك الدليل الذي تشبثوا به ويبدؤن فيه ويعيدون، كل ذلك بقصد تدعيم آرائهم من جهة، وإعطائها صورة شرعية من جهة أخرى "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا".
ومن علاماتهم: أنهم يستخدمون الرمزية في مقالاتهم، وذلك لأن تلك الرموز لا يفهمها كل أحد، أو تفهم على خلاف ما أرادوا، إنما ضمنوا مقالاتهم تلك الرموز لتوظيفها في خدمة آرائهم ومذاهبهم؛ ومثل ذلك: إيراد بعض المصطلحات الغريبة التي تحمل في طياتها أخبث الفكر وأسقطه، وبعض أولئك النشاز قام بخلع جلباب الحياء، وجاهر بخبث مقصده؛ فلا يتورع عن مصادمة النصوص الصحيحة الصريحة بآراء شاذة أفرزتها عقول فارغة.
ومن علاماتهم: أنهم يجعلون لمقالاتهم وكتابتهم عناوين براقة تخدع أكثر قارئيها؛ فتارة يعنونون بالتقدم والرقي، وتارة بالعدالة والمساواة، وتارة بالتوازن والإنصاف، إلى غير ذلك من المظاهر الزائفة.
ومن علاماتهم: أنهم يستشهدون في مقالاتهم ببعض أقوال مفكري الغرب أو الشرق، وكأنها أدلة شرعية محكمة فيحشدون حولها عبارات الإطراء والثناء والتبجيل، ومن ثم يحثون المجتمع المسلم المحافظ على ترجمة تلك المقالات إلى واقع عملي؛ لأن في ذلك تقدماً ورقياً بزعمهم، وفي مخالفتها جناية على المجتمع "كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً".
ومن علاماتهم: أنهم لا يألون جهداً في التصفيق لكل ناعق يؤيد مبدأهم؛ فيستفرغون وسعهم في الإشادة بمقاله صباحاً ومساءً، وقد يكون ذلك الناعق ممن صنع على أعينهم، ومن ثم جعلوه ظاهراً، ليكون معبراً بقلمهم، ومتكلماً بلسانهم.
فما بين فينة وأخرى تشم رائحة كتابة عفنة لكاتب ناشىء، ثم ما يلبث أن يكون لامعاً بسبب تأييدهم لمقالته، ومشاركتهم ألمه وأمله المزعوم، ثم ما يلبث ذلك الناشىء الملمع حتى يكون منظراً منهم "وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال".
ومن علاماتهم: أن أقلامهم تغيب عن قضايا الإسلام والمسلمين على كثرتها في شتى أنحاء المعمورة، ولا يقال هذا استفهاماً لغياب أقلامهم، بل تأكيداً لخبث مقصدهم وسوء طويتهم، وإلا ففي مصاب المسلمين في جميع الدنيا مرتع خصب لكل كاتب ولكل متكلم، فحدث عن هتك الأعراض ولا حرج، وحدث عن تشريد العباد ولا حرج، ولكن القوم جعلوا أنفسهم بمنأى عن ذلك؛ لأنهم يسعون إلى هدف معين لا يحيدون عنه قيد أنملة، فلا هم لهم إلا هو، ولا شاغل لهم إلا هو "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".
ومن علاماتهم؛ أنهم يسلكون في كتاباتهم مسلكاً آخر يجمع بين الصورة والكلمة، ومثال ذلك تلك الرسوم الهزلية التي تفوح برائحة الاستهزاء والسخرية، وتعتبر في الوقت نفسه ترجمة وترويجاً لمبدئهم الباطل.
ولذا يسلك أولئك الرسامون والمصورون طرقاً خبيثة، ويزعمون في ظاهرها أنها بقصد الفكاهة والترويح عن النفس، ولذا ينخدع بها جهلة من المسلمين فيتناقلون ذكرها على ألسنتهم من باب المداعبة، ولم أنهم يساعدون أولئك الشراذم على تويج أفكارهم، ولذا فالحذر الحذر من الانخداع بتلك الرسوم وأخذها من باب الفكاهة والدعابة.
اللهم اهد ضال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من شر الأشرار ومن كيد الفجار.
المراجع
ياله من دين
التصانيف
عقيدة العلوم الاجتماعية