التأثيرات السلبية للإعلانات على الأطفال
خولة مناصرة
اصطحبت منى طفلها يزن ابن الخمس سنوات إلى المول لشراء حذاء رياضي، وحاولت أن تختار له حذاء رياضياً جيداً وبسعر معقول، لكنه إصر على شراء حذاء من ماركة مشهورة كالذي شاهده في الإعلان، وبدأ بالقفز والصراخ مسبباً لها الإحراج مما اضطرها لشراء الحذاء المرغوب بسعر مرتفع، وبعد أن اشترى الحذاء وأثناء مرورهم أمام محل لبيع الألعاب بدأ يزن بالبكاء والصراخ للضغط على أمه عندما شاهد في واجهة المحل اللعبة التي رآها في الإعلان، واشتراها أصحابه في المدرسة.
وعندما رفضت منى الإذعان عاودته نوبة الصراخ والقفز أمام الناس كمن أصابه مس، واحتارت منى وأصابها الذهول عندما علمت أن ثمن اللعبة يتجاوز ثلث راتبها الشهري، فما العمل؟تنفق الشركات المعلنة عن منتجاتها مئات المليارات سنوياً على صناعة الإعلان، وتعتبر صناعة الإعلان عملاً قائماً بذاته، يتطور بشكل سريع لمساعدة الشركات المنتجة على عرض منتجاتها للمستهلكين بطريقة فريدة جداً.
ومن المؤسف أن شركات الإعلان تقوم بتوظيف متخصصين في سيكولوجية الطفولة لصناعة الإعلانات التي تستهدف الطفل في مراحل مبكرة، فالطفل لا يستطيع التفكير بشكل منطقي إلا بعد عمر السبع سنوات، وبوصول الطفل إلى هذا العمر يكون قد تربّى على أسلوب حياة يعتمد على الهوس بالاستهلاك، وهو ما يعتبر عملاً منافياً للأخلاق يوظف المعرفة العلمية في صنع الإعلان، والتأثير النفسي على الأطفال الصغار مما قد يضر بنموهم العقلي على المدى القريب والبعيد، ويخلق لديهم أنماطاً استهلاكية ضارة.
تشجع الإعلانات الأطفال على إقناع آبائهم والضغط عليهم بأساليب مختلفة كالبكاء والصراخ والإحراج لشراء المنتجات المعروضة في الإعلانات التجارية، ويصر الطفل على شراء المنتج سواء أكان مفيداً أم لا، حيث تدفع الإعلانات المبهرجة التي يبثها التلفزيون الأطفال إلى حمى التسوقوغالباً ما يسيء الأطفال تفسير الرسائل التي يرسلها الإعلان التجاري، فيغفلون الجانب الإيجابي، ويركزون على السلبيات.
كما يشتمل العديد من الإعلانات على الحركات المثيرة والخطيرة، والتي يقوم بها خبراء لإقناع الأطفال بقواهم الخارقة والسحرية إذا اشتروا واستهلكوا المنتج المعلن عنه. فيقوم الأطفال بتقليدها في المنزل ، مما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.وغالباً ما يفقد الأطفال القدرة على العيش من دون المتعة المادية. فلا يجد متعته إلا من خلال الشراء، وبالكاد يمكنهم ملاحظة مصادر البهجة والفرح الحقيقية في الحياة.
كما ينجذب الأطفال عادة للحصول على مزيد من المنتجات ذات العلامات التجارية المكلفة، ويتجاهلون المنتجات المفيدة وغير المكلفة التي لا تظهر في الإعلانات التجارية.وللإعلانات تأثير غير مباشر على سلوك الأطفال. حيث تظهر عليهم نوبات الغضب، وتغير المزاج عندما يحرمون من أحدث الألعاب والملابس التي تظهر في الإعلانات التجارية.كما تتغير ذائقة الأطفال الشخصية في الملابس، والأحذية الرياضية، ولعب الأطفال، والمواد الغذائية بسبب الإعلانات إلى حد كبير.
ويزيد الترويج للوجبات السريعة، مثل البيتزا والبرغر والمشروبات الغازية، خلال فترة برامج الأطفال للتلفزيون. من رغبتهم في تناول الوجبات السريعة؛ الدهنية، والسكرية، مما يؤثر سلباً على صحتهم ونموهم العقلي، وتؤدي السمنة التي تصيبهم إلى أمراض القلب والضغط والسكري في مرحلة مبكرة من حياتهم.وتقع على عاتق الآباء والأمهات مهمة جعل الأطفال على بينة من وقائع الحياة الحقيقية؛ كمعرفة دخلك الشهري، ووضعك الاجتماعي، وما إلى ذلك، وحتى لو كنت تستطيع أن تشتري هذه المنتجات، فيجب أن تتأكد من أنها مفيدة وتستحق ثمنها. كما يجب أن يراقب الآباء ما يشاهده الأبناء من البرامج والإعلانات والقيام بتوضيح الأمور للحد من تأثير الإعلانات عليهم.
ولا يجب توجيه كل اللوم للإعلانات التجارية. فالآباء يلعبون دوراً رئيسياً في هذه القضية. فهم بحاجة إلى مراقبة ما يؤثر على عقول الأطفال. وهم أيضا بحاجة لأن يكونوا حازمين مع الأطفال كلما زادت مطالبهم. فيجب أن تقول لطفلك بلطف ‘لا’ ولا يمكن أن تتحول إلى ‘نعم’ تحت ضغط الدموع والصراخ والشجار، ويجب على الآباء غرس عادات جيدة ومساعدة الأطفال على التمييز بين الصواب والخطأ. وكلما كان ذلك أبكر كان أفضل.أما المعلنين فيجب عليهم وضع رسالتهم تحت المراقبة الصحية والتربوية بشكل خلاق. وهذا ويمكن رصد مطالب الأطفال. مع إتباع نهج متوازن، يمكن بالتأكيد الحد إلى حد كبير من الآثار السلبية للإعلانات وزيادة الآثار الايجابية للإعلان كتعريف الأسرة بالمنتجات الجديدة، وحث الأطفال على التزام العادات الصحية والتربوية المتوازنة.
وترتفع أصوات الآباء والأمهات والمختصين في سيكولوجية الطفولة في العالم بالمطالبة بالحد من بث الإعلانات التي تستهدف الأطفال الصغار، وحمايتهم من تأثيراتها السلبية.
المراجع
shallwediscuss.wordpress.com
التصانيف
حياة صحة صحة الأطفال العلوم التطبيقية العلوم الاجتماعية