طفلي يسـرق، فمـا العمل؟
خوله مناصرة
كثيرا ما يفاجئ الأطفال آباءهم بسـلوكيات غريبة كالسرقة، وقد تكون ردود أفعالهم السريعة والغريزيـة عليها عنيفة؛ كتوبيخ أطفالهم بهدف حمايتهم من التحول إلى لصوص صغار. فإطلاق أحكام أخلاقية على شـاكلة لص أو سارق من قبل المجتمع المحلي مسألة محبطة ومزعجة للأهل، وواقع الأمر أن معايير الراشـدين كالأخلاق، والسـلوك الأخلاقي، والتحكم بالنفس، لا تنطبق على الأطفال الصغار.
فقد يقوم الطفل في عمر 1-3 سنوات بأخذ أشياء لا تخصه رغم أن السرقة ليست دافعه لذلك، فهو اصغر من أن يدرك مفهوم الملكية الخاصة، ويحتاج إلى تربيـة حثيثـة لتطوير مفهوم هذا لـك و هـذا لي، ولذلك فعندما يعجبه شيء معين ينتابه شعور بأن من الطبيعي أن يأخذه، لذلك فعندمـا يحمل طفلك ابن الثلاث سـنوات لعبة رفيقه في اللعب، ويمضي بها إلى البيـت، فلا داع للانفعـال الزائد، بل المفروض أن تشرحي له أن هذه اللعبة ملك لصديقه الذي يرغب باللعب بها، لذلك يجب أن يعيدها إليه، وعليه أن يدرك بأن لديه الكثيـر من الألعاب الخاصة به التي يمكنه اللعب بها.
وقد يأخذ الطفل أشـياء الآخرين كجزء من عملية بحثه عن هوية خاصة به، فمثلا قد يأخذ ساعة والده، أو لعبة أخيه الأكبر، لأن هذا يمنحه شعورا بالانتماء، فالأشياء التي يأخذها ليست ما يجذبه، بل يشعر بأن امتلاكه لأشياء والده أو أخيه الأكبر تجعله شبيها بهم بشكل أو بآخر، فهو لا يعير اهتماماً لمفهومي الصح والخطأ بأخذه أشياء الآخرين، ولم يتطور لديه مفهوم الشـعور بالذنب بعد.
أما عندما يسرق الطفل الذي تجاوز السادسة، فهو قطعاً مدرك لما يفعله، وبأنه عمل خاطئ، ففي هذه السن يكون وعي الطفل قد تطور، ونضج لديه مفهوم الشعور بالذنب، خاصة إذا كانت ممارسات مشابهة سابقة قد لاقت عدم الرضى واللوم من قبل الوالدين، ولذلك فالطفل الذي يأخذ أشياء الآخرين في هذه المرحلة العمرية طفل ماكر يخبئ الأشياء المسروقة، وقد ينكر انه أخذها عند مواجهته، فمن السهل مسامحة الطفل الصغير عندما يأخذ أشياء الآخرين على خلفية عدم إدراكه لما يفعله، أما مواجهة طفل كبير يدرك الفرق بين الصح والخطأ، فهذا يثير جزع الأهل وخوفهم من سـلوك إجرامي لدى الطفل.
وقد يحتار الوالدان عندما يجدان أن ما سـرقه طفلهما من أشياء والعاب يوجد لديه مثلها، فالسـرقة هنا غير مفهومة ولا مبررة، فأين تكمن المشـكلة؟ هناك عدة تفسيرات علمية لهذا السلوك ومنها: الشعور بالوحدة، فقد يشعر الطفل بنقص في تقاربه مع والديه، أو صعوبة في تكوين صداقات ناجحة ودائمة، فيلجأ للسـرقة لشراء ودّ وصداقة أقرانه، أو رغبته بجلب الاهتمام والعطف بهذه الطريقة الملتويـة.
كما يمكن أن يسـرق الطفل نتيجة مشـاعر الخوف، والغيرة، والاسـتياء، وغيرها من المشاعر السـلبية.
وقد يسـرق الطفل الكبير منفضة سـجائر، أو ملعقة صغيرة عندما يذهب إلى مطعم مع أصدقائه، أو يختلس شيئا من والديه، وهذا السلوك عادة نتيجة لضغوط الأصدقاء، وكاستجابة لتحدٍ منهم، وقد يكون مضللاً، إلا انه نادراً ما ينبع من الاختلال، أو يمثّل بدايات الإجرام في الطفل، وهو يفعله فقط ليحوز على رضى أصدقائه، والطريقة المثلى للتعامل مع هذا الطفل هي تأنيبه بقوة ، فلا يمكن التغاضي عن مثل هذا السلوك بأي شكل من الأشكال. ويتطلب ذلك مناقشة الطفل بهدوء فيما يجوز وما لا يجوز، بحيث تتم تنمية ضميره الأخلاقي.
للتعامل مع المشكلة يجب أن يميز الأهل بين التأديب والإهانة، فليس من مصلحة الطفل خلق مشكلة كبيرة، والتعامل مع الطفل كأنه ارتكب جرما كبيرا يؤدي إلى ترهيب الطفل، فإذا كنت متأكدة أن طفلك قد سرق شيئا ما، فيجب أن تخبريه انك تعلمين أن هذا الشيء ليس له، وتسألينه من أين حصل عليه. وأصري على إعادته إلى صاحبه الأصلي، ويمكنك أن تساعديه بمرافقته إلى المتجر أو الشخص الذي تعود ملكية الشيء له لتقديم الاعتذار، وإعادة الشيء أو دفع ثمنه أن كان قد أخذه من متجر، وتحاشي إهانة الطفل، لكن من الضروري التأكيد على أن مثل هذا السلوك هو سلوك غير مقبول ويجب أن لا يتكرر.
كما يجب أن توضحي لطفلك الفرق بين مفهومي السرقة والاستعارة، ويجب أن يستأذن من صاحب الشيء قبل أن يستعيره، وإذا رفض هذا الشخص إعارته ورغم ذلك قام بأخذه فهذه لا تعتبر استعارة بل سرقة.
وقد يفهم الطفل بأنه إذا طلب الإذن أولا فلا مشكلة إذا لم يعطه الشخص الآخر موافقته. وفي هذه الحالة فانك تعلمين طفلك احترام ملكية الآخرين، وأخلاقيات التعامل بالاستئذان قبل استعمال أو اخذ أشياء الآخرين، وتأخير إرضاء الذات.
أما إذا تكررت السرقة فينبغي معرفة السبب الجذري للمشكلة، ومساعدة الطفل على تجاوز مشكلة السرقة، سواء كانت من اجل لفت الانتباه، أو لشعوره بالوحدة، أو نقص الحنان والاهتمام.
أما إذا أصبحت السرقة سلوكاً مزمناً، فيفضل استشارة أخصائي الإرشاد النفسي لمساعدة الطفل ووالديه على حل المشكلة.