ينامي الحكيم يتدارس الوضع مع قادة الثوار , يركز على المرحلة القادمة , قال احدهم :
- القائد ينايفس وصل بجيوش جرارة الى مدينة تفوكلا ... لقد عاث فيها فسادا ! .
- لا يمكننا مواجهته ... حتى وان التحق بنا حالصبيعش مع كل ما لديه من الثوار ! .
- سنلجأ الى الحيلة ... الحرب خدعة ! .
- كيف سيدي ! .
استرسل ينامي الحكيم بشرح خطته , والجميع كان يصغي بانتباه شديد , حالما انتهى من سرد التفاصيل , قال احدهم :
- فلنشرع بالتنفيذ الان ... ليس لدينا وقت كافي ! .
- حسنا .
قسم جيوش ثواره الى قسمين , قسم بقيادته ويبقى في المدينة , والقسم الاخر اوكلت قيادته الى خنفر , متوجها نحو مدينة تبعكلا البعيدة , حيث اشاعوا انه ظهر هناك , ولابد من اللحاق به , ووضع الجيش بقيادته .
وصلت الاشاعات الى القائد ينايفس , الذي انزعج لسماعها , فقرر ارسال عشرة آلاف مقاتل بقيادة خنسيس :
- خنسيس ... خذ جيشك والحق بخنفر ... اسحقه وجيشه ... ثم واصل مسيرك الى تبعكلا ... واقضي عليه هناك .
- امرك سيدي ! .
 اعترض احد الضباط قائلا :
- سيدي ... نحن في امس الحاجة للجندي الواحد هنا ! .
- لا عليك ... ان المتمردين تمردوا آملين ان يلحق بهم ... فان قتلناه في تبعكلا ... سيندحر المتمردين من تلقاء انفسهم ! .
 ************************
سلك خنفر طريقا صحراويا , ثم خبأ الجيش جيدا في الاكام والوديان , وجلسوا ينتظرون هناك مرور جيش خنسيس , الذي كان ينطلق بسرعة بما لديه من الوسائل المتطورة , مرت امامهم قطعات الجيش , كأنها في استعراض , ابهرهم التسليح والعدد , فقال احد المقربين من خنفر :
- هل ننقض عليهم ... سيدي ؟ .
- كلا ... لم نأت لذلك ... بل يجب ان نسمح لهم بالمرور الى تبعكلا من غير عوائق ! .
بعد ان ابتعد خنسيس بجيوشه , قرر خنفر ان يسير جيشه الى ما خلف مدينة تفوكلا , تاركا خلفه خنسيس يسلك الصحراء , بعد معارك ضارية , تمكن خنفر من الاستيلاء على اراضي ومدن صغيرة , لكنها مهمة , من شأنها ان تقطع المدد القادم من مدينة الاسوار الى مدينة تفوكلا , بعد ان غنم المزيد من السلاح من حاميات الوحوش , والتحقت به افواجا من الثوار .
 ***************************
جاء النداء من خنياس ذو العيون الخمس الى القائد ينايفس :
- ماذا فعلت يا ينايفس ... كيف ترسل جيشا من جيوشك في حين انك في امس الحاجة اليه ! .
- سيدي ... انه هناك ... فأرسلت من سيقضي عليه ! .
- غبي ... لا شأن لك به ... انه من شأننا نحن في القيادة العليا .
- سوف اصدر أوامري بإعادتهم ! .
- غبي ... الم تعلم ان خنفر حال بيننا وبينك ... قطع الطريق بين مدينة الاسوار وتفوكلا ! .
قال ينايفس بدهشة :
- خنفر ... الم يكن ذاهبا الى تبعكلا ! .
- لقد خرفت وحمقت يا ينايفس ... لقد خدعوك ... اصلح خطأك ... او نقرر اعدامك ! .
ارتعب ينايفس لسماع ذلك , وقرر اعادة توزيع و تنظيم جيوشه في تفوكلا .
 *************************
وصلت اخبار انتصار خنفر والثوار الى حالصبيعش , واعجب كثيرا بخطة ينامي الحكيم , فقرر ان يقوم بخطة مماثلة , اشار على مخطط امامه , مكلما قادة الثوار حوله :
- هنا تفوكلا ... نحن نحدها من الجنوب ... ينامي الحكيم والثوار معه من الغرب ... خنفر ومن معه من الثوار اطبقوا عليها من الشمال ... جهة الشرق لا تزال مفتوحة .
- فهمت ما تصبو اليه ! .
- فلنرسل جيشا من ثوار مدينتنا ليحيطوا بها من الشرق ... ثم نعمل على التنسيق لهجوم مشترك ! .
انطلق جيشا من الثوار بقيادة وردنياس , ليتخذوا لهم مكانا شرقيا من تفوكلا , سرعان ما حققوا انجازات مهمة في الطريق , فلقد كان ينايفس وقادة جيشه مشغولين بإعادة التوزيع والانتشار والتنظيم .
 **********************
اجتمع حالصبيعش بينامي الحكيم , ليتدارسوا الوضع الراهن والمرحلة الجديدة , قال حالصبيعش مستخبرا :
- متى سنشن الهجوم على ينايفس ونحرر تفوكلا من قبضته ؟ .
- لا داعي للعجلة ! .
- ظننت ان الوقت مناسب ! .
- كلا ... تأخير الهجوم فيه عدة فوائد : 1- ننتظر كي يلحق بنا المزيد من الثوار , 2- نعيد تنظيم الثوار وتوزيع السلاح , 3- نرفع المعنويات حتى تصل الى الدرجة المطلوبة , 4- لا يزال ينايفس يحتفظ بجيش كبير حوالي عشرون الف جندي , اكثر منا بكثير , ولو هجمنا بشكل مباشر فسوف نتكبد المزيد من الخسائر , سنحاصرهم حتى تنفد مؤونتهم وتضعف معنوياتهم , ثم نقاتلهم على شكل دفعات , سرية بعد سرية , حتى تحين ساعة الهجوم الشامل .
- فهمت ... وماذا عن الوحوش الطائرة ؟ ! .
- انها تخشى الدخان ... سنضرم النيران ... ونملأ السماء بالدخان ... عند ذاك تكون عديمة الفائدة .
- وماذا عنه ؟ .
- سألتقي به في تفوكلا بعد تحريرها ... ليقودنا لفتح مدينة الاسوار .
- حسنا ... وكيف سيكون الهجوم ؟ .
- على شكل دفعات ... يخرج كل منا بألفي مقاتل ... ونترك البقية في المدن .
- من كل جهة الفي مقاتل فقط ... لكن عددنا اكثر بكثير ! .
- يجب ان لا ندخل الحرب بكل ثقلنا ... يجب ان نترك قوات احتياطية .
- لماذا ؟ .
- لعدة اسباب ... 1- نحن في مواجهة ينايفس ومن خلفه خنياس الماكر اللعين , لا نعرف ما يخططون اليه , 2- في حالة انكسار الدفعات الاولى تتدخل قوات الاحتياط للدعم والاسناد , 3- الدفعة الاولى تشارك في الحرب , بعدها ستدخل الدفعة الثانية لترتاح الاولى وهكذا .
- فهمت ! .
- بقي يجب ان تعلم ان تحرير تفوكلا يجب ان يكون من الداخل ! .
 ****************************
كان ينايفس يعاني من كوابيس تلاحقه , لم ينم منذ يومين , بسبب تهديد خنياس له , فقد الشهية للطعام , وظهرت عليه اثار المرض , يمسي ويصبح خائفا مذعورا , كان جالسا عندما دخل احد جنوده ليعلمه بخبر هام , بمجرد ان فتح الباب ذعر ذعرا شديدا واصفر وجهه من شدة الرعب , وكأنه كان ينتظر امر الاعدام في حقه :
- سيدي ... الفي مقاتل من كل جهة زحفوا نحونا ! .
لاحظ الضباط ما اصاب ينايفس من الهلع , لم يقو على الكلام , فاقترح احد الضباط :.
- جيشنا عشرون الفا ... نضع في كل جهة خمسة الاف جندي ... ثم نسحقهم ! .
لم يتكلم ايضا , لكنه اشار بالإيجاب , انصرف الضباط لتنفيذ الخطة .
تقدم الفي مقاتل من كل جهة , اطبقوا على تفوكلا , بعد ان اضرموا النار وملأت سحابات الدخان الافق , ما منع جيش ينايفس من اطلاق الوحوش الطائرة , شنّ الهجوم , التقت الاسنة بالأسنة , السيوف بالسيوف , الرماح بالرماح , اكل الحديد من اللحوم , وما شبع , وشرب من الدماء , وما ارتوى , صرخات تردد صداها في الافاق , صرخات موت , صيحات نجدة , استبسل كلا الطرفين في القتال .
كان خنياس يراقب الهجوم من مقره في مدينة الاسوار , بقلق وارتياب , قاطعه احد قادته مستفسرا :
- هل سنترك ينايفس وحيدا ؟ ! .
- كلا ... هناك في تفوكلا عشرون الف جنديا من خيرة جنودنا ... أتظن اننا سنسلمهم للموت ! .
- اذا ... بماذا تآمرنا ... سيدي ! .
- انتظر قليلا ... فلا زالت المعركة في بدايتها .
قبل ان ينتصف النهار , بدأت جيوش ينايفس بالتراجع والتقهقر , لكن الثوار يتقدمون , تنسحب سرية من سراياهم , لتحل مكانها سرية اخرى , برشاقة وسرعة فائقة , حالما تنال الاولى قسطا من الراحة , يعيدوا تنظيم سريتهم , لينطلقوا الى ميدان الحرب مرة اخرى , فتنسحب احدى السرايا للراحة واعادة التنظيم ايضا , بينما جيش ينايفس مستمرا بالحرب من غير راحة واعادة لملمة صفوفه .
اعجب خنياس بطريقة حرب الثوار , فقال لقادته الحاضرين :
- لا استغرب ولا اندهش من طريقتهم في ادارة المعارك ... يكمن خلفهم قائدا حكيما ... ينامي الحكيم ... يا له من عبقري ! .
- اذا استمر هذا الحال فسوف يدخلون تفوكلا عند مغيب الشمس ! .
- سنتدخل الان ! .
- كيف ذلك ... سيدي ؟ ! .
يتبع

 

حيدر الحدراوي


المراجع

almothaqaf.com

التصانيف

قصص   حيدر الحدراوي   الآداب