للعيد في نفس كل واحد منا حكاية، فيه عودة للروح وللذكريات، فيه تستيقظ المشاعر، فيه تفتح القلوب والأبواب على أسرارها، وتكشف وتغلق الحجب والستائر، ثمة كرم واسهاب، عيون وشفاه باسمة، وعيون وشفاه باكية، ثمة فقد وافتقاد، ورضى وعتاب، وسؤال وجواب، وفرح وترح، وكبير وصغير، ويد عليا ويد سفلى،ثمة مسافر وغائب وعائد، ثمة وليد..وشهيد.. وميت جديد
في العيد كل شيء جديد ويتجدد هو السؤال الدائم: بأي حال عدت ياعيد؟؟ يسألونك عن العيد قل فيه مسرة لناس وحسرة لناس آخرين، ما العيد إلا مشاعر تنتابنا،
م... بهجة.. فرح طفولي.. براءة.. تظاهر وتفاخر بكل جديد.. يغض الطرف عن شعور خاص هنا وهناك
العيد بسمة ظاهرة طاهرة نقية،أو بسمة تائهة باهتة، تأتيك على استحياء، ودمعة ظاهرة لقلب مستتر بالحزن والأنين العيد عادة وعبادة وعيادة: عادة في استئناف العادات واحيائها.. في لبس الجديد..في القهوة..في إحياء الحفلات والأعراس..في الطعام والشراب.. وتناول الحلوى.. في فرح الصغار بكرم الكبار.. في النهار الطويل.. والسهر الطويل..في طي المسافات بين الجهات.. وفي طي الخلافات بين القلوب موسم للتسامح والتصافح..و تبادل التهاني.. في الاتصال والتواصل
العيد خفقة قلب يحن ويئن... ولسان يشكر ويشكو... يجمع الأضداد... يختصر الحياة في سنتها.. دعوة للتفكر والتأمل...دعوة للاتصال والتواصل مع الأحياء والأموات على حد سواء
العيد مظهرٌ من مظاهر الدين، وشعيرة من شعائره المعظمة التي تنطوي على حكم عظيمة، ومعانٍ جليلة، وأسرار بديعة لا تعرفها الأمم في شتى أعيادها.
فالعيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضاً واطمئناناً، وتنبلج في علانيته فرحاً وابتهاجاً، وتُسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والأغنياء من جفوة.
والعيد في معناه الإنساني يومٌ تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبة ورحمة وعدالةٍ من وحي السماء، عُنوانُها الزكاةُ، والإحسانُ، والتوسعة.
يتجلى العيد على الغني المُترف فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائِه متواضعاً للحق وللخلق، ويذكرُ أن كل من حوله إخوانه وأعوانه، فيمحو إساءة عام بإحسان يوم.
ويتجلى العيد على الفقير المُترب فيطرح همومه، ويسمو من أفق كانت تصوره له أحلامهُ، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشةُ العيد آثار الحقد والتبرم من نفسه، وتنهرم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء.....
العيد عبادة.. تتويج لطاعة صيام وحج... تزاور.. صلة أرحام..تبسم في وجه الصديق والرفيق والشقيق وعابر الطريق..... صدقة وشفقة.. افتقاد لذوي الحاجات.. دعاء ورجاء العيد عيادة مشفى ومرضى.. تذكر لأسرى وجرحى وقتلى...وذكرى لقلب لعله يخشى ويتزكى العيد ليس قطعة حلوى تؤكل، وليس زيارة تقضى، ولا مالا يصرف، ولا لباسا جديدا يلبس، العيد عودة إلى ما كنا عليه، ومع من كنا معه، عودة للمكان الحميم.. والشخص الرحيم.. عودة للمعاني التي كبرنا بها ومعها وعليها، فإن وجدناها وجدنا العيد يطرق أبوابنا وقلوبنا ويكشف عن أفراحنا، وإن غابت تلك المعاني كشفنا عن أتراحنا وعانينا الأمرين:عدنا إلى ذكرياتنا وحزننا مرة...... وعدنا إلى اجترارها -ونحن نشهد ونشاهد فرح الناس -مرات أخر فلمن العيد اليوم؟؟؟
والعيد في معناه النفسي حدٌّ فاصلٌ بين تقييدٍ تخضع له النفسُ، وتَسكُنُ إليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهواتُ، وتتنبّه له الشهوات.
والعيد في معناه الزمني قطعةٌ من الزمن خُصصَت لنسيان الهموم، واطراح الكُلف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة.
والعيد في معناه الاجتماعي يومُ الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم أواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى أضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض.
وفي هذا كله تجديدٌ للرابطة الاجتماعية على أقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء.
وفيه أروعُ ما يُضفي على القلوب من الأنس، وعلى النفوس من البهجة، وعلى الأجسام من الراحة.
وفيه من المغزى الاجتماعي - أيضاً - تذكير لأنباء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين؛ حتى تشملَ الفرحةُ بالعيد كل بيتٍ، وتعمَّ النعمةُ كلَّ أسرة.
وإلى هذا المعنى الاجتماعي يرمُزُ تشريعُ صدقة الفطر في عيد الفطر، وفي أيامه إطلاقاً للأيدي الخيِّرة في مجال الخير؛ فلا تشرق شمسُ العيد إلا والبسمة تعلو كل شفاهٍ، والبهجةُ تغمرُ كل قلبٍ.
في العيد يستروح الأشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المُعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه.
في العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها إلى الخير، وتهش النفوس الكزة إلى الإحسان.
في العيد أحكام تقمع الهوى، من ورائها حكمٌ تُغَذي العقل، ومن تحتها أسرارٌ تُصَفي النفس، ومن بين يديها ذكرياتٌ تثمر التأسي في الحق والخير، وفي طيَّها عِبرٌ تُجلي الحقائق، وموازينُ تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة بين البشر، ومقاصدُ سديدةٌ في حفظ الوحدة، وإصلاح الشأن، ودروسٌ تطبيقيةٌ عالية في التضحية، والإيثار، والمحبة.
في العيد تظهر فضيلةُ الإخلاص مُستعلنة للجميع، ويُهدي الناسُ بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المُخلصةِ المُحِبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها.
في العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناه العملي..........
يومَ الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمةِ الواحدة في ألسنة الجميع
ليس العيد إلا إشعار هذه الأمة بأن فيها قوةَ تغيير الأيام، لا إشعارها بأن الأيام تتغير؛ وليس العيد للأمة إلا يوماً تَعرض فيه جمالَ نظامها الاجتماعيّ، فيكون يومَ الشعور الواحد في نفوس الجميع، والكلمةِ الواحدة في ألسنة الجميع؛ يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، لا القدرة على تغيير الثياب... كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يوماً في شعبها الحربي.
وليس العيد إلا تعليمَ الأمة كيف تتسع روحُ الجوار وتمتدّ حتى يرجع البلدُ العظيم وكأنه لأهله دارٌ واحدة يتحقق فيها الإخاء بمعناها العملي، وتظهر فضيلة الإخلاص مُسْتعْلنة للجميع، ويُهدي الناس بعضُهم إلى بعض هدايا القلوب المخلصة المحِبة، وكأنما العيد روح الأسْرَةِ الواحدة في الأمة كلها.
وليس العيدُ إلا إظهار الذاتية الجميلة للشعب مهزوزة من نشاط الحياة؛ ولا ذاتيةَ َ للأمم الضعيفة، ولا نشاطَ للأمم المستعبَدة؛ فالعيد صوتُ القوة يهتف بالأمة: اُخرجي يوم أفراحك، اُخرجي يوماً كأيام النصر
وليس العيد إلا إبراز الكتلة الاجتماعية للأمة متميزة بطابِعها الشَّعبي، مفصولة من الأجانب، لابسة من عمل أيديها، معلنة بعيدها استقلالين في وجودها وصناعتها، ظاهرةً بقوّتين في إيمانها وطبيعتها، مبتهجةً بفرحَين في دُورها وأسواقها؛ فكأنّ العيدَ يوم ٌ يفرح فيه الشعب ُ كله بخصائصه.
وليس العيد إلا التقاء الكبار والصغار في معنى الفرح بالحياة الناجحة المتقدّمة في طريقها، وترْك الصغار يُلقون دَرسَهم الطبيعيّ في حماسة الفَرح والبهجة، ويعلِّمون كبارهم كيف توضَع المعاني في بعض الألفاظ التي فرَغتْ عندهم من معانيها، ويبصِّرونهم كيف ينبغي أن تعملَ الصفاتُ الإنسانية في الجموع عمل َ الحليف لحليفه، لا عملَ المنابِذ لمنابذه؛ فالعيد يومُ تسلُّط العنصر الحيّ على نفسية الشعب.
وليس العيد إلا تعليمَ الأمة كيف توجِّه بقوّتها حركة الزمن إلى معنى واحد كلما شاءت؛ فقد وضع لها الدينُ هذه القاعدة َ لتخرِّج عليها الأمثلة، فنجعل للوطن عيداً مالياً اقتصادياً تبتسم فيه الدراهم بعضها إلى بعض، وتخترع الصناعة عيدها، وتوجد للعلم عيده، وتبتدع للفن مَجالي َ زينته، بالجملة تنشيء لنفسها أياماً تعمل عمل القُوّاد العسكريين في قيادة الشعب يقودهُ كلُّ يوم منها إلى معنى من معاني النصر.
وهكذا لخَّص الرافعي المعاني السياسية للعيد وكأن الرافعي يحضر معنا هذه الأيام ويستشعر معنا هذه الأحداث التي تمر بها امتنا الحبيبة من طنجة الى جاكرتا ....
في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها.
العيد في الإسلام سكينةٌ ووقارٌ، وتعظيمٌ للواحد القهار، وبعدٌ عن أسباب الهلكة ودخول النار.
والعيد مع ذلك كله ميدان استباق إلى الخيرات، ومجال منافسة في المكرمات.
ومما يدل على عظم شأن العيد أن الإسلام قرن كلَّ واحدٍ من عيديه العظيمين بشعيرة من شعائره العامة التي لها جلالُها الخطير في الروحانيات، ولها خَطَرُها الجليل في الاجتماعات، ولها ريحُها الهابَّةُ بالخير والإحسان والبر والرحمة، ولها أثرها العميق في التربية الفردية والجماعية التي لا تكون الأمةُ صالحة للوجود، نافعة فيالوجود إلا بها.
هاتان الشعيرتان هما شهر رمضان الذي جاء عيدُ الفطر مِسك ختامِه، وكلمة الشكر على تمامه، والحجُ الذي كان عيدُ الأضحى بعض أيامه، والظرف الموعي لمعظم أحكامه.
فهذا الربط الإلهي بين العيدين. وبين هاتين الشعيرتين كاف في الحكم عليهما، وكاشفٌ عن وجه الحقيقة فيهما، وأنهما عيدان دينيان بكل ما شُرع فيهما من سنن، بل حتى ما ندب إليه الدينُ فيهما من أمور ظاهرُها أنها دنيوية كالتجمل، والتحلي، والتطيب، والتوسعة على العيال، وإلطاف الضيوف، والمرح، واختيار المناعم والأطايب، واللهو مما لا يخرج إلى حدِّ السرف، والتغالي، والتفاخر المذموم؛ فهذه الأمور المباحة داخلة في الطاعات إذا حسنت النية؛ فمن محاسن الإسلام أن المباحات إذا حسنت فيها النيةُ، وأُريد بها تحقُقُ حكمةِ الله، وشُكرُ نعمته انقلبت قرباتٍ كما قال النبي): حتى اللقمة تضعها في في امرأتك.(
كلا طرفي العيد في معناه الإسلامي جمال، وجلال، وتمام وكمال، وربط واتصال، وبشاشة تخالط القلوب، واطمئنان يلازم الجنوب، وبسط وانشراح، وهجر للهموم واطراح، وكأنه شبابٌ وخَطَتُه النُضرة، وغُصنٌ عاوده الربيع، فوخَزًتهُ الخُضرةُ.
وليس السرُّ في العيد يومَهُ الذي يبتدى بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، وإنما السرُّ فيما يعمر ذلك اليوم من أعمال، وما يغمره من إحسان وأفضال، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال؛ فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليومُ نفسهُ.
هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام، وكما يحقُقُها المسلمون الصادقون؛ فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟
إن مما يؤسف عليه أن بعض المسلمين جَرَّدوا هذه الأعياد من حِلْيتها الدينية، وعَطَّلوها عن معانيها الروحية الفوارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة، مع تَجَهُّم الأحداث، وبالبشر مع شدة الأحوال؛ فأصبح بعض المسلمين - وإن شئت فقل: كثير منهم - يلقون أعيادهم بهمم فاترة، وحس بليد، وشعور بارد، وأسَرِّةٍ عابسة، حتى لكأنَّ العيد عملية تجارية تتبع الخصب والجد، وتتأثر بالعسر واليسر، والنفاق والكساد، لا صبغة روحية تؤثر ولا تتأثر.
ولئن كان من حق العيد أن نبهج به ونفرح وكان من حقنا أن نتبادل به التهاني، ونطرح الهموم، ونتهادى البشائر - فإن حقوق إخواننا المشردين المعذبين شرقاً وغرباً تتقاضى أن نحزن لمحنتهم ونغتم، وتُعنى بقضاياهم ونهتم؛ فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد إلى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الإنساني إلى أبعد مدى، وذلك حين يبدو في العيد متماسكاً متعاوناً متراحماً، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب،والبر، والرحمة، ويذكر فيه أبناؤه مصائب إخوانهم في الأقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات.
ولا يراد من ذلك تذراف الدموع، ولبس ثياب الحداد كما يعتكف المرزوه فقد حبيب أو قريب، ولا أن يمتنع عن الطعام كما يفعل الصائم....وان نبقى ننشد.... لمن العيد اليوم...؟
أهو لتلك الشعوب التائهة في دروب الحياة، لا تعرف هدفا تسعي اليه ولا كيان كريما تعول عليه.. تغالب الموت لتعيش عيشة هي أقسي من الموت.. و تسعي الي الحياة بأجساد فقدت نضارة الحياة.. و تشقي وراء اللقمة تنتزعها من أنياب المترفين، ومخالب المتسلطين، وبراثن القساة الغلاظ الأكباد ممن يسميهم الناس بكبار الآدميين..
أم هو لتلك الآلاف من أبطال الجهاد وحفظة القرآن وحملة المشاعل، كبلوا بالحديد، وأرهقوا بالتعذيب وسيق من سيق منهم إلي الموت مضرجا بدمائه، واستبقي من استبقي منهم للذل يمتحن في دينه وكبريائه..
أطفالهم للتشريد ونساؤهم للبكاء وشيوخهم للجوع وحياتهم للخوف، وشعبهم يرغم علي ان يتذوق في مرارة المأساة حلاوة الرحيق المختوم
لمن العيد اليوم؟؟
أللمشردين في هوان... أم هو للشعوب نبذها الزمان والمكان.. أم للأنفس المؤمنة من ضحايا الغدر والطغيان......
ومع هذا الواقع الذي نحياه فان علينا العمل كي تظهر أعيادنا بمظهر الأمة الواعية، التي تلزم الاعتدال فيسرَّائها وضرَّائها؛ فلا يحول احتفاؤنا بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فريقٌ من أبنائها.
ويراد من ذلك أن نقتصد في مرحنا وإنفاقنا؛ لنوفر من ذلك ما تحتاج إليه أمتنا في صراعها المرير الدامي.
ويراد من ذلك - أيضاً - أن نشعر بالإخاء قوياً في أيام العيد؛ فيبدو علينا في أحاديثنا عن نكبات إخواننا وجهادكم ما يقوي العزائم، ويشحذ الهمم، ويبسط الأيدي بالبذل، ويطلق الألسنة بالدعاء؛ فهذا هو الحزن المجدي الذي يُترجم إلى عمل واقعي....
تذكَّر إخواناً لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء.
أيها المسلم المستبشر بالعيد: لا شك أن تستعد وقد استعددت للعيد أياً كنت وأماً أوشاباً، وفتاة، ولا ريب أنك قد أخذت أهبتك لكل ما يستلزمه العيد من لباس، وطعام ونحوه؛ فأضف إلى ذلك استعداداً تنال به شُكوراً، وتزداد به صحيفتك نوراً، استعداداً هو أكرم عند الله، وأجدر في نظر الأُخوَّة والمروءة.
ألا وهو استعدادك للتفريج عن كربة من حولك من البؤساء، والمعدمين، من جيران، وأقربين ونحوهم؛ فتِّش عن هؤلاء، وسَل عن حاجاتهم، وبادر في إدخال السرور إلى قلوبهم.
وإن لم يُسعِدك المال فلا أقل من أن يسعدك المقالُ بالكلمة الطيبة، والابتسامة الحانية، والخفقة الطاهرة.....
إن العيد عندنا يوم فرح وبشر؛ فيه تلهوا نساءنا؛ وأطفالنا يجتمعون فيضحكون ويلعبون؛ تمتد إليهم أيدينا بل وأيدي أقاربنا وجيراننا بالريالات الجديدة عفوا.. هذا في زمن مضى أما اليوم بالعشرات والمئات من الريالات وتذهب كلها في يوم العيد إن لم تذهب في ساعات الصباح الأولى فلله الحمد والفضل على ذلك كله...... وأعيادُنا ولله المنة مليئةٌ بالفرحِ والسرورِ ولا مكانَ للحزنِ فيها خلافاً لبعضِ الأممِ كالأعيادِ الجنائزيةِ لدى الفراعنةِ وكعيدِ الغفرانِ اليهودي في الثامنِ منْ أغسطس وهوَ يومُ حزنٍ وبكاءٍ على حائطِ المبكى (البراق)...ومثلِ عيدِ تشينغمينغ الصيني الذي يجمعُ بينَ الحزنِ والفرح؛ حيثُ يزورُ أبناءُ قوميةِ هان وبعضُ الأقلياتِ القوميةِ قبورَ موتاهم ثمَّ يستمتعونَ بجمالِ الربيع؛ فالحمدُ للهِ الذي جعلَ عيدَنا يومَ زينةٍ وبسمة.
وليسَ لأعيادِنا صلةٌ قريبةٌ أوْ بعيدةٌ بقتلِ الإنسانِ وتهجيرِه وإفسادِ الأوطانِ وتدميرِها كما في عيدِ الشكرِ الأمريكي الذي تحتفلُ بهِ الأمةُ الأمريكيةُ في رابعِ خميسٍ منْ شهرِ نوفمبر كلِّ عامٍ وتأكلُ الدِّيكةَ الروميةَ لتتذكرَ جرائمَها الوحشيةَ وإبادتها للهنودِ الحمرِ في حكايةٍ جديرةٍ بأنْ تكونَ وصمةَ عارٍ وخزيٍ لا موسمَ احتفالٍ ولا عطلةً رسميةً أوْ ملتقىً بهيجاً للعائلةِ الأمريكيةِ يندرُ مثيلُه على مدارِ السنة؛ فأيُّ فطرةٍ تلكَ التي تحتفلُ بقتلِ مئةِ مليونِ إنسانٍ وسلخِ فراءِ رؤوسِهم وتخريبِ ديارهم؟ ولدى اليهودِ عيدُ الأبوريم الذي يجبُ على اليهودي فيهِ السكرُ حتى الثمالةِ ويُسمَّى أيضاً عيدُ التماثيلِ المضحكةِ لأنَّهم يصنعونَ تماثيلَ منْ القشِ لمنْ يرونهم أعداءً ويعلِّقونها في المشنقةِ بطريقةٍ هزلية تفضحُ نفسيةَ القوم فالحمدُ لله الذي سلَّم أفراحنَا من الجنايةِ ليكونَ عيدُنا خيراً وسلاما
عذرا.. إن إخوة لنا يعيشون العيد ليس كما نعيشه.. ويجتمعون فيه ليس كاجتماعاتنا.. وينظرون إلى أطفالهم ليس كنظرتنا لأطفالنا.. فهل يا ترى.. هم يفرحون.. هم يضحكون.. ام يتألمون؟؟
ربما يفرحون بالعيد لأنهم مسلمون وهذا واجب عليهم وإن كانوا يكتمون الحزن والهم في داخل قلوبهم؛ وربما يضحكون لكي لا يبكون أطفالهم...
يا ترى أي عيد هم يعيشون وهم جياع عراة مرضى..؟ الموت بين أعينهم.. يزورهم كل يوم ربما عرفوا من سيأخذ منهم قبل مجيئه - رحماك يارب أي حياة يعيشون - بل ربما استعدوا له وتهيأوا فجهزوا له كفنه وحفروا له قبره في يوم العيد نعم في يوم الفرح والسرور في يوم اجتماع الأحبة والقريبين في يوم التكبير والتهليل.
اختلط عندهم الفرح بالبكاء والسعادة بالحزن والراحة بالتعب رفعوا أكف الضراعة لخالقها ودموع الحاجة لمجريها وسألوا الله الرحمة والنجاة.
لقد حذر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، من أن حوالى نصف مليون طفل في شرق أفريقيا مهددون بالموت جوعا بسبب كارثة الجفاف في منطقة القرن الأفريقي.
موضحة أن إجمالي أعداد الأطفال الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية يصل إلى مليوني طفل، محذرة من أن الوضع سيزداد سوءا مع بداية العام 2012 إذا لم يطرأ أي تحسن سريع على هذه المساعدات.
أين نحن منهم وقد ورد عن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ: «ما آمن مَنْ بات شبعاناً وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم».
إنّ من يعلم بجوع جاره وهو شبعان فلا يحركه حال جاره إلى المساعدة والسعي في إشباعه فليس بالمؤمن الحقيقي، لأن مقتضى الإيمان القويّ أن يحب المؤمن لأخيه المؤمن من الخير ما يُحبه لنفسه. بل إن المؤمن يحب الخير ويسعى بالخير لكل الناس لعمق المشاعر الإنسانية فيه ولاتّسام تعاليم الإسلام بالإنسانية الراقية.
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواهُ الترمذيُّ: (الرَّاحمُونَ يَرحمُهُم الرّحمنُ ارْحَموا مَنْ في الأرض يرحمْكُم من في السَّماءِ).
إنها الرحمه التي جعلها الله في قلوب العباد. أين هي من رحمة إخواننا في الصومال الذين يعانون المجاعة القاسية والبلاء الكبير.؟ نريد هذه الرحمة أيها المسلمون؛ نريد أن يأكلون كما نأكل ويعيشون كما نعيش بحق لا إله إلا الله التي تجمعنا يوم القيامة وتربطنا في الدنيا أن لا نترك إخواننا لعصابات التنصير وتجار الأعراض.
إخواننا يموتون جوعا ونحن نبيت شبعانين وقد ورد في الحديث (ان اكثر الناس شبعا في الدنيا اكثرهم جوعا يوم القيامة) صححه الالباني.
نعوذ بالله من الشبع الذي يقودنا إلى الجوع يوم القيامة.
والله لو شعرنا بالجسد الواحد نحن وإخواننا في الصومال لما شبعنا ولما اشتهت أنفسنا الأكل حتى نطمأن عليهم ونعيش وإياهم سويا كالجسد الواحد.
يقول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكي منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسهر والحمى).
أحبائي لعل عيدنا يكون عيدين وذلك:
1- بالدعاء لهم ورفع أكف الضراعة والانطراح بين يدي الله وتحري أوقات الاستجابة بأن يرفع عنهم البؤس والفقر والجوع وأن يغيثهم بالأمطار ويحيي أرضهم بالماء الذي فقدوه ثلاث سنوت متتالية فاعلم إن فعلت ذلك عشت العيد مع إخوانك.
2- بالاطلاع ومتابعة أحوالهم والتطورات الحاصلة عندهم وتتبع أخبارهم والاطمئنان على حالهم.
3- دعمهم ماديا عن طريق المنظمات والجمعيات الخيرية والجهات الرسمية المنتشرة في ربوع بلادنا سواء بالمال وبالأكل وباللباس ولو كان مستعملا فهم بحاجة ماسة لكل شئ.
4- الكلمة الصادقة وذلك بالكتابة عنهم وبيان حالهم ونشر كل ما يكتب عنهم.
وتذكّر صببيحة العيد، وأنت تقبل على والديك، وتأنس بزوجك، وإخوانك وأولادك، وأحبابك، وأقربائك، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ، والشراب الطيب، تذكَّر يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وأيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، وآباءً وأمهاتٍ حُرموا أولادهم، وجموعاً كاثرة من إخوانك شردهم الطغيان، ومزقهم كل ممزق؛ فإذا هم بالعيد يشرقون بالدمع، ويكتوون بالنار، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار.
وتذكّر في العيد وأنت تأوي إلى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير … تذكَّر إخواناً لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء.
واستحضر أنك حين تأسو جراحهم، وتسعى لسدِّ حاجتهم أنك إنما تسد حاجتك، وتأسو جراحك وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ [التوبة:71]، وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ [البقرة:272]، ومَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ [فصلت:46]، و{ من نفّس عن مؤمنٍ كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه } و{ من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم } و{ مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)
وما أجمل ما قال الشاعر رغم الهم والعتمة:

إنّــا لـنـسـعــدُ فـــي الأعــيــادِ رغـــم أســـىً
يـقـتــاتــنــا، وقـــلـــوبٍ هـــدّهـــا الــســقـــمُ
ومـــا بـرحــنــا جـــوار الـبــيــت نـكـتــبــهــا
تـلـك الـوصـايـا الـتـي أوصـى بـهــا الـحــرمُ
مــحـــمّـــلاتٍ بــشــوقٍ،ألــبــســت أمـــــــلاً
لــمــن مـتـاعــهــمُ لـلــقــدس قـــد حــزمــوا
ومـذ عـقـلـنـا – وربِّ الـعـرش- مـا سـكـنـت
مـــنـــا الــقـــلـــوب وآلــيـــنـــا لَــنَــنْــتِــقُــمُ
وذكـــر مـســجــدنــا الأقــصـــى مــلازمــنــا
وغــايــة الـقــصــد أن تُـسْـتَـنْــفَــرَ الـهــمــم
دوّى الـنـفــيــر ونــحــن الـجــنــدُ نـعـلـنــهــا
لـلـخـانـعـيـن ومــن خـانــوا ومــن وهِـمــوا
والـفــجــر يـــا ســيــدي لاحــــت بــشــائــرهُ
وعــيــدُ نــصـــرٍ بــــه تـسـتــبــشــرُ الأمــــمُ
بـالـنــار نـكــوى ونـحــنُ الــنــورَ نـحـمــلُــه
أبــعــدَ ذا لـــو بَـسَـمْــنَــا ســـوفَ نُــتَّــهَــمُ؟
  • لن تسرقوا أفراحنا بحصاركم ومجازركم وتحزبكم ضدنا
كيف لنا أن نفرح وهذه الهموم متراكمة، وهذه المشكلات باقية، وتلكم المعضلات عصية علي الحل؟. مضت سنون.. \"وما أشبه الليلة بالبارحة\" وإن ازدادت سوادا، وأمست كالحة، وباتت الفرحة غائبة.
لكن...
لولا فرحة الأطفال ولهوهم في العيد..
لولا لهثهم لشراء من الثياب الجديد..
لولا فرحتهم بالحلـــــــــوى والنقود..
لـــــــــولا أملـــــــهم في غد سعيـــد..
لــــولا ضحكــــــهم تغطي أحــــزاننا
لـــــــــولا مرحـــــهم وصخبــــــــهم
لمـــــــــا شعــــرنا أننـــــــا في عــيد.
- كيف نشعر أننا في عيد.. وفلسطين تصرخ وتئن وتنزف؟. كيف نشعر أننا في عيد وأقصانا، يُهّود، بأيدي الصهاينة المعتدين؟. ويستمر المحتل في غيه وصعوده فيما يستمر العرب في هوانهم وهبوطهم. ومع ذلك يستمر العديد من الدول العربية يقيم علاقات وبأشكال مختلفة مع هذا المحتل فوق الطاولة وتحتها.
- كيف نفرح بالعيد.. والتفتت والتشرذم والتباغض والتآمر والحصار الظالم والتجويع مازال مفروضاً علي أهلنا في قطاع غزة، بينما فريق \"يـُفاوض\" من أحتل وأغتصب الأرض، وأغتال وذبح وقتل وشرد البشر، ودمّر الشجر والحجر. من يداه مُلطخة ـ دون عقاب ـ بدماء الشهداء - كيف نفرح بالعيد.. والعراق.. وطن الأنبياء، ومهد الحضارة، ومنبع التاريخ، وبغداد عاصمة الخلافة الإسلامية التليدة، قد احتلها الأمريكان ومن عاونهم؟. خربوه وعاثوا فيه فسادا.. شردوا، وفرقوا شعبه شيعاً وأحزابا. أوجدوا فيه حالة انفصال سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي (ثلاثي/ شمالي ووسطي وجنوبي). أسالوا الدماء، يتموا الأطفال، ورملوا النساء، واستباحوا الشيوخ.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد.. وأرض الأفغان.. مستودع العلم والرجال الأشداء.. محتلة من قبل الحلف ذاته يفعل بها مثلما يفعل بالعراق، ولا مغيث لها.
- كيف نفرح بالعيد، والحال في اليمن والشام لا يسر منه الا الاعداء....- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، وأرض الإسلام والمسلمين تُنتقص من أطرافها؟. فـ\"حكومة العالم الخفية\" فصلوا \" تيمور الشرقية\" عن اندونيسيا، وتتمدد هيمنة الشرطي الاسترالي علي جيرانه. مرورا بمأساة الحكم الذاتي لمسلمي جنوب الفلبين، ومذابح \"تركستان الشرقية/ إقليم سكينكيانغ\"تحت الهيمنة الصينية، و\"الشيشان\" تحت القبضة الروسية، و\"كشمير\" تحت الوصاية الهندية، والنزاع حول\" ناجورنو كارباغ\" بين الدولة الآذارية ونظيرتها الأرمينية الخ.
- كيف نفرح بالعيد، وكل يوم تكتشف مقبرة جماعية لشهداء البوسنة والهرسك جراء مذابح الصرب في تسعينيات القرن الماضي؟.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، ومازالت \" سبتة\"، و\"مليلة\" محتلتين منذ نحو خمسة قرون من قبل الاستعمار الإسباني؟.
- كيف نفرح بالعيد والخلاف الحاد قائم بين الجزائر والمغرب، وفي لبه ملف أزمة الصحراء، وجبهة البوليساريو.
- كيف نفرح ويعود علينا العيد ومصير الصومال ليس بعيدا عن باقي أقطار العرب. نراه قد ارتد إلى مرحلة ما قبل نشوء الدولة ككيان سياسي واجتماعي.
- كيف نفرح، وقد نهض غيرنا ولم ينجح العرب؟. مازلنا لا نجد أجوبة علي ذات الأسئلة: لماذا نجحت اليابان و\"نمور\" جنوب شرق آسيا، وألمانيا، بل والبرازيل، والهند (بدأت الهند معنا مشروعها النووي في ستينيات القرن الماضي، دخلت الهند النادي النووي وجلسنا علي الباب)؟؟. فمقارنة بهؤلاء تبقي امتنا غنية بمواردها البشرية والمادية ومع ذلك تظل \"مُتخلفة\" علي كافة الصُعد. فقد تكدس السلاح (ليعمل دولاب صناعتها عند الآخر)، ولا تستعمله ضد عدوها الحقيقي.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد وليس ثمة أي دور فاعل لمنظمة وجامعة وهيئة مؤسسية ترعى قضايا الأمة، وتنهض بها، وتهتم بمشكلاتها، وتسعى لحل أزماتها.
- كيف نفرح بالعيد.. وقد جعلوا \"العدو الأخضر/ الإسلام\" بديلاً عن \"العدو الأحمر/ الإتحاد السوفيتي\" المنهار، فهم لا يعيشون بدون خلق عدو تلو آخر، ليبقوا في ظاهر الأمر \" متوحدين\"، لينقلوا مشكلاتهم خارج أرضهم. فهاهو اليمين الصهيو-أمريكي ـ في صراحة ووضوح ـ يعلنها \"حرباً صليبية\"، و\"حرباً علي الإرهاب\"، وتجد من عملائه الكثيرين يأتمرون بأمره، ويحاربون معه\". يريدونها\" فوضي هدامة\".
لا يصلح الناس فوضى لا سَراة لهم ولا سَراة إذا جهالهم سادوا.
- كيف نفرح بالعيد وهم يشعلون حملات العداء والعنصرية والتمييز ضد الإسلام والمسلمين\"الأسلاموفوبيا\"؟. فنراهم يـُسيئون لرسولنا، صلي الله عليه وسلم، ويدنسون قرآننا، ويستبيحون شرائعنا وشعائرنا وهويتنا وذاتيتنا. نراهم يكرسون شرعتهم الوضعية تتحكم في رقابنا. يزورن الحقائق، يصوَّرون الجهاد، والدفاع عن العقيدة، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، والوطن، بأنه إرهاب. بينما غزوهم لبلاد المسلمين والتدخل في شؤونهم بأنه عمل مشروع متمشٍ مع الشرعية الدولية.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد.. وهناك تبعية وارتهان لأعدائنا الذين يتدخلون في كل صغيرة وكبيرة من شؤوننا... من توجيه النشء، وتكوين الأسرة، إلي عزل من شاءوا، والإتيان بمن شاءوا من المستبدين ودعمهم. فهل هؤلاء سيهتمون بقضايا ومشكلات أمتهم العربية الإسلامية.
- كيف نفرح بالعيد مع حرص الأنظمة المتحكمة على كراسي حكمهم، والسعي لتوريثها لأبنائهم، علي ضد رغبة الشعوب؟. ومستوزرين متخشبون لعقود عدة في مقاعدهم رغم كل المصائب والأرزاء والفساد الذي جلبوه علي وزارتهم، الذي طال اقرب مقربيهم فأدخلهم السجون.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد وذاكرتنا التاريخية تشوش وتميع، متاحفنا وكنوزها الاثرية تسرق وتنهب، جامعاتنا في ذيل القوائم، وعلماؤنا يُستنزفون، ثقافة غثة، إعلام يُخدر، أغان هابطة، أفلام ماجنة، نحصد أصفارا رياضية لا ميداليات ذهبية الخ.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد والأنظمة لا تحترم القوانين، ولا تنفذ الأحكام، ولا تحمي مواطنيها في الداخل قبل الخارج، فساد الظلم الاجتماعي والفساد والعنف والفقر والمرض والجهل والسرقة والنهب والتعذيب.. وضاعت هيبة الدول.
- كيف نفرح بالعيد وقد حيل بين الكثيرين وبين ما يتمنون من عيش حياة كريمة؟؟. احتكار للسلع الأساسية، وغلاء فاحش، ومرض فتاك يفتك بفقراء الناس وهم كُثر، وإسراف ترفي استهلاكي من قبل آخرين.. فجوة عميقة تتسع يوما فيوما. وتغيرات ديموغرافية تشكل خطرا علي السكان الأصليين.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد، في حين لم يفتر التضييق علي الأفكار والحريات، ويُحاصر الأخيار من العلماء والعقلاء والأحرار وشباب الصحوة الإسلامية. يعتقل من يُعتقل، ويُغيب من يُغيب، يفر من يفر، ويهاجر من يهاجر، ويموت من يموت في \" قوارب الموت\"، ويُحال بين الناس وأوطانهم.. وأبنائهم وأحبتهم وأصدقائهم المغتربين، داخليا وخارجياً، والمُهجرين والمشردين واللاجئين الخ. يقول الأحنف بن قيس:
يا غريب الدار عن وطنه مفردا يبكي علي شجنه.
كلما جــّـد البكاء بـــــــه دبت الأسقــام في بـدنه.
من بعده \"شوقي\" من منفاه يقول:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي.
- عيدٌ.. بأي حال عدت يا عيد ومعتقلينا وأسرانا، ظلماً وعدواناـ في سجون الاحتلال الاسرائيلي والأمريكي البريطاني في فلسطين المحتلة وأبو غريب وأفغانستان وجوانتانمو، وغيرها كثير من السجون العلنية والسرية.
- كيف نفرح ويعود علينا العيد والأرامل، والأيتام، والعجزة، والمشردين واللاجئين (نحن أكبر الأمم عددا في نسب المشردين واللاجئين والمُهجرين) لا يجدون من يواسيهم، ويخفف عنهم.
اجل ورغم الهم والغم والعتمة سنفرح بهذا العيد رغم الجراح، ولن يسرق الأعداء منا الفرحة، ومن أطفالنا البسمة..
لن تسرقوا أفراحنا بحصاركم إخواننا... ألم يُحاصر النبي الكريم – صلى الله عليه وسلم- وصحبه رضوان الله عليهم في الشعب، بعدما زادت حيرة المشركين إذ نفدت بهم الحيل، فتحالفوا على الحصار وكتبوا صحيـفـة الظلم، ثلاثة أعوام في شعب أبي طالب حتى لجأ المسلمون إلى أكل الأوراق والجلود، وحتى كان يسمع من وراء الشعب أصوات نسائهم وصبيانهم يتضاغون من الجوع، وفي النهاية نقضت الصحيفة وانكسر الحصار، وما انكسرت عزيمة المؤمنين، وكيف تنكسر عزيمتنا ونحن نقرأ قوله تعالى: { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا }.
فسنـزداد تمسكاً بديننا وحقوقنا مستذكرين قول ربنا: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ }.
لن تسرقوا أفراحنا بمجازركم وجرائمكم... فشهداؤنا أحياء، إنهم أحياء عند ربهم، عند خير جوار، والمصائب مع الصبر ستنقلب إلى رحمة: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ
  • وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }، ودماؤهم الزكية تذكرنا بأن قتلة الأنبياء بالأمس هم قتلة أتباع الأنبياء اليوم، وتذكرنا بحملات الصليب التي كلما عادت سرعان ما تنتهي وترجع خائبة بإذن الله.
لن تسرقوا أفراحنا بحرماننا من شد الرحال للأقصى... فإن طال الزمان فإنا عائدون...قادمون، وإن جعلتم من حدودكم وحواجزكم حائلاً بيننا وبين الصلاة في المسجد الأقصى، فلكم الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة، قال عز وجل: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.
لن تسرقوا أفراحنا بسجنكم لإخواننا وأخواتنا... فأنين الأسرى وصوت قيودهم، سيحررنا من الدنيا وقيودها، وسنمضي من أجل حريتهم مستذكرين إخوة لنا ذكرنا بهم رسولنا لما أتاه خباب رضي الله عنه وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، قُلْنَا لَهُ: أَلَا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا، قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ أَوْ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"... ستكسر القيود ويعود الأحبة وليتمن الله هذا الأمر.
لن تسرقوا أفراحنا باحتلال أرضنا... فقد سقطت بغداد بأيدي التتار، والقدس بأيدي الصليب، وعادت عزيزة بعدما عدنا لديننا وتوحدت راياتنا، وإنا على يقين بأننا عائدون، والعاقبة للمتقين، قال تعالى: { قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
لن تسرقوا أفراحنا بتحالفكم وتحزبكم ضدنا... وسنزاد إيماناً وتسليماً لله، وسنقول كما قال إخواننا: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا }.
لن تسرقوا أفراحنا وإن تأخر نصرنا... فوعد الله بين أعيننا { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} وسنسرع بالسير وإن تكالبت على جنبات الطريق الجراح، وعيوننا ترمق من بعيد وعد الله لنا بالنصر والتمكين: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ}.
لن تسرقوا أفراحنا فلنا معكم موعد لم ولن ننساه، قال صلى الله عليه وسلم: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ فَيَقْتُلُهُمْ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوْ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ".
لن تسرقوا أفراحنا بشتم رسولنا... فذكره العطر تكفل الله برفعه { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } وسننشر ديننا لننقذ العالم من ظلمات الكفر، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي يُنَـزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ }.
لن تسرقوا أفراحنا بتشويهكم لإسلامنا واتهامنا بالإرهاب... فنور ديننا لن يطفأ بأفواهكم، قال تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَلَا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ وَذُلًّا يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ".
بل سنفرح... وسنرسم البسمة على وجه الفقير والمسكين وذوي الشهيد والأسير، ألم يقل رسولنا صلى الله عليه وسلم: " من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلف غازيا في أهله، وماله فقد غزا" وقال عليه الصلاة والسلام: " أيكم خلف الخارج في أهله وماله، كان له مثل نصف أجر الخارج".
وسنعمل بأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم: " أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم "، وسنغنيهم عن السؤال في هذا اليوم.
لن تسرقوا أفراحنا... فاليوم نبتسم بمكة المكرمة والمدينة النبوية، وغداً بإذن الله سنشد الرحال إلى القدس، قال صلى الله عليه وسلم: " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى"، وسنبتسم في القدس وفي بغداد وفي كل مكان بإذن الله.
لن تسرقوا أفراحنا... وإن ملكتم الصواريخ والطائرات والبارجات... فإرادتنا أقوى منكم ومما ملكتم والملك كله لله، قال تعالى: { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْـزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فهو سبحانه من نسأله العزة والتمكين وللكافرين الذل والهوان في الدنيا والآخرة، وإن تقلبتم حيناً، قال تعالى: { لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ }.
سنفرح لكن أفراحنا لن تنسينا جراح إخواننا... لأن جراحهم هي جراحنا، لأننا وكما قال حبيبنا صلى الله عليه وسلم: " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمِهِمْ وتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى منهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَد بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" رواه البخاري ومسلم، وإن ضعف هذا الجسد حيناً فإنه سرعان ما سيتعافى مما ألم به.
وسيعفو بعضنا عن بعض، لأننا نحب أن يعفو الله عنا، قال تعالى: { وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وليس في قلوبنا متسع للخصام والتقاطع فيما بيننا، فهي أصغر حجماً من أن تحمل الحقد على مسلم، وأكبر قدرة على أن تحمل هم إخواننا المسلمين، وأن تخفق بذكر الله وحمده..
وسيصفح بعضنا عن بعض، ولنطبق ما نقرأه من أمر الله عز وجل لنا: { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }.
ليس في قلوبنا متسع لنحزن ونهون ونحن نسمع قول ربنا { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
وسنشد على جراحنا وننهض من جديد من بين الركام والأشلاء والدماء {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}....
سنبتسم ابتسامة آسرة رغم الألم
لا شكَّ وأن الغيوم السوداء المتلبدة فوق سماء الأمة تشي بآلام عميقة لا تخفى على صاحب عقل وإدراك..
حروبٌ ونزاعات، أوبئةٌ ومجاعات، فقر وضعفٌ وانهيار بنيان مبادئ وأخلاق..
كلها أسباب كفيلة بانتزاع البسمة من على شفاهنا..
ولكن.. ما العمل؟ والعيد أتانا طارقاً الأبواب؟
قد جعلهُ الله تعالى لنا نافذة فرح نطلّ بها على الآلام فنبتسم رغم الدموع..
وقد جعله مساحة هدوء للنفس، تستروح فيها جمال الوصول بعد تعب عبادة، ومواصلة مسير، كمكافأة قيّمة استحقّها كلّ من سار على الطريق..
نتأملُ القلوب المهتمة بأمر الأمة فنجدها قدّ شقّ عليها استقبال فرحٍ في لجج حزن وآلام، قد انزوت في زاوية مظلمة، وغلّقت النوافذ والأبواب، فنحزن لأجلها أيّما حزن وقد خالفت الوصيّة النبويّة في توجّب الفرح أيام العيد..
ونتأمل قلوباً أخرى قد شغلتها هموم الدنيا، فهذا يشكو فقره، وذاك يبكي حاله، وثالثٌ محرومٌ ورابع متألم مريض..
ننظر إلى هؤلاء وقد آلمنا ضياع الفرح على عتبات حزنهم، ونقترب منهم رويداً، نهمس لهم كيف يصنعون البسمة من وحي العيد..
إن زاركم العيد يوماً فتبسموا، فأنتم تتلقون هديّة الرّحمان بجمال آسر، وهل تتلقّى الهدايا بعبوس وانزواء؟
افتحوا أبوابكم مشرّعة للأمل، استقبلوا كلَّ الوافدين، ألقوا السلام وتلقّوه، فليس أروع من سلام نتبادله في هذا الوقت العصيب
أسعدوا الأطفال، واشتروا ابتسامتهم بالغالي والنّفيس، لا تبخلوا على بسمة طفل، لا تدفنوها خلف الشفاه، بل استدعوها لحفل بهجة تصنعوه معاً..
دعوهم يفرحوا بانتقاء الثياب بأذواقٍ طفوليّة، أوكلّوا إليهم مهمّة تعليق الزينات.. كي يخبر المكان عن الفرح دون كلام..
وزّعوا الحلوى عليهم والنقود، علموهم معنى البذل، واجعلوهم يقدّموا الصدقات بأيديهم، أخبروهم بأن الله يتقبل صدقاتهم بيده وينميها لهم..
دققوا النظر في أعينهم، ستجدون كلاماً أكبر من أن يقال
اطرقوا أبواب أرحامكم التي لم تعتادوا يوماً أن تطرقوها، فاجئوهم ببسمة ودّ، وهدايا خير، وتكفي في نظرهم الأمنيات المخلصة، تنبع من كلمة.. (كلّ عام وأنتم بخير)..
اجمعوا من حدائق السرور أغلى زهور، ادخلوها على كلّ بيت تزورونه، ولا تنسوا بيوتكم، جملوها بالمودة والأمان.. ولتشرق شمس المحبة كلّ يوم من ذات البيوت..
وارفعوا الأكف لله ضارعين، اشكروه على نعمائه، وعلى عونه بأن سددكم فبلَّغكم رمضان وأعتقكم، ولم يجعلكم في فئاتِ المحرومين..
والدليل وجودكم الآن بيننا، بإشراقة نورٍ، بقلبٍ يخفقُ حبَّاً من جديد..
لا تعتقدوا أنَّ العيد حلوى، وزينة وثوب جميل..
العيد فرح نهديه، وبسماتٌ نزينها بالصدق، ودفء عاطفة يتجدد، وأرواح تتحد، تنطلقُ بفرح إلى الفجر الجديد..

المراجع

عودة و دعوة دوت كوم

التصانيف

أعياد