لم ألتقيهِ منذ سنين، لا أقول إني نسيتُ بعضاً من ملامحهِِ أو لم أعدْ اذكرها ،او اني نسيتُ عادته التي ما أفتك عنها يوماً ما .. وهي حين ينتعل الطرقات ،لتفريغِ شحناتِ غضبهِ ،مؤرجحاً لسلسلةِ مفاتيحهِ ،وحيناً آخر ،محركاً يديهِ ليعيش حلم عازف الاوكيسترا ، وهو يعزفُ الكادينزا (هي مقطع موسيقي ينفرد به العازف من دون مرافقة الفرقة ويظهر فيه كل طاقته الإبداعية ثم تختم الفرقة مع العازف المقطوعة. ) او أنهُ يدندنُ طريقُ النحل ، جاءني بعاداتهِ ، أصبح اكثر نضجاً بتقليمهِ لشاربهِ الغزير ، ووقعَ المشيبُ على مرجِ صدرهِ فترى السوادُ منه نافر ، نالته سُّمْرَة الى شُّهْبَة . وجديدهُ يعتصرُ سيجاره بشفيتهِ نافخاً سُحبها امواجاً لترنيماتهِ الموسيقية .
- انتِ ! ..الإستثنائية . . كما عهدتكِ جميلة ؟
- نعم أنا هي ..
- واصلَ حديثهُ ، مازال يأسرني ذكراكِ ، اخبريني هل تزوجتي ؟
- أتعملين؟
- أتدرسين ؟.
- ها ...( متنهداً ) قولي لي ، اين انت الأن؟
- وما الذي أتى بك الى هنا ؟ ...و ..و ..و
- أتعبتني اسئلتهُ التي لم اجبْ على أي منها ،وعاد ليسال من جديد ،غير منتظراً للاجاباتي الاولى .. وكأنه يلاحقُ الوقت ليعرف هل أنا مازلت وحيدة ؟
- لم تجيبي ؟
- لم تعطيني الوقت الكافي للاجابة ..
- لايهم .. تعالي لنجلس قليلاً ..وقتها اريدُ رداً لكل سؤال ساسالهُ لكِ .
- وبقيت أصيخ السمع لتوقفاتهِ وجزمهِ لموضوعٍ يبديه وينهيهِ لوحده ..
- اجاب ضاحكاً
- هل تشعرين بقلقي ..؟لااعرف ما بي ، حين رايتكِ ، فقدت زمام نفسي .. لا اعرفُ مابي ... ! هل هو الشوق ؟هل هو .؟............... دعكِ ..
لااعرف ... حين سنجلس ..........
- .ولم يكمل حديثه ...فتح باب الكافتريا متنحياً جانبا لأدخل .. لم ينتظرْ النادل ليسحب الكرسي ،بل سحبهُ لي لأجلس
- وتركَ النادل يسحبُ له الكرسي ليجلس هو.
- اول مرة يترك سلسلة مفاتيحهِ على المائدة .
- قال هل مازلت مشدودة الاعصاب مثلي ؟
- مشيراً للنادل دون ان ياخذ رأيي بما سوف اطلبهُ
- فنجانين قهوة .. ملتفتا لي كيف تحبين إرتشافها ..لم ينتظر ردي.. قال للنادل وهو غارقاً بدوامة أجهل كنهها .. لها مضبوطة ولي بحليب .. حاول ان يكون طبيعياً وحريصاً ليتجنب أسئلتي له
- اردف قائلا : كم عمرك الان ؟
- قلت بإستغراب .. هل نسيت ؟
- لاجواب منه ، سوى انه أطال التحديق بي .
- قال بقنوط :وجودك الان معي زال عني جبالاً من الوحدة .. وسأعتبر ان كل ما يحدث في الماضي.
- لاعليك جيرني في صفحاتِ الماضي .. وما الفرق ؟
- الكلام في حالة المضارع فيه الم لي ، إنسي كل الكلام .
- دعيني اشتت الموضوع ، سأنافقك ، صمت للحظات وغير حديثه .. ما زلت تلك المرأة الإستثنائية ، وأسترسل بهمسه قائلا : حين كنت اخلد لنفسي أصفك بالملقن ،الذي يلقن الممثلين في المسرحيات ، ولكن بنظر الجمهور انت شبح ، يختبيء وراء صندوقهِ ، لا وجود لك مع انك روح المسرحية، أو أنت كعمال المطبعة ، طبعوا الاف الكتب دون أن يكتب احد الكتاب إسمائهم في إي إهداء ، هذا قدرك .. لاشيء بنظر الاخرين .
- صدقت ، وكذلك في روح الاشخاص الذين يعبرون على جثتي ينسوني حين تنتهي المسرحية .
- أتريدين ان تكوني تافهة ومشهورة ؟
- لا احتاج للشهرة
- لانك فوق مستوى الاشياء العظيمة
- دعيني أبروز لك الصورة
- أنت فعلا رغم أنف الزمان إمرأة إشتثنائيه ومثالية الى أبعد نقطة في ضمير العالم
- إستثنائية، إستثنائية .. دائماً أُمجد بها من قبل الرجل ولأني أقرأ ما خلف عينيه اهرب، وأترك المكان رغم إني بحاجة لإثبات ذاتي ، بت أكره نفسي ، حين ينطقها أحدهم .. وأنزوي بغرفتي وأُشَرع أبواب دولابي .. انظر لنفسي بالمرآة ،لأرى من أكون ؟ وكيف استثنيت من هذا العالم ؟
هل بأفكاري ؟ .. أو إني لست كبنات جيلي ، متحفظة أحياناً ، التزم بما تعلمته من عائلتي او أن أكون متحضرة وراقية وماذا ؟ ما الذي حصلت عليه ..؟
لاشيء .. | أرسم وجهي بأناملي في المرآة ، وأغلق أبواب دولابي ، لأشطب اخر صورة لي بصفتي الوجه الأخير الذي يحدّق بها ، وأأخذ علكة في فمي ،وأقول حين أمضغها ..ها أنا أحاول مضغ أحلامي ، وحين أنهض في الصباح ،ادخل الحمام لأتغوطها .
هذه أنا.. المرأة الإستثنائية ؟
- ضحك بامتعاض ، قائلا : ان البكاء لدي ، سرُ غنائي
- تواسيني |
- نعم
- ربما نفسي أيضاً ..
- لاني مستمر بالتغوط ، للأسف، الأشياء الجميلة لانحصل عليها ، ألا في ساعات متاخرة من الليل، لنحلم بها ، وحين يغدَف الليلُ ستوره، نصافح أحدنا الآخر ونتوادع .
- وجاءنا النادل بالقهوة التي لم اطلبها.
من المجموعة القصصية – الحب رحيل
بقلم: فاطمة الفلاحي.
المراجع
alantologia.com
التصانيف
الادب الآداب
|