حيدر الحدراوي
وقفت امام المرآة , اروم تصفيف شعري , تناولت المشط , وشرعت اغرسه بين طيات الشعر ,
مبتسما , مفعما بالامل , نشيطا كعادتي كل صباح , وفجأة لاحظت شيئا غريبا , لم الحظه
من قبل , لاحظت وجود شعرات بيض , انتشرت على شعر رأسي , وفي لحيتي , بل وحتى على
شاربي , لقد غزاني الشيب , وتقدم بي العمر , في غفلة من الزمن .
جفلت في مكاني , وسرحت في افكاري , نعم لقد تخرجت من الجامعة منذ زمن بعيد , ولم
احصل على تعيين بعد , فتذكرت ايام طفولتي , اول يوم ذهبت فيه للمدرسة , مرت امامي
على شكل شريط فيديو , كل الاحداث , في كل صف كنت فيه , مدرسة بعد اخرى , الابتدائية
, المتوسطة , الاعدادية , الجامعة , يا لها من سنوات طويلة ! , امضيتها في التعلم
والدراسة , وتذكرت معاناتي في تلك السنوات , الجسدية كالجوع والعطش والتعب والانهاك
والاجهاد , والجوية كالبرد والحر , والنفسية كالخوف من الفشل او الانقطاع عن اكمال
الدراسة بسبب الظروف المعيشية , فيالها من اعوام مرت ! , وتذكرت يوم تخرجي ,
والفرحة التي غمرتني , وغمرت امي وابي , اخي واختي , فغسلت كل المعاناة , وهونتها
عليّ , بل محتها من ذاكرتي , وملئتني املا وثقة بالنفس , وفتحت لي طريق المستقبل .
تنقلت بين دوائر الحكومة , باحثا عن تعيين , فلم احصل على شئ , سوى الوعود ,
والكلمات الفارغة , فأدركت ان لا تعيين بدون واسطة , او مبلغ نقدي ضخم , بالعملة
الصعبة , لا املك هذا ولا ذاك , فقصدت السوق , كي اعمل اجيرا , لدى من لا يعرف
القراءة والكتابة , فأحتمل المنغصات , من اجل مبلغ زهيد , بالكاد يسد الرمق .
اجلس ساعات طويلة امام التفاز , اراقب كل ما هب ودب , تصريحات , وعود , خطب رنانة ,
لعلي احصل على كلمة تعيين , من مسئول ما , فأهب اجمع اوراقي , وانطلق حيث وجد ,
واعود خائبا , ككل مرة .
استمر هذا الحال , حتى هجم عليّ الشيب , فتذكرت كلاما لاحد الحكماء , افلاطون في
جمهوريته (( الجمهورية التي لا تحترم مثقفيها , اقرأ عليها السلام )) .