تهالكت الأقدام رديئة الوزن تهضّ صمت الرّخام الحزين. والمعزّون، على أوْجعٍ من الفاجعة، يتبعثرون وقوفا جهما في انتظار أن يخرج صاحب الدّار، كان أُدخل غرفة أخليت من أثاثها الوثير يغتسل من بهجة الحياة ويلبس بياض الرّحيل المتداول.
كان ممشى الحديقة المنزليّة ممرّا طويلا مسقوفا بشبك الشّجر وأفياح الزّهور، يفرشه الخريف أوراقا صفراء تهسهس تحت الأقدام، وتتهشّم من جفاف وذبول موقِّعة هَمْل مدامع الحزانى والحزينات.
خبط عبد الكريم الأرض بقدميه. كان يسند عماه إلى كتفها بيد، ويمسك بالأخرى مِقْبَضًا مُعقّفا لقضيب معدنيّ صدئ يلزم سيره أنّى حلّ. يخربش به الأرض يمنة ويسرة فيقرأ مهاوي الطّريق التي يسلك، أو يلوّح به الفضاءَ الكفيف فيزجر مشاغبيه من المارّة.
مشت رفيقة إلى جانبه عُودا أخفج ناحلا، يكسره ثقل الحِمْل عند أعلى العجيزة، وتغمره فضفضة فستان طويل تهدّلت حواشيه السّفلى خِرقا متّسخة. كانت تجرّ نفسها مثقلٌ ظهرُها بما تحتقب، وتقبض بيديها على طرف كيس الخَيْش البنيّ يمتلئ حتّى بطنه صدقات منتبهة لسيره الأهوج أن يعثر فيزلق ويقع.
أوْفض الممشى بِنُوَاح الحديقة إلى ناصية الشّارع الأنيق فأخذت أجزال الرّهبة تتلاشى، وتمتزج بالأغاني الصّاخبة تقْدم من جوانبه، فتنسحب طريق مهّدت للرّوح الصّاغرة على عتبة الفناء معابر النّدم نحو الآخرة، لتُفسح في النّفوس لأنغام الحياة ترقّص الغرائز في بطحاء العشق على أحرف الغزل اللاّهبة.
أغرت الألحانُ المتضاربة رفيقة أن تتدارك رمق الوهيج الباقي على تقاسيمها المُذْواة تأخذ بالخبْو يوما فآخر. تخلّل فرح اعتزال التّسوّل قتَرة وجهها ،وأومض على زغب الشّيب يتسلّل من تحت الورود الكبيرة تتفتّح على البياض المعتكر من غطاء الرّأس. لم يكن التّسوّل مهنة سهلة، كان الأقلّ وهْما من حرفة البغاء المحترف تغدق عليها الحبّ والشّبع، ثمّ ترْكنها العتَمَةَ مع شروق التّجاعيد على وجهها.


المراجع

alnoor.se

التصانيف

أدب  مجتمع