العريف عمر يموت مرتين
قراءة في النهاية المأساوية لأبطال حربَيْ 67 م / 73 م
في القصص العربي المعاصر
يحيى بشير حاج يحيى
yahyahaj@hotmail.com
يُعدّ هذا النوع من القصص من أدب
الحرب ، و هو : الأدب الذي يقدم رؤية حضارية تاريخية تقوم على استبصار الآليات
الاجتماعية و الفكرية المحركة للحرب أو الناجمة عنها في تشكيل جمالي واع عميق [
دورية التوباد - العدد 21 - 1409هـ ] تمثلها قصة [ العريف عمر ] المجند السوري
الذي مات مرتين !
مرة حينما تُرك هو و أمثاله في
المعركة مع اليهود 1967 و ولى أصحاب النفوذ ليتسلموا المناصب و النياشين ، و أخرى
حين رجع ، ليجد المجتمع لم يستفد من نصر و لم يعتبر من هزيمة ؟!
و قد أفاق من غشيته و هو في الخندق
بعد خمس سنوات ليجد نفسه في مكانه ، و قد تغير الزمان و الناس ، فيصطدم بالواقع
الذي تغير بعد النكبة إلى الأسوأ ، و قد سبب له ذلك فجيعة في تصوراته و آماله ، فلم
يستطع التوافق مع المجتمع الذي اتهمه بالجنون و المسكنة ، لأنه ما زال يفكر بعقلية
المقاتل ! فقرر أن يعود إلى حفرته في الخندق ليموت من جديد
!
كتبت هذه القصة عام 1972 م ، و لم
تنشر إلا عام 2011 م و المتتبع لما كتب عن حربي حزيران 1967 و تشرين 1973 ، يجد
تشابها كبيرا في نهايات أبطالها ، و في نقطة [العودة إلى الحياة] و المفاجأة التي
تصدم العائد ، و قد تغيرت مظاهر الحياة .
كانت قصة [ العريف عمر ] لإبراهيم
عاصي أسبق القصص في هذا المجال ، فهي تقترب في بعض خيوطها مع ما كتبه آخرون دون أن
يطلعوا عليها ، و دون أن يطلع هو على ما كتبوا !
فأين تلتقي هذه القصص مع [ العريف عمر
] و أين تفترق ؟
في قصة [ رمضان حبيبي] لنجبيب
الكيلاني ، تتشابه معاناة البطلين عمر في [العريف عمر] و أحمد في [رمضان حبيبي]
فأحمد المجند المصري الجامعي ، اعتقل أبوه لأنه من الدعاة و كان عليه أن يوفق بين
الدفاع عن الوطن و بين حقه في الوطن ؟! و قد فعل ذلك و اجتاز خط بارليف ، و أحس أن
الوطن عوضه بالنصر الذي تحقق ، مما حرمه منه ، خلال اعتقال أبيه و غيابه و اضطراره
لأن يكون معيلا للأسرة و قد سبب له ذلك مشكلات كثيرة ، استطاع أن يتغلب عليها واحدة
بعد أخرى
و أما رواية [عمر يظهر في القدس]
للكيلاني أيضا ، ط 2-1980م فيتشابه فيها العمران [العريف و الخليفة]في أن كلا منهما
يعود إلى الدنيا بشكل مفاجئ ، و يدهش من مظاهر التغيير التي حدثت ، و يتألم للواقع
السيء الذي يعيشه الناس ، و لكن عمر الخليفة يشخص الأدواء و يعطي حلولا لها ، بينما
العريف عمر لم يدر ماذا يفعل و هو يواجه التغييرات ، و كان كلا الكاتبين [العاصي و
الكيلاني] موفقا في رسم الشخصية الرئيسة في قصته من خلال ثقافتها و دورها في
المجتمع ، و قد استدعاها لتكون شاهدا على العصر الذي أراد تصوير أحواله
!
و أما [محمود المسعود] في قصة [صخرة
الجولان] لعلي عقلة عرسان ، ط 2 - 1978 م ، فهو مواطن بسيط من حوران ، مضيق عليه في
العيش ، لم ينصفه مجتمعه فغادر إلى الكويت للعمل ، ثم عاد ليكون مجندا في الخطوط
الأمامية لمواجهة العدو الصهيوني في حرب 1973م ، لتعود مأساة أسرته من جديد بغيابه
عنها ، و يكبر همه عندما يتذكر الذين بقوا مع أولادهم من رسميين و عاديين ، و لم
يخطر لهم ببال أن يقوموا بما يترتب عليهم تجاه أسرته ، و هو يخوض المعارك دفاعا عن
الوطن الذي يتمتعون بخيراته .. و تكبر محنته عندماوقع أسيرا بعدما بترت رجله ،
فيصمد في وجه المحقق اليهودي و يحافظ على أسرار وطنه كما حافظ على ترابه ! و ييئس
أهله من رجوعه ، و يستغل الآخرون غيبته ، و كأنه - وحده - المطلوب منه أن يدافع عن
الوطن و هو الأب الغائب و العامل المغترب ، و المواطن الذي لم يجد في ربوع وطنه
عملا ، و الفقير الذي يستغله الآخرون عاملا و مجندا ، سابقا و لاحقا ؟!
و مما يلاحظه القارئ أن أبطال هذه
القصص سواء منهم الذي بعثوا إلى الحياة ، و وجدوا أنفسهم في ظروف جديدة لم يستطيعوا
قبولها أو التعايش معها ، أم الذين قدر لهم أن يخوضوا المعارك و يقدموا كل ما
يملكون في خدمة أوطانهم ، يفاجؤون بالنكران و التجهم ، و بأن غيرهم يحصد ثمرة
صمودهم و تضحياتهم .. و هي شخصيات مظلومة ؛ شأنها شأن كل الصادقين في مجتمعات تضيع
فيها الحقوق ، و يُـطمس على جهود الطيبين.