حيدر الحدراوي
ذاع صيت الشاعرة ام علوان في كثير من المدن والقرى , وتناقل الاطفال كثيرا من ابياتها , بل وحتى الرجال تناقلوا الكثير من تلك الابيات في مجالسهم وحتى في المقاهي , مما جعلها هدفا لأزلام البعث , ففي كل مناسبة من مناسباتهم , يقصدون بيتها , بغية ان تكتب لهم شيئا عن تلك المناسبة , وكانوا يفضلون ان تحضر شخصيا لالقاء تلك الابيات في محافلهم , لكن ام علوان كانت ترفض الحضور او حتى ان تكتب لهم شيئا ,
فتتحجج بالمرض والتعب وغير ذلك من الاعذار , مما يضطرها ان تختفي عند اقتراب أي مناسبة بعثية .
ذات يوم , وعند اقتراب مناسبة بعثية سيئة الصيت , قصدت مفرزة مكونة من خمسة بعثيين منزل الشاعرة ام علوان , فطرقوا الباب , فتح الباب ابنها الصغير , واخبرهم بأن امه قد ذهبت بصحبة قطيع الاغنام الى الصحراء , وانها لن تعود حتى حلول الليل .
وفي يوم اخر , بينما كان ابو علوان في البيت مع اطفاله , وقد حلّ وقت الغداء , فحاول تسخين الطعام الذي قد طبخته ام علوان مسبقا , فلم يتمكن من ذلك بيسر , واكتفى اطفاله بمراقبته والضحك عليه , في اثناء ذلك , ضجّ عدد من الاطفال في الشارع يهتفون (( هاي الشاعرة ام علوان ... راحت تسرح بالطليان )) , فأدرك ابو علوان ان المفرزة البعثية قد وصلت , وانهم سوف يطرقون الباب , وكذلك فعلوا , فخرج ابنه ذو
التسع سنوات .
البعثي : وين ابوك ؟
الولد : ما موجود .
البعثي : وين راح ؟ .
الولد : مدري .. بس شتريدون منه ؟.
البعثي : نريده يلتحق بجيش القدس ... حتى يحرر القدس .
الولد ( ضاحكا ) : هو ابوي ما يعرف يحرر المركه ! ..... تريدونه يحرر القدس ! .
***************
ادركت ام علوان ان البعثيين سوف لن يتركوهم في حال سبيلهم , ما لم تقوم بأنشاد بعض الابيات تتغنى في حب البعث ومناسباته , فعزمت على بيع بيتها واغنامها وتنتقل للعيش في مدينة كبيرة , فتختفي بين سكانها .
وهكذا كان , فانتقلت ام علوان وعائلتها للعيش في احدى المدن الكبيرة , والبعيدة عن منزلها السابق , بعد ان باعت كل املاكها ومقتنياتها , وغيرت اسمها وكنيتها , و تركت ابياتها ( قصائدها ) .
فعانت من شظف العيش , فلم يكن ابو علوان يجيد أي عمل غير تربية الماشية , واكتفى بالعمل كعامل بناء رغم تقدمه في السن , وبدورها ام علوان لم تكن قد تعلمت حرفة تعين عائلتها غير تلك الابيات التي تنشدها في المناسبات ( اعراس – مآتم ) فتجني بعضا من المال , ما يكفي لسد الرمق , اما الان اكتفت بالجلوس في المنزل .
ذات مساء , بينما كانت ام علوان تعد وجبة العشاء , سمعت صوت طفلة في الشارع , تترنم (( هاي الشاعرة ام علوان ... راحت تسرح بالطليان )) , ففتحت نافذة المطبخ لتشاهد تلك الطفلة , فوجدتها تجلس على الرصيف تنتظر عودة والدها من معسكر جيش القدس , فقالت لها :
- لا تقولي هكذا , بل قولي
(هاي الشاعرة ام علوان كام اتقلي بيذنجان
عكب الخير ذاك الجـان مغطي علينه والجيران)