زهرة بو ظريف ، ولدت المناضلة الجزائرية في سنة 1934م بمدينة تيسمسيلت ، وترجع جذور عائلتها إلى الأدارسة الذين تولوا الحكم في المغرب الأقصى لقرون طويلة ، بالإضافة إلى انتساب عائلتها للنبي الكريم محمد صل الله عليه وسلم ، وكان جدها يعمل إمامًا في زاوية سيدي عباس بن عمار ، بينما درس والدها وتخرج من كلية الآداب بجامعة الجزائر ، حيث تعلم القانون الإسلامي وعمل فيما بعد قاضيًا في ولاية تيارت .

عاشت زهرة في جو عائلي كان مليئاً السلام والعزة والكبرياء ، فقد زرعت الأسرة في أطفال العائلة حب الأصل وتعزيز الانتماء ، فكثيرًا ما تعلم وتربى صغار عائلتها احترام أصول العائلة وجذورهم العميقة التي تضرب في أرض الجزائر ، فقد عززت عائلة والدها احترام انتمائهم لنسل رسول الله الكريم  وحبهم له، بينما ركزت عائلة والدتها على الانتماء لأجدادهم من المرابطين ، الذين ترجع أصولهم إلى الساقية الحمراء .

وهكذا كانت النشأة والتربية من الأساس هي العامل الأكثر تأثيرًا في حياة المناضلة زهرة ، ولطالما كان أجدادها من الناشطين لفترات طويلة على المستويات الفكرية ، والاجتماعية ، وعملوا طويلاً من أجل الجزائر .

نقطة التحول .. والنضال كان لزهرة بوظريف في المرحلة الابتدائية ، زميلة فرنسية تسمى روزلين غارسيا ، كانت تجلس إلى جوارها باستمرار ، وعندما ظهرت نتائج الاختبارات النهائية ، التي تنقل الأطفال في تلك المرحلة من الابتدائية إلى الإعدادية ، رسبت روزلين فيما نجحت زهرة بتفوق كبير .أمر حدث مع أناس كثر ، ولكنه لم يمر مرور الكرام هكذا مع زهرة ، وكان هو الحدث الأكثر تمركزاً وتأثيرًا في حياة المناضلة الجزائرية ، فقد غضبت زميلتها الفرنسية بشكلٍ كبير  ، ولكن ليس لرسوبها بالاختبارات النهائية ، ولكن لأن زهرة قد تفوقت عليها وهي ليست فرنسية مثلها بل هي عربية جزائرية. بعد ذلك الحدث فكرت زهرة جيداً في ردة فعل صديقتها روزلين ، والذي لم تكن زهرة تتوقعه ، حيث روت ظريف في إحدى اللقاءات الشخصية أنها في هذا الوقت قد تأكدت بأنها مهما فعلت أو حققت من نجاح ، فهي لن تصبح في نظر الفرنسيين فرنسية مثلهم أبدًا أو واحدة منهم .

وما كان من زهرة في هذا اللحظة غير أن تحاول من رفع معنويات صديقتها الفرنسية ، فقالت لها ألا تخشى اخبار والدتها بنتيجة الاختبار ، وأن تبلغها بأن العرب هم من اكتشفوا الرياضيات والحساب ، ولذلك نجحت زهرة ورسبت روزلين في الاختبارات .

بدأت زهرة بشكل تدريجي في القراءة بتاريخ بلدها ، لتكتشف الكثير من الحقائق التي لم تكن تعلمها لفترة طويلة ، حيث اكتشفت زهرة أنها لم تكن جزائرية في بلدها ، كما لم تكن فرنسية كذلك ، فقد رأت في نفسها فرنسية مسلمة لا ترقى لدرجة الفرنسيين في بلدها ، بالإضافة إلى أن الأوضاع السيئة التي عاشها الجزائريون في بلدهم تحت الاحتلال الفرنسي

.وما كان يفعله الفرنسيون في حق الجزائريين من أساليب وحشية وهمجية في التعامل السيء،  وكانت أعداد الفرنسيين في منتصف الخمسينات من القرن المنصرم قد وصل حوالي اثنان ونصف المليون فرنسي ، كانوا يعيشون جميعهم في الجزائر داخل أحيائها الراقية ومناطقها الأكثر أمنًا ، بينما يعاني الجزائريون من وحشيتهم في الأرياف والقرى ، فساعدت تلك العوامل جميعها على اشتعال بوادر الثورة بداخلهم جميعًا في سن صغيرة.

درست زهرة بو ظريف في ثانوبة البنات ، قبل أن تنشب الثورة الجزائرية وكانت رفيقة للمناضلة الكبيرة جميلة بوحيرد ، وكانت إمكانيات المقاومة الجزائرية في هذا الوقت شبه منعدمة وضئيلة جاً ، الأمر الذي دفع الثوار للتفكير في بدائل استراتيجية تؤمن لهم العمل الثوري داخل المدن تحديدًا ، خاصة بالأحياء التي يسكن بها الفرنسيون .وانضمت بو ظريف إلى صفوف جبهة التحرير الوطني ، عند نشوب الثورة الجزائرية ، فكانت قد التحقت بقسم المظاهرات الجزائرية ، ثم وقع عليها الاختيار ضمن مجموعة من الفتيات الأخريات ، وكانت تتلخص مهامهن في تنفيذ عمليات وضع قنابل في الأماكن التي يرتادها الفرنسيون بالأحياء الأوروبية التي يسكنونها في العاصمة الجزائرية .

وكان هذا الاختيار لهن يرجع بالتحديد لامتلاكهن ملامح أوربية ، سهلت لها ولرفيقاتها سهولة كبيرة في الولوج إلى تلك الأحياء دون لفت الأنظار إليهن ، حيث كن يُماثلنّ الأوروبيات في الملامح وطريقة اللباس ، وكانت الفتيات هن من طلبن ذلك من المسئولين عن جبهة التحرير وهو ما تم قبوله وتنفيذه بالفعل .وكانت بوظريف هي أول امرأة تعمل وتشارك في زرع القنابل ضد الاستعمار الفرنسي ، كما كانت من ضمن النساء اللاتي ساهمن في رسم الخطط وتطبيقها ، حتى تولت قيادة جمعية النساء الجزائريات ضد الاحتلال الفرنسي .

وتم القبض على بوظريف في منطقة حي القصبة ، وذلك بعد نسف قوات الاحتلال للمقر الخاص بالمقاومة وكان عبارة عن منزلاً ، تلجأ إليه بوظريف مع مجموعة من المجاهدين الآخرين ، منهم حسيبة بن بوعلي وعمر الصغير وعلي لابوانت ، وتم إلقاء القبض على زهرة برفقة المجاهد ياسف سعدي وذلك في أيلول الموافق لعام 1957م ،وقام الجيش الفرنسي بإعلان أسماء من تم القبض عليهم وتمت محاكمتهم ، ثم أطلق سراح بوظريف في الخماس من تموز عام 1962م .


المراجع

qssas.com

التصانيف

جزائريون   التاريخ   المرأة العربية في القيادة   الجزائر