المثقف - نصوص أدبية
أمّي
يامصر
اسمُها أمّ كلثوم
وأصلها أندلسي...
غرناطيّه
موريسكيّه
حرّموا عليها أن تكون
فأبت إلا أن تقول
" لا " أبدا لن أخون
خطى المهاجرالرسول
الإنس والجن وكل الكائنات شهود
سأخلع عني معطف الليل
ولن أترك الظلام يطول...
سجنوها
عذبوها
قتلوها
شرّدوها
طردوها
عابوا عليها أن تكونْ
ذات فؤاد ودين ولسان ووجود
عابوا عليها أن تدوم
أن ترى وجهها في مرآة الخلود
بعيون الحرية والحياة...
مصر ... يامصر!
حبّذا لو بلغكِ هذا الصوت المسكين ،
هذا الحبر المهين!
هل تصدّقينني إن همستُ
بهذا السرّ الالهي المبين...؟
أمّي، ما من أحد يعرف مثلها
كم من نار ودم ودمعة وعرق عليكِ
كم من ماءٍ وبرعومة وبسمة وظل من يديكِ
كم من أنوثةٍ وطفل وغد في عينيكِ...
ستزهر الآمال والأحلام على ضفاف شفتيْكِ!
لا يعرف أحدٌ مثلها
معنى أن تكوني مُهانةً مظلومه ...
حين انتفضتِ
يامصر
في وجه الليل الطويل الطويل
وقلتِ " لا، لا "
عن وعي ويقينٍ
ساعة الفجرِ
زغردت أمّي في قلبي
بالطلوع، بالشعب...
فأشرقت روحي
أنا العربي المتدثر بالنوم في الظلام
بنور الجرأه
بصوت الثوره
بأمومة الأحرار...
أمّي
يامصر
رأيتُها
على سُلّم منزلنا
تتطلع نحو الأفقِ
وتستعدّ لرفع صوتها...
رأيتُها
تقف على أصابع رجلها
تضع يدها على فمها
تشرئبّ بحَلقِها
وترمي بألفٍ من الزغاريد في الهواء
كأنما تتحدى في تسلّ متكبر عنيف
تعنّت الخواء
وخوَر الغباء...
رأيتُها
مبتهجه
بظهور الهلال
منشرحه
بحلول العيد في فصل الربيع
هي زقزقةُ ملايين الخُطّاف
هي جنون النحل بالرحيق
هي هذيلُ الحمام فوق الأغصان
هي مناجاة البلابل في للورود
هي خروج النيل من سريره...
أمّي
يامصر
سمعتُ السطوحَ تردّ عليها بالبشاراتْ
والمآذنَ بالتكبيرْ
سمعتُ مواكبَ الطبول والغيطانْ
ترسل إليها التهاني والتحيات
يتقدّمها النفيرُ
يتصدّرها الصفيرُ
يتخللها التصفيقُ
والرقص والتحليقْ...
ما مرّت ثانيةٌ، وبابها ليس عليه زحام
كل الجيران يريدون الدخول
وحتى المجهولين والغرباء
قد وفدوا من كل مكان...
حين انتفضتِ
يامصر
وقلتِ " لا، لا "
عن وعي ويقينٍ
ساعة الفجرِ
رأيتُني
بعد تغريدة أمّي
أجري في الحاره
مع الصغار
نقهقه
نكركر
نتسابق ونصيح :
من يصل الأوّل ... من يصل؟
من يعبُر على السور؟
من يرسي قدميْه
في جنان العسّاس " البَرْبروس "؟
من يتسلق الشجره
من يقطف التفاح؟
من يكون الأول... من يكون؟
هذا الفارس
هذا العصفور؟
حين انتفضتِ
يامصر
وقلتِ " لا، لا"
عن وعي ويقينٍ
ساعة الفجرِ
نظرتُ إلى السماءِ
فرأيتها جميلةً مضيئه...
سألتُكِ يامصر
عن سرّ هذا السناء
عن لغز هذا البهاء...
فجاءني من أبناءكِ
الشيب والشبان
إيمانٌ وغليان
هذيرٌ ونفيرٌ
وزفير كثير:
" أنظروا إليها هذه النجوم
وهذه الأقمار والشموس...
إرادتها في التألق جمعاء،
حلة زفاف خافق بالأفراح...".
يامصر
مصريّةُ أمّي ربيعٌ وعنفوانْ
أبديّانْ
وأنا في ذاكرتي
قابعٌ إلهٌ رقيبْ
لا غفلةٌ ولا نسيانْ
يامصر
أمّي أنتِ
سلام عليكما في العالمين
أنا ابنكما
البارٌ المخلص لكما
نحن أسره
ضد كل ظلمة ومحنه
نحن ثوره... وأي ثوره!