الليل إنجيلٌ قديم والأحبّةُ قد نسوكْ !
وأنا وحيد ٌفوق أبراج ِالكآبة ِكالملوك ْ!
أشتقّ ُأيامي من المبكى البعيد ِ
لوحشة ِالدنيا
وأرتاد ُالتأمّلَ في مجاهلها العميقةِ
مثل قديس ٍكئيب ْ!
فيجيش ُفي صدري المعذّب ِ
ذلك ( الشيءُ الحزينُ )
مدوّماً في سكرة ِالروح ِاليتيمة كالنعيبْ !
لكأنّ َهذي الأرض من حولي
طواح ٌضائعُ الأصداء ِ
يدمي بالبكاء ِالمرّ جمّارَ الغريب ْ!
وكأنّ هذا الليل منفاي َالكبيرُ
أهيم ُكالمشبوح ِفي بيداء َموحشةٍ
وأصرخ ُيا مغنّي الليل
أنشدني من الأشعار ِأشجاها
وخلّفني هناك وراء َأوجاع ِالأغاني !
أنتَ اندلاع ُالنار في جسد ِالبكاء
وأنت َمن بخمور ِوحشته ِرواني !
في أيّ موحشة ٍمن الأيامِ
يتركني الحدادُ
فلا أراك َولا تراني ؟!
فارأف ْبما في الروحِ من ألمٍ وحزنٍ
يا مغنّي الليل ِواكسرني
ولا تكسرْ كماني
لأعدّ من شؤمي أشقّاءً لأحزاني
ونغرق في الكآبة والوجيب .
فأنا وحيد ٌفوق أبراج ِالخليقة كالغريب ْ!
* * *
أبكي وحيد َ الروح ِفي مستوحشي العالي
وأصغي مثل قدّيس ٍإلى صمتِ العشيّات
الذي يلتفّ ُكالأعمى بشهقة ِروحه
ويغور ُفي بئر الشقاء ْ!
الذاهبونَ إلى شمال ِالأرض ِ
ما التفتوا إلى حزني البعيدِ
ولا رأوا أشجانَ روحيَ في سماواتِ البكاءْ !
لم يسموا
غيرَ انتحاب ٍماطر ٍفي الريحِ
يلطمُ صوتُه البدويّ أجراسَ الغبار ْ .
والحزنُ كالأمطارِ
تقطرهُ من الأهدابِ أفئدةُ الرثاءِ المرِ
في قاع ِالصدى والانتحارْ !
لم يلمحوا كبدَ الخليقة
كيف ينحت ُمن أنينِ الكونِ
أصناماً لعزلته
ويتركها تشيخ ُعلى جذوع ِالإنتظار ْ.
أو مغرب الشمس القتيل
يغوصُ كالمذبوح في دمهِ
ويعلوه هلال الاحتضار !
لم يسمعوا الناياتِ ناحبةًً
تقطّع ُيأسها المشلول َ
والأحزانُ تطعن ُفي سويداء ِالمغيب ْ!
وأنا الذي ضرّجتُ صدرَ الأرضِ بالأشعار
لم تنصتْ إلى شجني ،
ولا رفعتْ على متعزّلي
ذيالك َالقمر الحبيبْ .
فجلست أبكي فوقَ أطلال ِ الخليقة كالغريب ْ!
* * *
مستوحشا كالنسر فوق أديمه المهجور
أصغي لاحتضار الأرض في أغوارها الشحاء
غير الغيم لم يعبر على يأسي
ولم تأنس إليّ سوى الصحارى والبحار .
* * *
لا ريح تضرمني بشهوتها
إذا مرّ الهبوب على مرافىء حزني الظمآن
لا ذؤبان تتركني حزينا في شعاب الليل
أحرث كالطريد الكهل ديجور القفار ْ !
* * *
لكأنني صنم ليأس الليل
نصّبني حدادي في الحياة على الخرائب
شاخصا في ظلمة النسيان
والأمس الذي شاخت ذوائبه
وغار إلى القرار !
* * *
مستسلما للغيم كالصفصافة الثكلى
يأوّهني هديل الناي كالحسرات
والآهات تذروني كأصداء النياحة
في أعالي السنديان .
* * *
تتصايح الغربان حول مبيتي النائي
وتهدل شجرة اللبلاب في حزن بشباكي
ويبكي الخيزران .
* * *
لا شيء في متعبّدي الخالي
سوى ندمي – رفيق الانتظار المرّ –
والمحدودب الباكي على ليلي
وراثي وحشة الأيام في هذا الزمان !
* * *
فكأنني منفى تساكنه الربابة والسآمة والكمان !
* * *
وهناك حيث الليل ابن للبكاء الطلق
كان الراهب الأبدي للأحزان منفردا
يجالس حزنه المهجور
وهو يبحر كالسفينة في( بحيرات النحيب )
* * *
والناي تغرقُ في النياحة ِ
والكمنجةُ لا تكلُّ من الوجيب !
* * *
وأنا حزين كالمؤذّن في سماوات المغيب !