(قصيدة في مقاطع)

 

حسن الأمراني

elmranih@yahoo.fr

أشجان العامرية

أجهشتُ للتوبادِ،

ثمّ بكيتُ أهلُ العشق،

فالتفتَ العراقْ:

أدعوتني؟

أدعوتَ أوردةً

يُقَطّعها الفراقْ؟

ودماً يسيلُ منَ الوريدِ إلى الوريدِ

ودمعةً حرّى ..إذا سكتتْ يُهيّجُها اشتياقْ

أنا ما سلوتُ،

وكيفَ يسْلو من على شفتيهِ..

كأس النّور عتّقها حديثُ الروحِ؟

هلْ يسلو الذي مرّتْ على شفتيهِ..كأسٌ فارتوى

ومن اكتوى

عطفاهُ من ياقوتها الوهّاجِ؟

زفرةُ دجلةَ الخيرِ المؤثّلِ..

زفرةُ ظامئ في القفر تائهْ

وأنينهُ من حزنه وأنينِ مائهْ

ومواكبُ الشهداءِ..

زوّدني شذاها المشتهى طيبَ العناقْ.

ما زال بي ظمأُ الحسينِ،

وصوتُ زينبَ

طعنةٌ نجلاءُ،

تهتفُ بي :عراقْ

الريحُ تهتفُ بي :عراقْ

والبحر يهتفُ بي: عراقْ

والذبح يجأر:ياعراقُ

عراقُ، ليس سوى عراقْ

ما زال سيف يزيدَ يغتالُ الأحبّةَ والرفاقْ

وأرى الأقاربَ يزعُمونَ بأنّهمْ

من طعنةِ الجيش المغير لك الفدى

حتى إذا اشتبكت سيوفٌ

أسلموكَ إلى العدى

أواه.. لا كانوا ولا كان الفدى

عجباً، أيكذبُ أهله من كان رائده الأمينْ؟

إني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنونْ

إني لأعجب كيف بمكن أن يخون فتى بلادهْ

أيخونُ من كان الجهادُ له قلاده؟

نادوك:ليلى في العراقِ مريضةٌ

فمن المداوي؟من يُضَمّدُ جُرحَها المنسيّ

في ليل الحزانى البائسين

الضارعين إلى السماءْ؟

ليلى، فديتك، لا تضنّي باللقاءْ

لو جئتِ في البلدِ الغريبِ إليّ ما كمل اللقاءْ

الملتقى بكِ والعراقُ على يديّ هو اللقاء

أجهشتُ للتوباد حين رأيته

وبكى..

وكبر إذ رآني،

فاستبدّ بي الحنينْ

وبكيتُ عهد الراحلينْ

الراحلون همُ فقد قدروا

على ألا نفارقهم وألا نستكينْ

العامريةُ ليس تغفرُ ما جنت كفّاك يا شرّ الجناة

يا من سرقت من الأجنّة في البطونِ..

صدى الحياة

وُئدَ الربيعُ، وغاضت الأرحامُ، واختنق النسيمُ

واعْشَوْشَبَ الألمُ الممضّ بصدر كل الأمهات،

وأنّت الريح العقيمُ

بغداد

نيرونُ أشعلَ في أحشائها اللهبا

كأنّها لم تكن أمّاً له وأبا

كأنها لم تُكحلْ من محاسنها

جفنيهِ أو من سناها الحرّ ما شربا

كأن أيّامها الخضراء ما دفعتْ

عن حوضه الظمأ القتّالَ والسّغبا

كأنّ دجلةَ ما روّاه من لبنٍ

فما اشتكى من أذاه المرّ، أو نضبا

إرث الرشيد على كفيه ..جلّله

فوت الليالي، فما أغضى ولا حجبا

وكيف يُحْجب مجدٌ كانَ رائده

إلى المكارم وحيٌ، جلّ من وهبا

كم من دمٍ سربٍ دفعاً لمغتصبٍ

قد صار كأس رضا بالحق منسكبا

فما لمن يدّعي صوناً لأمّته

يمشي على جثة الشعب الذي غضبا؟

جوعانُ يأكل من بستانِ ناصره

وليس يسقيه إلا الأين والتعبا

يا أمّتي، ولكم مجّدتِ طاغيةً

وكم رفعتِ لهُ، من غفلةٍ، نُصُبا

وكم يُطارَدُ حرّ دونما حرجٍ

كأنّما تحذرين السلّ والجربا

إلى متى يستطيل الليلُ؟ لا تهني

إن طال كربٌ،أليس الصبح مقتربا؟

لا تحزني يا بلادي، كل طاغية

على ثراك يرى الإذلال والنصبا

الأعظمية

من أين يأتي إليكَ السعد والرشدُ

وللخيانة من بحر الهوى مددُ؟

أبا حنيفةَ، أرضُ التيه مُشرعةٌ

فليس ينفع لا مالٌ ولا ولدُ

تظلّ قبّتك الخضراء نازفةً

والأعظمية في أحشائها الكمدُ

هذي سيوف بني العبّاس مغمدة

فليس تغضب لا (كلب) ولا (أسد)

وتلك راياتها أضحتْ منكّسةً

لا صافنات لها، والكفّ ترتعدُ

أغفى الأعاريب،صار النفط كأس هوى

على الشفاه،عُرى أثباجها ميدُ

ما بالُ قومي وصوت الموتِ يُلْجمُهُمْ

لا يدفعون، أما للنازحين يدُ؟

يا حاميَ الظّعن، فوق الرمح متكئا

من للظعائن والفرسان قد رقدوا؟

فلست تبصر لا كفّاً يلوذ بها

سيفٌ، ولا حربةٌ يزهو بها عضدُ

المربد

شعراء النقائض يزدحمون على العتبات

ويستبقون لتقبيل كف الزعيم

فهذا الكسيح

وهذا الجريح

وهذا الفرزدق يهجو جريرا

وهذا البعيث

يراغم عبد المسيح

هيئوا عند باب الأمير حناجركم

فعلى قدر أصواتكم، أيها الأجراء، تكون الصلات

الكوفة

في الليل، والنجم الكئيب ملوّحٌ

من خلف شرفته الحزينه

والسهد،والدم، والضغينه

تغتال أحلام السكينه

هجر الربوعا

ترك السَّكونَ وحضرموتَ وكندةَ العطشى

ووالدةً رعته، والسبيعا ..

لبس الأماني البيضَ بُرداً...

وانتضى سيف النبوءة،

كان يشحذه على حجر القصيده

والليل مركبه البهيّ،

يحزّ من شغف وريده

ودمُ الحسين سراجهُ الوهاجُ يسري

طيفُ خولة زاده الموعودُ في العُصُر البعيده

لو لم تكوني بنتَ أكرمِ والدٍ..أماه،

كنتُ أنا رداءَك.. تاجَ مفرقِك المعطر،

في ليالينا الشريده

رحلَ ابن عمّارٍ إلى أطماعه الصغرى

وبيداءُ السماوة ليلها قصفٌ،وإرعادٌ، فما ترك الغزاةُ؟

من بعدما قطعوا على الفجر الطريقَ،

وغوروا الآبار، واغتصبوا النجومَ،

فليلُ بغدادَ الحزينةِ مُدْيَةٌ لمعتْ وشاةُ..

كم من شبيبٍ راح يعبث في الحمى..

والروم من أمَمٍ ومن خلْفٍ،

وسيفُ المجدِ مغلولٌ بما صنع الرعاةُ

يا صخرة الوادي إذا ما زوحمتْ

هل كنتَ سيفَ السيفِ ؟

أم كان القصيدةَ ذلك السيف النزاري

ذلك المهر الذي وسم البراري؟

يا قلب لا تحزنْ ،

ولا ترتبْ إذا خانتْ أسنّتك القناةُ

واصدع بوثبتك التي صدعت تلابيب السكون:

قد ينبتُ المرعى على دِمَنِ الثرى

ويسيل هذا الربع في ليل الخديعة بالدماء

قد تجأر الأرض البريئة بالجنون

لكنكم لن تشهدوا طفلا يمدّ يديه إذلالا

ولا امرأة تسارع في الولاء.

لا يأسَ إلا من ظلام اليأسِ:

متْ يا موتُ، وارحلْ يا رحيلْ

من يأسنا من يأسنا الدمويّ

نفتح شرفة الحلم الجميلْ

ما بعد هذا الليل إلا الفجرُ يصدحُ في سمائكَ يا عراقْ

أولم أقل لكمُ وقد سالت شعابُ الحيّ بالدم:أيها المستضعفون

شدوا الوثاقْ

شدوا الوثاقْ

من طنجة العطشى إلى أرض العراقْ؟

الموصل

يطلّ علينا من الموصلِ

بهيا كترنيمة البلبل

يجيء إلينا

نديا كتسبيحة الجدول

تمرّ علينا سنابله الخضر

مثقلة بعبير الفرات

وأشواق دجلة.

عاشقة الليل كانت تغني لشمس الشتاء

وتنثر أحزانها في عيون المجرة:

لُفّي جدائلكِ الشقرَ حول الفجاج الفساح

فلولاك سدّت علينا الحياة

رحاب الخيال

ولولاك ما وجدت سامعا غير برد الظلام.

فهل كان لون المدينة أحمر؟

هل كان نمرود يسعى ليلقي ناصحه في الجحيم؟

ضلالٌ..ضلالْ..

فنور الخليل يدمر نار الطواغيتِ.

ضاق الطواغيت بالشهداءِ

يجوسون بعد الرحيل خلال الديار:

(ألا مالنا ودم الشهداء؟)

وكان خليلْ

كنسمة صبح جميلْ

يمر على أعين الجند، يحمل أشعاره ..ودفاتره المخمليةَ.

كنا صغارا هنا نتهجى شذا الكلمات

نتعلم من شفتيه

تراتيل مستقبل

خفي جلي

كوحي نبي

ومن أبجدية إيماننا المقبل

نؤثث أحلامنا وسرير المنى المخضل

خليل يصولُ

بأسراره الموصلية

ينفخ في صبوات الطفولة همة زيد وحلم أسامه

ويلقّن أطفالَ بغدادَ كيف إلى النصر،

يسعى الندى..والصهيلُ

وكيف إذا وطئت ربوات الرصافة خيل الدجى

وتدانى المغولُ

تصول المآذن من شغف، ويغني الهديلُ

خليل يقولُ

ويسرج خيل الجوى : إنها رحلة في المصير

شواطئها الخضرُ يوم القيامه

ومركبنا لوّنته جداول حبّ مرصعة بالمنى واليقين

فماذا يضير حدائق شمسك هذا الدنس

إذا ضوأ الليل نور القبس؟

ع. البياتي

أتذْكر قهوتنا العربيّةَ تحت خيام العشيرةِ؟

صمتٌ حزين يجلل جفنيك

لا كأس إلا التي عتّقت هذه البيد

يحي السماوي يشعل سيجارة الليل

أو يتعهد غربتك البابلية.

ينفضّ سامرُك اليومَ من قبل موعده

وتبيت وحيداً سوى من مريدَينِ،

مثل حمام الرصافة،

أو قمر النجف المستجير بجرح الحسين

كأنك ما كنت وسط سماء القصيدة يوما

بهيا، بهيا، كنجمة شيراز،

يسألني صاحبي، واعتراه الوجوم:

وأين ستدفن غربتها السنبله؟

كان يحي يرتل أشعاره

كالذي يتنبأ بالسفر المر

تحت رياح الردى المرسله

وأنا أتدبر صمتك،

أقرأ فيه غبار القصائد.

لا تركنوا للدماء الغوية.

كان هنا شاعر يعبر القادسية.

ينسج من وبر الشعر لحن القتال

وقبل انبلاج الصباح

تردى ثياب المنون

شفيق الكمالي

كان يحي يؤثث منفاه من ألم الوجد،

لا ألم الفقد،

كم ذا يضيق العراق بأبنائه الطيبين

قال لي : يا صديقي حسن

سأغادر هذا الوطن

ليس ضنا بنفسي، ولكن به..بالعراق

أتحمّل لسع الفراق

آه كم جار يا وطني أمراؤك،

قال حكيم المعرة: بل أجراؤك،

كم يتعذب فيك ومنك الأحبة يا وطني..ياعراق..

أيها الشاعر المستظل بحزنك عند ضريح الإمام

تعهد ظعائنك الحمر

يا من يسافر من غير زاد

إلى مدن العاشقين

بعدما نهبوا من حدائق بغداد أسرارها

واستباحوا المحاريب في نيسابور

لا تسر في طريق الظلام

لا تهيء أغاني الرثاء

لا تصافح يدا

سفكت دم إخوانك الشعراء

أأعاد الزعيم الضياء إلى مقلتيك

أم ترى استلّ سيف العذاب، وأنت شريدٌ، عليك؟

صيحة الدم

شبيب العقيليّ قاد الجيوش

ومن بعد بابك كان الإمام

فكيف ترجّي انتصار الضياء

وتطمع في أن يغور الظلام؟

وقد عبد العجل دهرا فلا

يغرنْك إن كان صلّى وصام

فتلك دماؤك في عارضيه

تصيح به: ويك، طفّ الأثام

فلا نصر إلا لعفر الجباه..

لا لملوك الخنا والطغام

العنكبوت:

أنت وحدك من يمتطي حلمه القدسيّ

وينثر ليلا بلابله البابلية كالدمع في نحر دجلة

أنت الذي في ركوعك تفضح شهوة قاتلك الهمجي

وقد جاء يسكب نقمته ضد ماضيه

يشحذ سكين حقد بوجه حضارتك الكلكميشية الوقع،

والعربية النبض،

والنجم في خدره يتعجّب من صولة العنكبوت:

عجبا،كيف أقبل ينتزع النور من صبوات الصبايا

ويهدم بالحقد أحلى البيوت؟

يسقط القمر العاشق المستحمّ بنهر النبوة من شرفة الأنبياء

وألواحك البابلية أضحت تدوس محاسنها الخيل:

بغداد ترنيمة ليس تأكل من ثديها،

والصباح يطل على الملكوت

الشهداء:

أيها الراحلون:

لماذا رحلتم، وأعقبتم القلب حسره

لماذا رحلتم، وأشعلتمُ في ربى الجفن عَبره

(وللقلب من ذكركم ألف عِبره)

أيها الشهداء:

لماذا رحلتم إلى ما وراء المجرّه

خفافا..خفافا..كسرب القطا..

وبقيت أنا خلفكم كالغراب اليتيم أُصعّد زفره

إذا أقبل الليل، في إثر زفره

ألا ما أشدّ حنيني لضربة سيف

وطعنة رمح، تبلّغني المشتهى:

سدرة المنتهى

لأظفر يا أيّها الشهداء

كما قد ظفرتم بنظره

لقد قيّدتني الأماني،

ولم أدرك الدربَ.

يا ربّ أدرك عُبَيْدك هذا بلطف

فقد عذّبته السنون العجاف

وقد أضمرته الليالي التي لم تبشّر

لطول السّرى بالقطاف

القلم:

هو للجمال وللعبير هو للقصيدة في ضميري

هو نجمة الصبح البهيّ ووردو الحقل النضير

هو ما تفجّر في الضلوع من العيون، من البحور

هو صولجان الحبّ يسري بين أودية الشعور

هو أنّة الناي الحزين يسيل من شفة الدهور

هو بلبل الأشواق يصدح بين أسراب الطيور

هو ثورة الثوار ضد الظالم الوغد الحقير

هو غضبة الحسن المثنّى منذ ألوية الغدير

هو صرخة المظلوم تذهب بالغزاة إلى السعير

هو خالد إن دمّر الإعصار طاغية الغرور

هو سيفي البتّار قام يحزّ أعناق المغير

الطفل:

1 -

حرّروني

إي وربي، حرّروني

أرسلوا الرعب عليّا

سلّطوا الموت عليا

حرّروني من يديّا

من ندى أمّي، ومن نجوى أبي

..من كتبي

..من لُعبي

لم أعد أملك بعد اليوم إلا غضبي

2-

لم أكن أعرف ما الحقد

ولكن زرعوا حقد القرونِ

في وتيني

حرروني

حرروني

لم أعد أملك إلا نبض إيماني الثمين

ويقيني

ما الذب يمنعهم منّي إذا ثرتُ كبركانٍ

وأرسلتُ عليهم لهبي؟

المقصلة:

حاصروا النجفا

دمّروا مسجدا

مزّقوا مصحفا

سرقوا متحفا

أحرقوا المكتبه

إن برق العدا

شعّ ثم اختفى

كالمدى..أرعدا

لحظة واختفى

من له الغلبه؟

حملوا أمن قومي على ظهر دبّابة مرعبه

وأقاموا على جثّتي مأدبه

هكذا يصنعون لشعبي المحاصر مستقبله

هكذا..هكذا يسترقون حريّة السنبله

باسم حرّية..

جعلت مدنيتهم ترتقي سدة المقصله


المراجع

odabasham.net

التصانيف

شعر  أدب  قصائد  شعراء  ملاحم شعرية