الغزال الجريح
خضر محمد أبو جحجوح
عضو اتحاد الكتاب
الفلسطينيين
عضو رابطة أدباء الشام
khader.jah@gmail.com
وماذا عليك ؟
ذبحتَ الغزالة يوما فظلت تخبَّطُ بين يديك!!
وأنت تقطِّع أشلاءها
لتشبعَ هذي الجراءَ الصغيرة حتى يصير القطيعُ وحوشا
تزمجر حولك فوقك فيك
وتهرب منك إليك
ويركض فوق الدمار جيوشا
تطارد سرب اليمام وتحرق أعشاشهُ
وفرَّ الحمام المطوَّق بالنارِ والموتِ والأمنيات
ليبنيَ عشا بعشب الشعابِ الحزينه
وراء الغمام وفوق ركام الحطام
وفرَّ الغزالُ اليتيم طريدا
يحنُّ لمرعى يواصل فيه الحياة
وظل الغزال الجريحُ يفتش بين البراري
وراء السفوحِ وبين الكهوفِ
وفوق الجبالِ
وأنت تنقِّب تحت الصُّخور وبين التلالِ
وتنشر سربَ الجراد يفتش بين الحقول
ويمسحُ وجه السهولِ
ويقلب كثبانها
يقلِّبُ تحتَ الحجارة شيئا من الذكريات العتيقة
وماذا عليك؟
إذا ما اكتويت بنار الجريمة
وأشعل في مقلتيك السؤالُ لهيب الحقيقه
وسلَّم هذا القطيعُ قرونا من الطين كانت تعيقه
على كاهليه أهالت ركاما هلاما
تقطر ثلجا وملحا وبعض رذاذ بلادة
فأدمن ذبح الفراشِ وقتل البلابل
وآه بلابلَ روحي وأنت جريحة
وريشك فوق السياج اجتراح ذئابٍ سقيمة
وهذا الغزال الجريح يطلُّ
يفتش بين الأزقة عن دمِ أحلى غزاله
تتوجه العادياتُ بغارِ الشواطئ بعد الرحيل الطويلِ
ويمتشق الزعفرانَ
وينثر مسكا ودرا
لينشب في مقلتيك نصالَه
ويطلعُ في صفحة الأفق بدرا وضيئا
وماذا عليك؟
كأنّ البحارَ تسيل على معصميّ سلاسل حزنٍ وقارا
كأنّ الصحارى تعبئُ في مقلتيَّ بحارا ونارا
وأنت تواصل ذبح الغزالِ جهارا نهارا
لتبني فوق ركامي لزرق الدماءِ كنيسا ودارا
وتهدي دمائي لنطع الجريمة أترجَّ عيد مقدسْ
كأن دماءك فيها ازرقاق بحارِ
وقلبي سنونو جريح ذبيحُ
وبحر العذاب يسيل من المقلتين لهيبا
كأنِّي أسيل على صفحة الرملِ والصخرِ بحرا
كأنّي البحارُ تهادت تموج ُبعمق الصحارى ...
وماذا عليك؟
هناك السكينة حيث الحرائق والموت؟
وتلك الجراء الطليقه؟
ولا سبارتاكوس يلملم شمل الجياعِ!!
ويمسح وجه الضياعِ!!
عن الياسمين المخبأ بين الكهوف
وفوق سياج الدخانِ المعرش بين البيوتْ
أغزة تبكي ويغسل فيها الضبابُ الشوارع؟
أيمسح عن مقلتيها الهدوءُ البهاء؟
وأنت تحنّي يديك بحنائها القرمزية
وفي شفتيك بقايا دماءٍ ولحمٍ،
وبين يديك نبيذٌ معتق
لنخب الحياة، ونخب السعادة
إذن..
على رسلك اليوم يومك بين الشعوبِ
بهذا المسار الطويل العميق الرهيب
ستكوى بهذا اللهيبِ
وهذي الدماء ستحفر نهرا بكل الدروبِ
ستهديك غزةُ أحلى هدية
( جِمالأ تسير وئيدا )
عليها حرير دمقسُ
وفيها نجومٌ ورمل وملح وورد وشمسُ
وتين ونخل وقدسُ
وبحر لتغرب فيه النجوم،
وتمخرَ فيه المراكب عند الرحيل
ستهديك غزَّةُ ميناءها القرمزيَّ وساما
لهيبا من اللازورد المحنَّى بمسك الشهادة مدا
وجزْرا
وأنت تشدُّ رباط الصلاة الأخيرة
تغني بصوت أجشّ: (....)
(يا مخلّص المتكلين عليك بيمينك من
المقاومين، احفظني مثل حدقة العين بظل جناحيك استرني من وجه الأشرار ) العهد القديم
(مزامير/ المزمور السابع عشر)
تصلي صلاة الختام وتبكي
تدس الدعاء بجوف الجدارِ...
وخلفك سرب الخفافيش يمتد بين شقوقٍ
من الدمِ والدمع والذكرياتْ
وفيض العذاب الجميل البرئ!!
وماذا عليك؟
وماذا عليك؟
وهذا الغزال
يعيد اخضرار الرخام ربيعا
يحني السهول بمسكِ
ويمسح عن جبهة الناس خوفا وجوعا
وينشر أمنا وفرحا
ويهدي الجراحَ دواء
ويمنح قلب الجريح نجيعا
ويطلق فوق الجبالِ قطيعا جميلا
تربّى على الزعتر البريِّ والميرمية
ويرسل في الأفق ألف سؤالْ
ويبقى السؤال الأخير قبيل الرحيل
شهيقا تردده النائحاتُ
صهيلا تردده العادياتُ
وماذا عليك؟
وماذا عليك؟