الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فيمكن الحديث عن هذا الموضوع، من جهتين:
الأولى: من جهة أهميته: للدعاء أهمية كبرى، وثمرات جليلة، وفضائل عظيمة، وأسرار بديعة منها:
1- أن الدعاء طاعة لله وامتثال لأمره عز وجل: قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60]، وقال: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف:29]، فالداعي مطيع لله، مستجيب لأمره.

2- السلامة من الكبر: قال تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60]، قال الإمام الشوكاني في هذه الآية: "والآية الكريمة دلت على أن الدعاء من العبادة، فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}، فأفاد ذلك أن الدعاء عبادة، وأن ترك دعاء الرب سبحانه استكبار، ولا أقبح من هذا الاستكبار، وكيف يستكبر العبد عن دعاء من هو خالق له، ورازقه، وموجده من العدم، وخالق العالم أجمع، ورازقه، ومحييه، ومميته، ومثيبه، ومعاقبه؟ فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون، وشعبة من كفران النعم" (1).


3- الدعاء عبادة: للآية السابقة، وكما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» (2).

4- الدعاء أكرم شيء على الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء» (3).

قال الشوكاني في هذا الحديث: "قيل وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي".
والأولى أن يقال: أن الدعاء لـمَّا كان هو العبادة، وكان مخَّ العبادة -كما تقدم- كان أكرم على الله من هذه الحيثية، لأن العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]" (4).

5- الدعاء محبوب لله عز وجل: فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يُسأل» (5).

6- الدعاء سبب لانشراح الصدر: ففيه تفريج الهم، وزوال الغم، وتيسير الأمور، ولقد أحسن من قال:
 

وإني لأدعو اللهَ والأمـرُ ضيِّقٌ

  • عليَّ فما ينفكُّ أن يتفرجـا
  • ورُبَّ فتىً ضاقت عليه وجوهُهُ
  • أصاب له في دعوة الله مخرجا(6)

  • 7- الدعاء سبب لدفع غضب الله: فمن لم يسألِ الله يغضبْ عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضبْ عليه» (7)، ففي هذا الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات، وأعظم المفروضات، لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه (8).

    ولقد أحسن من قال:

    لا تسألنَّ بُنَيَّ آدمَ حـاجةً

  • وسل الذي أبوابُهُ لا تحجبُ
  • اللهُ يغضبُ إن تركت سؤالَه
  • وبُنيُّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ



  • 8- الدعاء دليل على التوكل على الله: فَسِرُّ التوكل على الله وحقيقتُهُ هو اعتماد القلب على الله وحده.
    وأعظم ما يتجلى التوكل حال الدعاء، ذلك أن الداعي حال دعائه مستعين بالله، مفوض أمره إليه وحده دون سواه، ثم إن التوكل لا يتحقق إلا بالقيام بالأسباب المأمور بها، فمن عطَّلها لم يصح توكله، والدعاء من أعظم هذه الأسباب إن لم يكن أعظمها.

    9- الدعاء وسيلة لكبر النفس وعلو الهمة: فبالدعاء تكبر النفس وتشرف، وتعلو الهمة وتتسامى، ذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد، ينزل به حاجاته، ويستعين به في كافة أموره، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدي الخلق، فيتخلص من أسرهم، ويتحرر من رقهم، ويسلم من مِنَّتِهم، فالمنة تصدع قناة العزة، وتنال نيلها من الهمة.

    وبالدعاء يسلم من ذلك كله، فيظل مهيب الجناب، موفور الكرامة، وهذا رأس الفلاح، وأسُّ النجاح.
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته، قويت عبوديته له، وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له، فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه" (9).


    10- الدعاء سلامة من العجز، ودليل على الكياسة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام» (10)، فأضعف الناس رأيًا، وأدناهم همة، وأعماهم بصيرة من عجز عن الدعاء، ذلك أن الدعاء لا يضره أبدًا، بل ينفعه.

    11- ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله: فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير، وسينال نصيبًا وافرًا من ثمرات الدعاء ولابد.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من سوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» (11).

    وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»، قال: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر» (12).

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن ?لنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ينصب وجهه إلى الله، يسأله مسألة إلا أعطاه إياها، إما عجلها له في الدنيا، وإما ذخرها له في الآخرة ما لم يعجل»، قالوا: يا رسول الله، وما عَجَلَتُه؟ قال: «يقول: دعوتُ دعوت، ولا أراه يستجاب لي» (13).

    ففي ما مضى من الأحاديث دليل على أن دعاء المسلم لا يهمل، بل يعطى ما سأله، إما معجلاً، وإما مؤجلاً، تفضلاً من الله جل وعلا (14).
    قال ابن حجر: "كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعِوَضِهِ"(15).

    قال بعضهم في وصف دعوة:
     

    وساريةٍ لم تَسْـر في الأرض تبتـغي

  • محلاً ولم يَقْطَعْ بها البيـد قاطعُ
  • سرت حيث لم تَسْر الركاب ولم تُنِخْ
  • لوردٍ ولم يَقْصُرْ لها القيدَ مانعُ
  • تَحُلُّ وراءَ الليلِ والليلُ ساقـــطٌ  
  • بأرواقه فيه سميرٌ وهاجــعُ
  • تَفَتَّحُ أبواب السمـاءِ ودونـها
  • إذا قـرع الأبوابَ مِنْهُنَّ قارعُ
  • إذا أوفدت لم يَرْدُدِ اللهُ وفدَهـــا
  • على أهلها والله راءٍ وســامعُ
  • وإني لأرجو الله حتى كأنني
  • أرى بجميل الظنِّ ما اللهُ صانع(16)


  • 12- الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله: قال عليه الصلاة والسلام: «ولا يرد القدر إلا الدعاء» (17).
    قال الشوكاني عن هذا الحديث: "فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة" (18).

    وقال: "والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل فقد يقضي على عبده قضاءً مقيدًا بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه" (19).

    13- الدعاء سبب لرفع البلاء بعد نزوله: قال صلى الله عليه وسلم: «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء» (20).

    ولهذا يجدر بالعبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء والإقبال عليه أن يستكثر منه، فإنه مجاب، وتقضى حاجته بفضل الله، ورحمته، فإنَّ فَتْحَ أبواب الرحمة دليل على إجابة الدعاء (21).

    وقال: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» (22). ومعنى يعتلجان: أن يتصارعان، ويتدافعان.

    14- الدعاء يفتح للعبد باب المناجاة ولذائذها: فقد يقوم العبد لمناجاة ربه، وإنزال حاجاته ببابه فَيُفْتَح على قلبه حال السؤال والدعاء من محبة الله، ومعرفته، والذل والخضوع له، والتملق بين يديه ما ينسيه حاجته، ويكون ما فتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته، بحيث يحب أن تدوم له تلك الحال، وتكون آثر عنده من حاجته، ويكون فرحه بها أعظمَ من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاته تلك الحال (23).

    قال بعض العُبَّاد: "إنه لتكون لي حاجةٌ إلى الله، فأسأله إياها، فيفتح لي من مناجاته، ومعرفته، والتذلل له، والتملق بين يديه ما أحبُّ معه أن يُؤخِّر عني قضاءها، وتدوم لي تلك الحال" (24).

    15- حصول المودة بين المسلمين: فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب استجيبت دعوته، ودل ذلك على موافقة باطنه لظاهره، وهذا دليل التقوى والصدق والترابط بين المسلمين، فهذا مما يقوي أواصر المحبة، ويثبت دعائمها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، يعني: يَوَدُّن، ويُوَدُّن، يُحِبُّن، ويُحَبُّن، والدعاء بلا شك من العمل الصالح.


    16- الدعاء من صفات عباد الله المتقين: قال جلَّ شأنه عن أنبيائه عليهم السلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وقال عن عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، إلى غير ذك من الآيات في هذا المعنى.

    17- الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء: قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده: {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250]، فماذا كانت النتيجة؟ {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة:251].

    18- الدعاء مَفْزَعُ المظلومين، وملجأ المستضعفين: فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب، ولم يجد من يرفع عنه مظلمته، ويعينه على من تسلط عليه وظلمه، ثم رفع يديه إلى السماء، وبث إلى الجبار العظيم شكواه نصره الله وأعزه، وانتقم له ممن ظلمه ولو بعد حين.

    ولهذا دعا نوح عليه السلام على قومه عندما استضعفوه، وكذَّبوه، وردُّوا دعوته.
    وكذلك موسى عليه السلام دعا على فرعون عندما طغى، وتجبر، وتسلط، ورفض الهدى ودين الحق، فاستجاب الله لهما، وحاق بالظالمين الخزي في الدنيا، وسوء العذاب في العقبى.

    وكذلك الحال بالنسبة لكل من ظُلِم، واستُضْعِف، فإنه إن لجأ إلى ربه، وفزع إليه بالدعاء أجابه الله، وانتصر له وإن كان فاجرًا.

    قال الإمام الشافعي وما أجمل ما قال:

    وربَّ ظلومٍ قد كفيت بحربـــه

  • فأوقعه المقدور أيَّ وقـوعِ
  • فما كان لي الإسلامُ إلا تعبــدًا
  • وأدعيــةً لا تُتَّقى بدروع
  • وحسبك أن ينجو الظلومُ وخلفـه
  • سهامُ دعاءٍ من قِسيِّ ركوع
  • مُرَيَّشة بالهدب من كل ساهـــرٍ
  • منهلة أطرافها بدمـــوع(25)


  • وقال:

    أتهزأ بالدعاء وتزدريه

  • وما تدري بما صنع الدعاءُ
  • سهام الليل لا تخطي ولكن
  • لها أمدٌ وللأمد انقضاءُ(26)


19- الدعاء دليل على الإيمان بالله، والاعتراف له بالربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات: فدعاء الإنسان لربه متضمن إيمانه بوجوده، وأنه غني، سميع، بصير، كريم، رحيم، قادر، مستحق للعبادة وحده دون من سواه.

الثانية: من جهة كيفيته:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما كيفية الدعاء من ناحية الهيئة الجسمية، والأقوال المسنونة في الافتتاح والانتهاء، وما جرى مجرى ذلك يحتاج إلى بسط وإطالة، وإليك شيئاً من ذلك:

1- الثناء على الله قبل الدعاءِ، والصلاة على النبي: فعن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله قاعدًا إذ دخل رجل، فصلى فقال: اللهم اغفر لي، وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصلِّ علي ثم ادعه»، ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها المصلي ادع تُجب» (27)، وقال عليه الصلاة والسلام: «كل دعاءٍ محجوب، حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم» (28).


2- الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة: ولذلك فإن دعاء يونس عليه السلام من أعظم الأدعية إن لم يكن أعظمها، وما ذلك إلا لأنه ضمنه اعترافه بوحدانية الله عز وجل ،وإقراره بالذنب والخطيئة والظلم للنفس، كما قال تعالى عنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْ?ُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] (29).

وكذلك الحال بالنسبة للدعاء العظيم المسمى بسيد الاستغفار، والذي يعد أفضل صيغ الاستغفار، ومن أسباب أفضليته أنه تضمن الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة، كما جاء في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
من قالها في النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة
» (30).


3- التضرع والخشوع، والرغبة والرهبة: قال تعالى عن أنبيائه عليهم السلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].


4- الجزم في الدعاء، والعزم في المسألة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مُسْتَكْرْهَ له» (31).


5- الإلحاح بالدعاء: فهو من الآداب الجميلة، التي تدل على صدق الرغبة فيما عند الله عز وجل ثم: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها (32).


6- الدعاء في كل الأحوال: وذلك في الشدة والرخاء، وفي المنشط والمكره، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرَب فليكثر من الدعاء في الرخاء» (33).


7- تجنب الدعاء على الأهل، والمال، والنفس: لأن الدعاء يقصد منه جلب النفع ودفع الضر، والدعاء على الأهل، والمال، والنفس لا مصلحة وراءه، بل هو ضرر محض على الداعي نفسه، فماذا سيجني من فساد أهله، وماله، ونفسه؟

ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم» (34).


8- الدعاء ثلاثًا: كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود الطويل، وفيه: فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دع? عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، ثم قال: «اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش» (35).


9- استقبال القبلة: فعن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا، واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه" (36).

وفي البخاري: "استقبل رسول الله الكعبة فدعا على قريش" (37).


10- رفع الأيدي في الدعاء: قال أبو موسى الأشعري: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه" (38).

وقال ابن عمر رضي الله عنهما: رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» (39).

وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردها صفرًا خائبتين» (40).

ورفع اليدين إنما يكون في الدعاء العام، وما ورد الدليل على مشروعية رفع اليدين فيه، كرفع اليدين في الدعاء عند الصفا والمروة، وفي الاستسقاء يوم الجمعة ونحو ذلك، لأن هناك أدعية لا ترفع فيها الأيدي مثل دعاء دخول المنزل، والخروج منه، ودخول الخلاء، والخروج منه.


11- السواك: ووجه ذلك أن الدعاء عبادة باللسان، فتنظيف الفم عند ذلك أدب حسن، ولهذا جاءت السنة المتواترة بمشروعية السواك للصلاة، والعلة في ذلك تنظيف المحل الذي يكون الذكر به في الصلاة (41).


12- أن يقدم بين يدي دعائه عملاً صالحًا: كأن يتصدق، أو يحسن إلى مسكين، أو يصلي ركعتين، أو يصوم، أو غير ذلك، ليكون هذا العمل وسيلة إلى الإجابة.

ويدل على ذلك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عنهم أن كل واحد منهم توسل بأعظم أعماله التي عملها لله عز وجل فاستجاب الله دعاءهم، وارتفعت عنهم الصخرة، وكان ذلك بحكايته سنة لأمته.


13- الوضوء: كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وفيه قوله: "فدعا بماء، فتوضأ، ثم رفع يديه، فقال: «اللهم اغفر لعبيد بن عامر»، ورأيت بياض إبطيه" (42).


14- أن يكون غرض الداعي جميلاً حسنًا: كأن يتوسل الداعي إلى الله فيما أجاب دعوته أنه سيترتب على تلك الإجابة عمل صالح، كأن يقول آمين: اللهم ارزقني مالاً، لأسلطه على هلكته في الحق، ولأنصر به دين الإسلام، أو: اللهم ارزقني علمًا، كي أعلم العباد دين الله، وأنشر ال?ير بينهم، أو: اللهم ارزقني زوجة، لأتعفف بها عن المحارم وهكذا...

ويشير إلى ذلك قوله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي . وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 25- 35].

فماذا كانت النتيجة؟ لقد أجاب الله سؤله، ومنَّ عليه مرة أخرى.

ويشير إليه أيضًا حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشفِ عبدَك فلانًا، ينكأْ لك عدوًّا، أو يمشي لك إلى الصلاة» (43).


15- الطموح وعلو الهمة: فمن الآداب التي يحسن بالداعي أن يتحلى بها أن يكون طموحًا، ذا نفس كبيرة، وهمة عالية، راغبًا فيما عند الله من عظيم الثواب.

ويومئ إلى هذا المعنى دعاء نبي الله سليمان عليه السلام عندما قال كما أخبر الله عنه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].

فنبي الله سليمان عليه السلام حصل منه ما حصل عندما آلى أن يطوف على نسائه جميعًا، لتلد كل واحدة منهن مجاهدًا يجاهد في سبيل الله، ولم يستثنِ عليه السلام ولم يقل: إن شاء الله (44).

وعندما أدرك ما وقع فيه لم يكتف بأن يسأل الله المغفرة فحسب، ولكنه لكبر نفسه، وعلو همته، وعلمه بسعة فضل ربه سأله مع ذلك أن يهب له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده

فماذا كانت النتيجة؟ لقد استجاب الله دعاءه، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، والشياطين كل بناء وغواص، وآخرين مقرنين في الأصفاد، ثم قال تعالى: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 39-40].


16- البكاء حال الدعاء: فعن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله تلا قولَ الله عز وجل: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وقول عيسى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتي أمتي» وبكى، فقال الله عز وجل: «يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك؟»، فأتاه جبريل عليه السلام فسأله، فأخبره رسول الله بما قال وهو أعلم.

فقال الله: «يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك» (45).


17- إظهار الداعي الشكوى إلى الله، والافتقار إليه: قال تعالى عن أيوب عليه السلام: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، وعن زكريا عليه السلام دعاءه: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89]، وعن يعقوب  عليه السلام قوله: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]، وعن موسى عليه السلام  دعاءه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص: 24].

قال ابن المبارك: "قدمت المدينة في عام شديد القحط، فخرج الناس يستسقون، فخرجت معهم، إذ أقبل غلام أسود، عليه قطعتا خيش، قد اتَّزر بإحداهما، وألقى الأخرى على عاتقه، فجلس إلى جنبي، فسمعته يقول: "إلهي أخْلَقَتِ الوجوهَ عندك كثرةُ الذنوب، ومساوئ الأعمال، وقد حَبَسْتَ عنا غيث السماء، لتؤدب عبادك بذلك، فأسألك يا حليمًا ذا أناة، يا من لا يعرف عباده منه إلا الجميل أن تسقيهم الساعةَ الساعةَ"، فلم يزل يقول: الساعة الساعة حتى اكتست السماء بالغمام، وأقبل المطر من كل جانب"(46).


18- أن يتخير جوامع الدعاء ومحاسن الكلام: بدلاً من التطويل، والحشو، والتفصيل الذي لا لزوم له، فقد كان رسول الله يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك (47).

قال الخطابي: "ولْيَتَخَيَّرْ لدعائه، والثناء على ربه أحسن الألفاظ، وأنبلها، وأجمعها للمعاني، لأنه مناجاة العبد سَيِّدَ السادات، الذي ليس له مثل، ولا نظير" (48).


19- أن يبدأ الداعي بنفسه: عن أبيِّ بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أحدًا فدعا له بدأ بنفسه (49).

والبداءة بالنفس حال الدعاء ترد كثيرًا في القرآن، كما في قوله تعالى: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر: 10].

وهذا ليس بلازم لمن أراد أن يدعو لغيره كما هو وارد في كثير من الأدعية، حيث يدعو الإنسان لغيره دون نفسه.

وقد يقال: إذا أراد الدعاء لنفسه ولغيره فليبدأ بنفسه ثم يُثَنِّي بغيره، وإذا أراد الدعاء لغيره فَحَسْب فلا يلزم أن يبدأ بنفسه، كما مر في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لعبيد بن عامر رضي الله عنه، حيث دعا لعبيد دون أن يدعو لنفسه.


20- أن يدعو لإخوانه المؤمنين: فهذا من مقتضيات الأخوة، ومن أسباب إجابة الدعوة، قال  تعالى: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد: 19].

وذكر عن نوح عليه السلام قوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [نوح: 28].

وقال عليه الصلاة والسلام: «من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة» (50).

ويحسن أن يُخص بالدعاء الوالدان، والعلماء، والصالحون، والعبَّاد، ومن في صلاحهم صلاح لأمر المسلمين كأولياء الأمور وغيرهم...

ويحسن به أيضًا أن يدعو للمستضعفين والمظلومين من المسلمين، وأن يدعو على الظالمين الذين في هلاكهم نصر للإسلام والمسلمين، وراحة للمستضعفين والمظلومين.


21- خفض الصوت، والإسرار بالدعاء: قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55].

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يجهرون في التكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، إنكم لا تَدْعِون أصمَّ ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا قريبًا وهو معكم» (51).

هذا ولخفض الصوت والإسرار بالدعاء فوائد عديدة، وأسرار بديعة، وقد أشار العلامة ابن القيم إلى شيء منها، فمن ذلك ما يلي:

أولاً: أنه أعظم إيمانًا، لأن صاحبه يعلم أن الله يسمع دعاءه الخفي، وليس كالذي قال: إن الله يسمع إن جهرنا، ولا يسمع إن أخفينا.

ثانيًا: أنه أعظم في الأدب والتعظيم: ولهذا فإن الملوك لا تُخاَطَبُ، ولا تُسْأَل برفع الصوت، وإنما تخفض عندهم الأصوات بمقدار ما يسمعونه، ومن رفع صوته عندهم مقتوه، ولله المثل الأعلى، ف?ذا كان يسمع الكلام الخفي فلا يليق بالأدب بين يديه إلا خفض الصوت.

ثالثًا: أنه أبلغ في التضرع والخشوع: الذي هو روح الدعاء، ولبه، ومقصوده، فإن الخاشع الذليل الضارع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، ولا يتأتى ذلك مع رفع الصوت، بل مع خفضه.

رابعًا: أنه أبلغ في الإخلاص.

خامسًا: أنه أبلغ في جمعية القلب على الله في الدعاء، فإن رفع الصوت يفرقه، ويشتته.

سادسًا: أنه دال على قرب صاحبه من الله: وأنه لاقترابه منه، وشدة حضوره يسأله مسألة أقرب شيء إليه، فيسأله مسألة مناجاة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد.

وهذا من النكت السرية البديعة جدًا.

سابعًا: أنه أدعى لدوام الطلب والسؤال، فإن اللسان والحالة هذه لا يمل، والجوارح لا تتعب، بخلاف ما إذا رفع صوته، فإنه قد يكل لسانه، وتضعف بعض قواه، وهذا نظير من يقرأ أو يكرر رافعًا صوته، فإنه لا يطول له ذلك، بخلاف من يخفض صوته.

ثامنًا: أن إخفاء الدعاء أبعد له من القواطع، والمشوشات، والمضعفات، فإن الداعي إذا أخفى دعاءه لم يَدْر به أحد، فلا يحصل هناك تشويش، ولا غيره.

وإذا جهر به تفطنت له الأرواح الشريرة، والخبيثة من الجن والإنس، فشوشت عليه ولابد، ومانعته، وعارضته، ولو لم يكن إلا أنَّ تعلقها به يفرق عليه همته، فيضعف أثر الدعاء لكفى.

ومن له تجربة يعرف هذا، فإذا أسر الدعاء وأخفاه أمن هذه المفسدة.

تاسعًا: الأمن من شر الحاسدين، ذلك أن أعظمَ النعم نعمةُ الإقبالِ على الله، والتعبد له، والانقطاع إليه، والتبتل إليه، ولكل نعمة حاسد على قدرها دَقَّتْ أو جَلَّتْ.

ولا نعمة أعظم من هذه النعمة، فأنْفُسُ الحاسدِينَ المنقطعين متعلقةٌ بها، وليس للمحسود أسلمُ من إخفاء نعمته عن الحاسد، وأن لا يقصد إظهارها له، وكم من صاحب قلب وجَمْعِيَّةٍ وحال مع الله قد تحدث بها، فسلبه إياها الأغيار، فأصبح يقلب كفيه (52).


22- ألا يتكلف السجع: ذلك أن حال الداعي حال ذلة وضراعة، والتكلف لا يناسب ذلك.

قال بعضهم: "ادع بلسان الذلة والافتقار، لا بلسان الفصاحة والانطلاق" (53). قال الخطابي: "ويكره في الدعاء السجع، وتكلف صفة الكلام له" (54).

ويوضح ذلك ما رواه البخاري في صحيحه من نصيحة ابن عباس رضي الله عنهما لأحد أصحابه، ومما قال فيها: "فانظر السجع من الدعاء فاجتنبه، فإني عهدت رسول الله وأصحابه لا يفعلون إلا ذلك الاجتناب"(55).

والسجع هو الكلام المقفى بدون وزن، والمنهي عنه من السجع هو التكلف فيه، لأنه ينافي الخشوع والخضوع كما مر.

أما إذا جاء السجع على اللسان سليقة، وفطرة ومطاوعة بلا تكلف فلا بأس بذلك، لكثرة الأدعية المسجوعة من الكتاب والسنة، والتي مر وسيمر بنا شيء منها.


23- الإعراب بلا تكلف: فالإعراب عماد الكلام، وجماله، ووشيه، فيحسن بالعبد وهو يناجي ربَّه أن يُعْرب عما يقول قدر المستطاع، خصوصًا إذا كان إمامًا يدعو والناس يُؤَمِّنون خلفه، على ألا يَصِلَ ذلك إلى حد التكلف، وألا يجعل همته مصروفة إلى تقويم لسانه، لأن ذلك يذهب الخشوع الذي هو لب الدعاء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الإعراب ألا يتكلف الإعراب، قال بعض السلف: إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع.

وهذا كما يكره تكلف السجع في الدعاء، فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس، فإن أصل الدعاء من القلب، واللسان تابع القلب، ومن جعل همته في الدعاء تقويم لسانه أضعف توجه قلبه" (56).


24- ألا يدعو بانتشار المعاصي: فالمعاصي من الفساد، والله لا يحب الفساد، بل اللائق به أن يدعو بانتشار الخير بين الناس.


25- اختيار الاسم المناسب، أو الصفة المناسبة حال الدعاء: كأن يقول: يا رحيم ارحمني، يا كريم أكرمني، يا شافي اشفني، رب هب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب وهكذا.


26- ألا يحجر رحمة الله في الدعاء: كأن يقول: اللهم اسق مزرعتي وحدها، أو اللهم أصلح أولادي دون غيرهم، أو ربِّ ارزقني وارحمني دون سواي.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة، وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمدًا، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلَّم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي: «لقد حجَّرتَ واسعًا» يريد رحمة الله (57).


27- التأمين على الدعاء من المستمع: كما في قصة دعاء موسى وهارون عليهما السلام على فرعون وآله.

قال المفسرون: كان موسى يدعو، وهارون يؤمن (58).

ولهذا قال تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} [يونس: 89].


28- أن يسأل الله كل صغيرة وكبيرة: وهذا الأمر يغفل عنه كثير من الناس، فتراهم لا يلجأون إلى الله ولا يسألونه إلا إذا نزلت بهم عظائمُ الأمور، وشدائدها.

أما ما عدا ذلك فلا يسألونه، لظنهم أنه أمر يسير لا داعي لسؤال الله من أجله.

وهذا خطأ، فاللائق بالمسلم أن يسأل ربه كل صغيرة، فلو لم ييسر الله أكل الطعام مثلاً لما استطاع الإنسان أكله، ولو لم ييسر لبس النعل لما استطاع الإنسان لبسه.

قال: "سلوا الله كل شيء، حتى الشسع (59)، فإن الله تعالى لو لم ييسره لم يتيسر"(60).

فقوله: حتى الشسع إشارة أن ما فوقه أولى وأولى.

________________

(1) تحفة الذاكرين للشوكاني، ص (28).
(2) رواه الترمذي(2969) التفسير، سورة البقرة، وقال: حسن صحيح، وأبو داود(1479) الصلاة، باب الدعاء، وابن ماجة(3828) الدعاء، باب فضل الدعاء، وقال الألباني في صحيح الجامع(3407) صحيح. 
(3) رواه أحمد 2/362، والبخاري في الأدب المفرد(712) باب فضل الدعاء، وابن ماجة(3829) الدعاء، باب فضل الدعاء، والترمذي(3370) الدعوات، باب فضل الدعاء، وصححه الحاكم في المستدرك1/490، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(549).
(4) تحفة الذاكرين ص30).

(5) رواه الترمذي(3571) الدعوات، باب انتظار الفرج، وضعفه، وانظر الضعيفة(492).
(6) عيون الأخبار لابن قتيبة(2/287).
(7) أخرجه أحمد 2/442، والترمذي(3373)، وابن ماجة(3827) الدعاء، باب فضل الدعاء، وصححه الحاكم(1/491)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(512).

(8) انظر تحفة الذاكرين للشوكاني، ص (31).
(9) العبودية، ص(94-95).
(10) رواه ابن حبان، الموارد: 1939، كتاب الأدب، باب ما جاء في السلام، وكتاب الدعاء(60)، باب العجز في الدعاء، وقال الألباني في صحيح الجامع(1044): صحيح، وانظر الصحيحة(154).
(11) رواه أحمد 3/18، والترمذي(3381) الدعوات، باب ما جاء في أن دعوة المسلم مستجابة، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(5678).

(12) أخرجه البخاري في الأدب المفرد(710)، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد(547): صحيح.
(13) أخرجه أحمد 2/448، والبخاري في الأدب المفرد(711)، والخطابي في شأن الدعاء(9) وقال الألباني في صحيح المفرد (548): صحيح بما قبله.
(14) انظر تحفة الذاكرين ص33).
(15) فتح الباري 11/95).

(16) عيون الأخبار لابن قتيبة(2/286-287).
(17) أخرجه أحمد5/277، وابن ماجة(90) في المقدمة، باب القدر، والترمذي(139) القدر، باب لا يرد القدر إلا الدعاء، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(7687)، وانظر الصحيحة(154).
(18) تحفة الذاكرين ص29).
(19) تحفة الذاكرين ص30).

(20) أخرجه الترمذي(3548) وقال: غريب لا نعرفه إلا من حديث عبدالرحمن بن أبي بكر القرشي، وهو ضعيف في الحديث، ضعفه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وقال الألباني في صحيح الجامع(3409): حسن، وانظر: المشكاة(2234). 

(21) انظر تحفة الذاكرين، ص(28).
(22) أخرجه الطبراني قي الدعاء 2/800(33)، والأوسط (2519)، والحاكم 1/492، والبزاز كما في كشف الأستار للهيثمي 3/29(2165) من طريق زكريا بن منظور الأنصاري قال: حدثني عطاف الشامي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة. قال الحاكم: هذا صحيح الإسناد، وتعقبه الذهبي بأن في سنده زكريا مجمع على ضعفه. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 10/146: فيه زكريا بن منظور، وثقه أحمد بن صالح المصري، وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات. وقال الألباني في صحيح الجامع (7739): حسن، وانظر المشكاة(2234).
وأخرجه أحمد 5/234، والطبراني في الكبير 20/103 (201) من طريق شهر بن حوشب عن معاذ بن جبل بنحوه. قال الهيثمي في المجمع 10/146: وشهر بن حوشب لم يسمع من معاذ، ورواية إسماعيل بن عياش عن أهل الحجاز ضعيفة.

(23) انظر مدارج السالكين لابن القيم، 2/229).
(24) مدارج السالكين، 2/229).
(25) ديوان الشافعي، تحقيق: د. محمد عبدالمنعم خفاجي، ص(109).
(26) ديوان الشافعي، ص(75).
(27) رواه الترمذي (3476) الدعوات، وأبو داود (1481) الصلاة، باب الدعاء بمعناه، وقال الألباني في صحيح الجامع (3988): صحيح.

(28) أخرجه الطبراني في الأوسط(مجمع الزوائد 10/160) عن علي، والديلمي في الفردوس (4791) عن أنس، وانظر سنن الترمذي(486) الصلاة، باب فضل الصلاة على النبي"عن عمر موقوفًا، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (4523).

(29) انظر مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 10/237336 فقد بسط × القول في هذا الدعاء العظيم في إجابة مطولة عن سؤال حول هذا الدعاء.

(30) رواه البخاري (6306) الدعوات، باب أفضل الاستغفار، والترمذي (3393) الدعوات.

(31) رواه البخاري(6339) الدعوات، باب ليعزم المسألة، ومسلم(2678) الذكر والدعاء، باب العزم بالدعاء.
(32) أخرجه الطبراني في الدعاء 2/795 (20)، والعقيلي في الضعفاء الكبير 4/452، وابن عدي في الكامل 7/2621، وغيرهم. من طريق بقية بن الوليد حدثنا يوسف بن السفر عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: قال رسول الله": "إن الله يحب الملحين في الدعاء". قال الحافظ في الفتح 11/95: وأخرج الطبراني في الدعاء بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعًا: "إن الله يحب الملحين في الدعاء".

وقال في تلخيص الحبير 2/95 عن الحديث السابق: تفرد به يوسف بن السفر عن الأوزاعي وهو متروك وحكم عليه الألباني في الإرواء 3/143 بالوضع، وفي السلسلة الضعيفة 2/96 (637) بالبطلان.
(33) أخرجه الترمذي (3382) الدعوات، باب أن دعوة المسلم مستجابة، والحاكم 1/544، والطبراني في كتاب الدعاء (44) و (45) باب الحث على الدعاء في الرخاء، وحسنه الألباني في الصحيحة (593)، وصحيح الجامع(6290). 

(34) رواه مسلم (3009) الزهد في حديث جابر الطويل، وأبو داود(1532).
(35) مسلم (1794) الجهاد والهجرة، باب ما لقي النبي"من أذى المشركين.
(36) رواه البخاري (6343) الدعوات، باب الدعاء مستقبل القبلة، ومسلم (894) الاستسقاء.
(37) البخاري (3960) المغازي، باب دعاء النبي"على كفار قريش.
(38) رواه البخاري (4323) المغازي، ومسلم (2498) فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي موسى الأشعري.
(39) رواه البخاري (4339) المغازي، باب بَعْثِ النبي خالدًا إلى بني جذيمة، والنسائي 8/237 آداب القضاة.
(40) رواه أبو داود (1488) الصلاة، باب الدعاء، والترمذي (3556) الدعوات، وابن ماجة (3865) الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، وقال الألباني ?ي صحيح الجامع (2070): حسن.

(41) انظر تحفة الذاكرين ص44).
(42) رواه البخاري (4323)، ومسلم (2498).
(43) رواه أبو داود (3107) الجنائز، باب الدعاء للمريض، وهو حديث حسن كما في صحيح الجامع(466).
(44) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/3539).
(45) رواه مسلم (202) الإيمان، باب دعاء النبي"لأمته، وبكائه شفقة عليهم.
(46) إحياء علوم الدين، 1/308).

(47) رواه أحمد 6/189، وأبو داود (1482) الصلاة، باب الدعاء، والحاكم 1/539، والطبراني في الدعاء (50) باب ما كان النبي يستحب من الدعاء، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4949).

(48) شأن الدعاء، ص(15).

(49) رواه الترمذي (3385) الدعوات، باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه وقال حسن غريب صحيح، وأبو داود(3984) القراءات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (4723).

(50) مجمع الزوائد 10/210 وقال: إسناد جيد، وحسنه الألباني في صحيح الجامع(6026).

(51) رواه البخاري (6384) الدعوات.

(52) انظر بدائع الفوائد 3/610، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 15/1520).
(53) إحياء علوم الدين، 1/306).
(54) شأن الدعاء ص17).
(55) البخاري (6337) الدعوات، باب ما يكره من السجع في الدعاء.
(56) مجموع الفتاواى، 22/489).
(57) رواه البخاري(6010) الأدب، باب رحمة الناس والبهائم.

(58) انظر تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2/411).
(59) الشسع: أحد سيور النعل وهو الذي يدخل بين الأصبعين، ويدخل طرفه في الثقب الذي في صدر النعل. انظر لسان العرب، 8/180).
(60) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (356) باب ما يقول إذا انقطع شسعه، والترمذي 4/292 الدعوات، وضعفه الشيخ الألباني في الضعيفة (1362)، ولكن الحديث صحيح من قول عائشة موقوفًا عليها -رضي الله عنها-، انظر مسند أبي يعلى (4560) 8/45، وعمل اليوم والليلة (357)، قال الهيثمي في الحديث: رجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبيد الله وهو ثقة. المجمع 10/150). 


المراجع

ar.islamway.net

التصانيف

إسلام   العلوم الاجتماعية