فلا شك أن هذا الاستكبار طرف من الجنون، وشعبة من كفران النعم" (1).
3- الدعاء عبادة: للآية السابقة، وكما جاء عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدعاء هو العبادة» (2).
4- الدعاء أكرم شيء على الله: فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء» (3).
قال الشوكاني في هذا الحديث: "قيل وجه ذلك أنه يدل على قدرة الله تعالى وعجز الداعي".
والأولى أن يقال: أن الدعاء لـمَّا كان هو العبادة، وكان مخَّ العبادة -كما تقدم- كان أكرم على الله من هذه الحيثية، لأن العبادة هي التي خلق الله سبحانه الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]" (4).
5- الدعاء محبوب لله عز وجل: فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «سلوا الله من فضله، فإن الله يحب أن يُسأل» (5).
6- الدعاء سبب لانشراح الصدر: ففيه تفريج الهم، وزوال الغم، وتيسير الأمور، ولقد أحسن من قال:
وإني لأدعو اللهَ والأمـرُ ضيِّقٌ - عليَّ فما ينفكُّ أن يتفرجـا
ورُبَّ فتىً ضاقت عليه وجوهُهُ - أصاب له في دعوة الله مخرجا(6)
7- الدعاء سبب لدفع غضب الله: فمن لم يسألِ الله يغضبْ عليه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لم يسأل الله يغضبْ عليه» (7)، ففي هذا الحديث دليل على أن الدعاء من العبد لربه من أهم الواجبات، وأعظم المفروضات، لأن تجنب ما يغضب الله منه لا خلاف في وجوبه (8).
ولقد أحسن من قال:
لا تسألنَّ بُنَيَّ آدمَ حـاجةً وسل الذي أبوابُهُ لا تحجبُ اللهُ يغضبُ إن تركت سؤالَه وبُنيُّ آدمَ حين يُسألُ يغضبُ
8- الدعاء دليل على التوكل على الله: فَسِرُّ التوكل على الله وحقيقتُهُ هو اعتماد القلب على الله وحده.
وأعظم ما يتجلى التوكل حال الدعاء، ذلك أن الداعي حال دعائه مستعين بالله، مفوض أمره إليه وحده دون سواه، ثم إن التوكل لا يتحقق إلا بالقيام بالأسباب المأمور بها، فمن عطَّلها لم يصح توكله، والدعاء من أعظم هذه الأسباب إن لم يكن أعظمها.
9- الدعاء وسيلة لكبر النفس وعلو الهمة: فبالدعاء تكبر النفس وتشرف، وتعلو الهمة وتتسامى، ذلك أن الداعي يأوي إلى ركن شديد، ينزل به حاجاته، ويستعين به في كافة أموره، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدي الخلق، فيتخلص من أسرهم، ويتحرر من رقهم، ويسلم من مِنَّتِهم، فالمنة تصدع قناة العزة، وتنال نيلها من الهمة.
وبالدعاء يسلم من ذلك كله، فيظل مهيب الجناب، موفور الكرامة، وهذا رأس الفلاح، وأسُّ النجاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكلما قوي طمع العبد في فضل الله ورحمته لقضاء حاجته ودفع ضرورته، قويت عبوديته له، وحريته مما سواه، فكما أن طمعه في المخلوق يوجب عبوديته له، فيأسه منه يوجب غنى قلبه عنه" (9).
10- الدعاء سلامة من العجز، ودليل على الكياسة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسلام» (10)، فأضعف الناس رأيًا، وأدناهم همة، وأعماهم بصيرة من عجز عن الدعاء، ذلك أن الدعاء لا يضره أبدًا، بل ينفعه.
11- ثمرة الدعاء مضمونة بإذن الله: فإذا أتى الداعي بشرائط الإجابة فإنه سيحصل على الخير، وسينال نصيبًا وافرًا من ثمرات الدعاء ولابد.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من أحد يدعو بدعاء إلا آتاه الله ما سأل، أو كف عنه من سوء مثله، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم» (11).
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من مسلم يدعو، ليس بإثم ولا بقطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يدفع عنه من السوء مثلها»، قال: إذًا نكثر، قال: «الله أكثر» (12).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن ?لنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم ينصب وجهه إلى الله، يسأله مسألة إلا أعطاه إياها، إما عجلها له في الدنيا، وإما ذخرها له في الآخرة ما لم يعجل»، قالوا: يا رسول الله، وما عَجَلَتُه؟ قال: «يقول: دعوتُ دعوت، ولا أراه يستجاب لي» (13).
ففي ما مضى من الأحاديث دليل على أن دعاء المسلم لا يهمل، بل يعطى ما سأله، إما معجلاً، وإما مؤجلاً، تفضلاً من الله جل وعلا (14).
قال ابن حجر: "كل داع يستجاب له، لكن تتنوع الإجابة، فتارة تقع بعين ما دعا به، وتارة بعِوَضِهِ"(15).
قال بعضهم في وصف دعوة:
وساريةٍ لم تَسْـر في الأرض تبتـغي محلاً ولم يَقْطَعْ بها البيـد قاطعُ سرت حيث لم تَسْر الركاب ولم تُنِخْ لوردٍ ولم يَقْصُرْ لها القيدَ مانعُ تَحُلُّ وراءَ الليلِ والليلُ ساقـــطٌ بأرواقه فيه سميرٌ وهاجــعُ تَفَتَّحُ أبواب السمـاءِ ودونـها إذا قـرع الأبوابَ مِنْهُنَّ قارعُ إذا أوفدت لم يَرْدُدِ اللهُ وفدَهـــا على أهلها والله راءٍ وســامعُ وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظنِّ ما اللهُ صانع(16)
12- الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله: قال عليه الصلاة والسلام: «ولا يرد القدر إلا الدعاء» (17).
قال الشوكاني عن هذا الحديث: "فيه دليل على أنه سبحانه يدفع بالدعاء ما قد قضاه على العبد، وقد وردت بهذا أحاديث كثيرة" (18).
وقال: "والحاصل أن الدعاء من قدر الله عز وجل فقد يقضي على عبده قضاءً مقيدًا بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه" (19).
13- الدعاء سبب لرفع البلاء بعد نزوله: قال صلى الله عليه وسلم: «من فتح له منكم باب الدعاء فتحت له أبواب الرحمة، وما سئل الله شيئًا يعطى أحبَّ إليه من أن يسأل العافية، إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء» (20).
ولهذا يجدر بالعبد إذا وجد من نفسه النشاط إلى الدعاء والإقبال عليه أن يستكثر منه، فإنه مجاب، وتقضى حاجته بفضل الله، ورحمته، فإنَّ فَتْحَ أبواب الرحمة دليل على إجابة الدعاء (21).
وقال: «لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، وإن الدعاء ليلقى البلاء فيعتلجان إلى يوم القيامة» (22). ومعنى يعتلجان: أن يتصارعان، ويتدافعان.
14- الدعاء يفتح للعبد باب المناجاة ولذائذها: فقد يقوم العبد لمناجاة ربه، وإنزال حاجاته ببابه فَيُفْتَح على قلبه حال السؤال والدعاء من محبة الله، ومعرفته، والذل والخضوع له، والتملق بين يديه ما ينسيه حاجته، ويكون ما فتح له من ذلك أحبَّ إليه من حاجته، بحيث يحب أن تدوم له تلك الحال، وتكون آثر عنده من حاجته، ويكون فرحه بها أعظمَ من فرحه بحاجته لو عجلت له وفاته تلك الحال (23).
قال بعض العُبَّاد: "إنه لتكون لي حاجةٌ إلى الله، فأسأله إياها، فيفتح لي من مناجاته، ومعرفته، والتذلل له، والتملق بين يديه ما أحبُّ معه أن يُؤخِّر عني قضاءها، وتدوم لي تلك الحال" (24).
15- حصول المودة بين المسلمين: فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم في ظهر الغيب استجيبت دعوته، ودل ذلك على موافقة باطنه لظاهره، وهذا دليل التقوى والصدق والترابط بين المسلمين، فهذا مما يقوي أواصر المحبة، ويثبت دعائمها، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96]، يعني: يَوَدُّن، ويُوَدُّن، يُحِبُّن، ويُحَبُّن، والدعاء بلا شك من العمل الصالح.
16- الدعاء من صفات عباد الله المتقين: قال جلَّ شأنه عن أنبيائه عليهم السلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء:90]، وقال عن عباده الصالحين: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10]، إلى غير ذك من الآيات في هذا المعنى.
17- الدعاء سبب للثبات والنصر على الأعداء: قال تعالى عن طالوت وجنوده لما برزوا لجالوت وجنوده: {قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة:250]، فماذا كانت النتيجة؟ {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ} [البقرة:251].
18- الدعاء مَفْزَعُ المظلومين، وملجأ المستضعفين: فالمظلوم أو المستضعف إذا انقطعت به الأسباب، وأغلقت في وجهه الأبواب، ولم يجد من يرفع عنه مظلمته، ويعينه على من تسلط عليه وظلمه، ثم رفع يديه إلى السماء، وبث إلى الجبار العظيم شكواه نصره الله وأعزه، وانتقم له ممن ظلمه ولو بعد حين.
ولهذا دعا نوح عليه السلام على قومه عندما استضعفوه، وكذَّبوه، وردُّوا دعوته.
وكذلك موسى عليه السلام دعا على فرعون عندما طغى، وتجبر، وتسلط، ورفض الهدى ودين الحق، فاستجاب الله لهما، وحاق بالظالمين الخزي في الدنيا، وسوء العذاب في العقبى.
وكذلك الحال بالنسبة لكل من ظُلِم، واستُضْعِف، فإنه إن لجأ إلى ربه، وفزع إليه بالدعاء أجابه الله، وانتصر له وإن كان فاجرًا.
قال الإمام الشافعي وما أجمل ما قال:
وربَّ ظلومٍ قد كفيت بحربـــه فأوقعه المقدور أيَّ وقـوعِ فما كان لي الإسلامُ إلا تعبــدًا وأدعيــةً لا تُتَّقى بدروع وحسبك أن ينجو الظلومُ وخلفـه سهامُ دعاءٍ من قِسيِّ ركوع مُرَيَّشة بالهدب من كل ساهـــرٍ منهلة أطرافها بدمـــوع(25)
وقال:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاءُ سهام الليل لا تخطي ولكن لها أمدٌ وللأمد انقضاءُ(26)
19- الدعاء دليل على الإيمان بالله، والاعتراف له بالربوبية، والألوهية، والأسماء والصفات: فدعاء الإنسان لربه متضمن إيمانه بوجوده، وأنه غني، سميع، بصير، كريم، رحيم، قادر، مستحق للعبادة وحده دون من سواه.
الثانية: من جهة كيفيته:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
أما كيفية الدعاء من ناحية الهيئة الجسمية، والأقوال المسنونة في الافتتاح والانتهاء، وما جرى مجرى ذلك يحتاج إلى بسط وإطالة، وإليك شيئاً من ذلك:
1- الثناء على الله قبل الدعاءِ، والصلاة على النبي: فعن فضالة بن عبيد قال: بينما رسول الله قاعدًا إذ دخل رجل، فصلى فقال: اللهم اغفر لي، وارحمني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله، وصلِّ علي ثم ادعه»، ثم صلى رجل آخر بعد ذلك، فحمد الله، وصلى على النبي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أيها المصلي ادع تُجب» (27)، وقال عليه الصلاة والسلام: «كل دعاءٍ محجوب، حتى يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم» (28).
2- الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة: ولذلك فإن دعاء يونس عليه السلام من أعظم الأدعية إن لم يكن أعظمها، وما ذلك إلا لأنه ضمنه اعترافه بوحدانية الله عز وجل ،وإقراره بالذنب والخطيئة والظلم للنفس، كما قال تعالى عنه: {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْ?ُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87] (29).
وكذلك الحال بالنسبة للدعاء العظيم المسمى بسيد الاستغفار، والذي يعد أفضل صيغ الاستغفار، ومن أسباب أفضليته أنه تضمن الإقرار بالذنب، والاعتراف بالخطيئة، كما جاء في حديث شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
من قالها في النهار موقنًا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة» (30).
3- التضرع والخشوع، والرغبة والرهبة: قال تعالى عن أنبيائه عليهم السلام: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء: 90].
4- الجزم في الدعاء، والعزم في المسألة: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: «لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم المسألة، فإنه لا مُسْتَكْرْهَ له» (31).
5- الإلحاح بالدعاء: فهو من الآداب الجميلة، التي تدل على صدق الرغبة فيما عند الله عز وجل ثم: «إن الله يحب الملحين في الدعاء»، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها (32).
6- الدعاء في كل الأحوال: وذلك في الشدة والرخاء، وفي المنشط والمكره، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرَب فليكثر من الدعاء في الرخاء» (33).
7- تجنب الدعاء على الأهل، والمال، والنفس: لأن الدعاء يقصد منه جلب النفع ودفع الضر، والدعاء على الأهل، والمال، والنفس لا مصلحة وراءه، بل هو ضرر محض على الداعي نفسه، فماذا سيجني من فساد أهله، وماله، ونفسه؟
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم» (34).
8- الدعاء ثلاثًا: كما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود الطويل، وفيه: فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته رفع صوته، ثم دع? عليهم، وكان إذا دعا دعا ثلاثًا، ثم قال: «اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش» (35).
9- استقبال القبلة: فعن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: "خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المصلى يستسقي، فدعا، واستسقى، ثم استقبل القبلة وقلب رداءه" (36).
وفي البخاري: "استقبل رسول الله الكعبة فدعا على قريش" (37).
10- رفع الأيدي في الدعاء: قال أبو موسى الأشعري: "دعا النبي صلى الله عليه وسلم ثم رفع يديه، ورأيت بياض إبطيه" (38).
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: رفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: «اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد» (39).
وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم تبارك وتعالى حييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردها صفرًا خائبتين» (40).
ورفع اليدين إنما يكون في الدعاء العام، وما ورد الدليل على مشروعية رفع اليدين فيه، كرفع اليدين في الدعاء عند الصفا والمروة، وفي الاستسقاء يوم الجمعة ونحو ذلك، لأن هناك أدعية لا ترفع فيها الأيدي مثل دعاء دخول المنزل، والخروج منه، ودخول الخلاء، والخروج منه.
11- السواك: ووجه ذلك أن الدعاء عبادة باللسان، فتنظيف الفم عند ذلك أدب حسن، ولهذا جاءت السنة المتواترة بمشروعية السواك للصلاة، والعلة في ذلك تنظيف المحل الذي يكون الذكر به في الصلاة (41).
12- أن يقدم بين يدي دعائه عملاً صالحًا: كأن يتصدق، أو يحسن إلى مسكين، أو يصلي ركعتين، أو يصوم، أو غير ذلك، ليكون هذا العمل وسيلة إلى الإجابة.
ويدل على ذلك حديث الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة في الغار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عنهم أن كل واحد منهم توسل بأعظم أعماله التي عملها لله عز وجل فاستجاب الله دعاءهم، وارتفعت عنهم الصخرة، وكان ذلك بحكايته سنة لأمته.
13- الوضوء: كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، لما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من حنين، وفيه قوله: "فدعا بماء، فتوضأ، ثم رفع يديه، فقال: «اللهم اغفر لعبيد بن عامر»، ورأيت بياض إبطيه" (42).
14- أن يكون غرض الداعي جميلاً حسنًا: كأن يتوسل الداعي إلى الله فيما أجاب دعوته أنه سيترتب على تلك الإجابة عمل صالح، كأن يقول آمين: اللهم ارزقني مالاً، لأسلطه على هلكته في الحق، ولأنصر به دين الإسلام، أو: اللهم ارزقني علمًا، كي أعلم العباد دين الله، وأنشر ال?ير بينهم، أو: اللهم ارزقني زوجة، لأتعفف بها عن المحارم وهكذا...
ويشير إلى ذلك قوله تعالى عن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي . وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يَفْقَهُوا قَوْلِي . وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي . كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا . وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا . إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا} [طه: 25- 35].
فماذا كانت النتيجة؟ لقد أجاب الله سؤله، ومنَّ عليه مرة أخرى.
ويشير إليه أيضًا حديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء الرجل يعود مريضًا فليقل: اللهم اشفِ عبدَك فلانًا، ينكأْ لك عدوًّا، أو يمشي لك إلى الصلاة» (43).
15- الطموح وعلو الهمة: فمن الآداب التي يحسن بالداعي أن يتحلى بها أن يكون طموحًا، ذا نفس كبيرة، وهمة عالية، راغبًا فيما عند الله من عظيم الثواب.
ويومئ إلى هذا المعنى دعاء نبي الله سليمان عليه السلام عندما قال كما أخبر الله عنه: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص: 35].
فنبي الله سليمان عليه السلام حصل منه ما حصل عندما آلى أن يطوف على نسائه جميعًا، لتلد كل واحدة منهن مجاهدًا يجاهد في سبيل الله، ولم يستثنِ عليه السلام ولم يقل: إن شاء الله (44).
وعندما أدرك ما وقع فيه لم يكتف بأن يسأل الله المغفرة فحسب، ولكنه لكبر نفسه، وعلو همته، وعلمه بسعة فضل ربه سأله مع ذلك أن يهب له ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده
|