الإنسان الموحد الذي ليس عنده شائبة من شوائب الشرك لكن لديه معاصي وذنوب، فهل هذا آمن؟
الأمر فيه تفصيل، ولذلك شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله يفصل لنا شيئاً من هذا:
قال الشارح: ' ' قال شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله تعالى: والذي شق عليهم: أنهم ظنوا أن الظلم المشروط عدمه هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فبين لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما دلهم على أن الشرك ظلمٌ في كتاب الله، فلا يحصل الأمن والاهتداء إلا لمن لم يلبس إيمانه بهذا الظلم، فإن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والاهتداء، كما كان من أهل الاصطفاء في قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر:32].
وهذا لا ينفي أن يؤاخذ أحدهم بظلمه لنفسه، بذنب إذا لم يتب، كما قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة:7-8].
وقد سأل أبو بكر الصديق رضي الله عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: {يا رسول الله
أيّنا لم يعمل سوءاً؟ فقال: يا أبا بكر ! ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ أليس يصيبك الَّأواء؟ فذلك ما تجزون به } فبين أن المؤمن الذي إذا مات دخل الجنة قد يجزى بسيئاته في الدنيا بالمصائب.
فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة: الشرك، وظلم العباد، وظلمه لنفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء مطلقاً.
بمعنى: أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك في الآية الأخرى، وقد هداه الله إلى الصراط المستقيم الذي تكون عاقبته فيه إلى الجنة، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء، بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه.
وليس مراد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {إنما هو الشرك } أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن: تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف، لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام الذي يكونون بهما مهتدين إلى الصراط المستقيم، صراط الذين أنعم الله عليهم، من غير عذاب يحصل لهم، بل معهم أصل الاهتداء إلى هذا الصراط، ومعهم أصل نعمة الله عليهم، ولا بد لهم من دخول الجنة.
وقوله: { إنما هو الشرك } إن أراد الأكبر فمقصوده: أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وُعد به المشركون، من عذاب الدنيا والآخرة، وإن كان مراده جنس الشرك، يقال: ظلم العبد نفسه، كبخله - لحب المال - ببعض الواجب، هو شرك أصغر، وحبه ما يبغضه الله تعالى، حتى يقدم هواه على محبة الله شرك أصغر، ونحو ذلك، فهذا فاته من الأمن والاهتداء بحسبه، ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب في هذا الشرك بهذا الاعتبار، انتهى ملخصاً '.
أقول: كلام شَيْخ الإِسْلامِ عظيم جداً، وقد لا نستوعب فهمه كله، ولكن نلخص القضايا الأساسية.
أولاً: نفهم أن الإنسان الذي يحقق التوحيد، والذي وعده الله تبارك وتعالى بالأمن والاهتداء، هو الذي لم يلبس ولم يخلط إيمانه بظلم، ولا يعني ذلك أن يحصل الاهتداء التام والأمن التام له إذا كان لديه معاصي وذنوب وكبائر.
لأن الأمن التام والاهتداء التام لا يكون إلا لمن سلم من الشرك، ومن الذنوب والمعاصي.
وأما من حقق التوحيد وسلم من الشرك -والآن نأخذ الشرك على أنه الشرك الأكبر حتى لا تختلط الأفهام- ولكنه ارتكب الذنوب والمعاصي، فهل هذا آمن أم خائف؟
نقول: هذا له أمن ناقص، واهتداء ناقص، والذي أنقص أمنه وأنقص اهتداءه هو الذنوب والمعاصي، فهي تؤثر وإن كان محققاً ومستكملاً للتوحيد، لأن لها أثراً وعلاقة، كما سنوضح ذلك إن شاء الله تبارك وتعالى.
ومن الذي ليس له أمن ولا اهتداء بالإطلاق؟
هو المشرك الذي أشرك بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [المائدة:72] فهذا ليس له أمن، ولا اهتداء لا في الدنيا ولا في الآخرة.
إذاً من حقق التوحيد، وقام بحقوق التوحيد، بأداء الفرائض وترك ما حرم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ له الأمن والاهتداء التامين بإذن الله.
المراجع
www.alhawali.com/index.cfm?method=home.SubContent&contentID=1332
التصانيف
فتاوى
|