جاءت دراسة الطلاق كمساهمة أولية في مجال الدراسات والأبحاث النسوية المتخصصة بقضايا المرأة ومشاكلها الاجتماعية، حيث تعطي مؤشرات ملموسة لبعض القضايا المتعلقة بالطلاق والتي لابد من دراستها وتحليلها حتى لا تكون تلك المؤشرات تعميمات... خاصة، ان الأبحاث الميدانية المتعلقة بهذا الجانب تحديدا وبالمشاكل الاجتماعية النسوية عامة، نادرة جدا. فكان هذا اعتبارنا الأول، الى جانب ما توارد الى أسماعنا من أحاديث متداولة حول وجود هذه المشكلة في عدة تجمعات سكانية، ومنها مدينة البيرة كتجمع سكاني صغير. وهناك اعتبار آخر مهم هو نظرة المجتمع للطلاق كظاهرة هامة تعاني منها كافة المجتمعات، لما يترتب عليها من آثار سلبية ومخاطر حقيقية تؤثر على المرأة والأسرة وتغرق المجتمع بأكمله في مشاكل عديدة تهدد مسيرته وتعيق من تقدمه وتطوره على كافة الأصعدة. كون أن العلاقة الزوجية والأسرية الخالية من المشاكل، تترك آثار ايجابية على المجتمع والاسرة مما يساهم في نمو العلاقات الاجتماعية والاسرية بشكل أفضل ويفسح المجال لابداع الأفراد والجماعات في جوانب الحياة المختلفة. وتهدف هذه الدراسة الى معرفة خلفية الطلاق وأسبابها وما يترتب عليها، وكيفية التعامل معها من وجهة نظر قانون الأحوال الشخصية ووجهة نظر العادات والتقاليد الاجتماعية، من جهة أخرى. والوقوف على التغيرات الاجتماعية إزاء هذه المشكلة. * الطلاق كمشكلة إجتماعية تعريف الزواج: الزواج في الاسلام عقد ديني صرف تترتب عليه حقوق وواجبات، وله أهمية كبرى في رفاهية الانسان لما يحويه من نقاء وصفاء، وبالرغم من صفة القداسة لعقد الزواج فقد رأى الشرع الاسلامي في ظروف استشنائية ضرورة ترك الباب مفتوحا لفصم عرى الزواج مبيحا الطلاق واعتباره ضرورة اجتماعية وإن كان أبغض الحلال الى الله، ووضع شروطا وقيودا يجب على الطرفين الالتزام بها. حيث أن الطلاق ليس من الظواهر الاجتماعية المحبذة في الدين الاسلامي، وهو ممنوع عند بعض الكنائس المسيحية كالطائفة الكاثوليكية تحت طائلة الحرمان من عضوية الكنسية. حيث \"ان ما يجمعه الله لا يفرقه الناس\". ولكن في بعض الأحيان يسمح بالطلاق في حالة الخيانة الزوجية عند بعض المذاهب المسيحية الأخرى، ولكن الطلاق ــ وان كانت هناك معارضة اجتماعية ودينية له ـ هو إنعكاس لحقيقية العلاقات الزوجية التي لا يمكن ان يكتب لها الوفاق، أي ان الطلاق وان كان في بعضه استعلائيا على المرأة وظالما لها أو مخالفا للدين وتعاليمه، فهو أيضا المخرج الوحيد لزواج فشل وتحطم وعلاقة فقدت الأمل في الاستمرار والتوفيق، أي انه يجب النظر الى الطلاق على أنه ظاهرة اجتماعية مرافقة للزواج والاسرة في بعض الاحيان.(1). صحيح أن الزواج وجد بين الزوجين على أساس الاستمرار في الحياة بينهما، فاستمرارية العلاقة الزوجية هو الأفضل لطبيعة الانسان والأوفق لحياة العائلة والأولى بأفراد الاسرة، فالعلاقة الودية بين الزوجين من جهة وتدبير أمور حياتهما ومحبة الأقارب لهما، كان هذا يساعد على أن يكون الزواج عقدا مستمرا. مع ذلك فمن العبودية بقاء المرأة تحت سلطة رجل كرهته. وكذلك إشتراط المرأة على الرجل على ان لاتنفصل عنه ولو وصلت الأمور بينهما الى حد الكراهية فهذا الأمر لا يجوز أبدا. فالطلاق يصبح في بعض الاحيان ضرورة اجتماعية ولكن ينبغي ان يوضع تحت شروط وقواعد حيث لا يكون لمجرد العاطفة أثرا فيه، فيجب حتما أن لا يقع الطلاق إلا امام القاضي أولا، لينظر هل فيه إكراه وضرر وثانيا ليكون هناك وقت بين الطلب ووقوعه ليتمكن فيه الزوجان من التروي والتفكير، وهذا يعني عدم وقوع الطلاق بين الزوجين الا في حالة تعذر العيش واستحالته بينهما، نتيجة لوجود مشاكل مستعصية ولا يوجد وسيلة لحلها إلا الانفصال، ولان العلاقة الزوجية اذا استحالت تحولت حياة الأسرة الى جحيم لا يطاق وينعكس هذا على الزوجة والأطفال وما يتبع ذلك من تشتت للعائلة وتشرد الأطفال وضياع الأسرة، \"فالطلاق\" من أخطر المشاكل الاجتماعية على الأطفال حيث ينطبع تأثير الطلاق في أذهان الأطفال طوال حياتهم ومن أحدى الحكايات: حادثة طلاق أم طفل إنطبعت في ذهنه الذي اصبح رجلا وما زال هذا الحدث يسيطر على حياته وكيف أن أمه حين تركته وهي متوجهة الى بيت ابيها قالت له: \"لاتضرب زوجتك أبدا، واذا لم ترني بعد الان لا ترفع يدك على امرأة في يوما ما\" ولقد كان هذا الطفل مشدوها أمام امه التي تعبت من تلقي الضربات من زوجها وان ذلك كان يحصل مرار في البيت، وظل كل شيء مرسوما في ذكراته وهو حتى الان يتردد في مصافحة أي رجل طلق زوجته(2). فالطلاق ليس سهلا على المرأة وقد يؤدي الى حرمانها من أطفالها وحقها في العيش بحرية في ظل أسرة سعيدة وكذلك قد تؤدي الى انحلال الاسر وتفككها في انحلال المجتمع بأسره. ولقد أباحت جميع الأمم المتحضرة للمرأة لأن تطلب الطلاق اذا ساءت معاملة زوجها لها واستحالت الحياة بينهما وكرهته، لذلك جاءت ضرورة الطلاق بينهما ولكن استخدام هذه الضرورة لمجرد الاساءة للرجل او المرأة لا يعتبرعملا صحيا نفسيا واجتماعيا حيث تهدر انسانية المرأة، فالمرأة المطلقة في الزواج كأي سلعة ينخفض ثمنها اذا استعملت من قبل، وبما ان نادرا ما ترفض المرأة الزواج، بل تسعى اليه، لأنه الشكل الوحيد والشرعي والقانوني والأخلاقي الذي يمكن من خلاله ان تعيش إقتصاديا ( اذا لم يكن لها عمل او ايراد) وتحمى إجتماعيا (المرأة غير المتزوجة متهمة دائما) وترضى جنسيا، بالأضافة الى أن الزواج إكتسب نوعا من الحماية الاجتماعية والدينية(3). اذن الطلاق والزواج قضيتين ضروريتن إجتماعيا، يتصلان ببعضهما إتصالا وثيقا، ولا يمكن الانتقاض من دراستهما، وضرورة كشف النقاب عنهما حتى نتمكن من التعرف على المشاكل الاجتماعية الناجمة عنهما. وتبعا لذلك يحق للمرأة ان تطالب بالطلاق اذا كانت ترى في ذلك خلاصها من مشاكلها الزوجية، لكن لا زال قانون الأحوال الشخصية يقيد المراة في ذلك، فلا تستطيع الحصول علية الا بموافقة الزوج، وفي أحيان كثيرة التجبر واذلال الزوجة واستمرار الزوج في العناد والتمرد، لاحبا لها، بل قهرا واعتداءا على انسانيتها وحقوقها، ويستطيع بذلك التحايل على القانون باساليب متعددة، منها مثلا استخدام \"بيت الطاعة\" كحق من حقوقه لاضطهاد المرأة واذلالها. فالطلاق من الممكن ان يصبح مشكلة اجتماعية تعاني منها المرأة (كما سيتضح من خلال الحالات المبحوثة لاحقا) بالدرجة الأولى وما لا شك فيه ان مشاكل المرأة متعددة ومختنلفة وتختلف باختلاف طبقتها الاجتماعية، وتزيد المشاكل فيها جميع النساء وهي مآساة الزواج والطلاق، حيث لا يحق للمرأة ان تتخذ قرار الزواج لوحدها، بل يتم بناء على رغبة العائلة وكذلك الطلاق فهناك مشاكل تواجهه المرأة عند تعرضها للطلاق وتعرضها لاجحاف تطبيقات قوانين الأحوال الشخصية والقانونية. * أسلوب الدراسة الأسلوب المتبع في هذه الدراسة، هو دراسة الحالة عن طريق المقابلة الشخصية للنساء المطلقات في مدينة البيرة (4). لقد تم جمع المعلومات عن هؤلاء النساء من خلال سجلات المحكمة الشرعية في مدينة رام الله، وتم أخذ اسماء واعداد المطلقات من تلك السجلات لسنوات (88،89، و90) كان عددهن في تلك السنوات (63) حالة طلاق وقد أجريت الدراسة على ثلاثين حالة فقط. المعلومات وفق ما جمعت من المطلقات : لقد تم جمع المعلومات من المطلقات عن طريق المقابلة الشخصية وطرح أسئلة مفتوحة تمثلت بما يلي: 1- اسئلة تتعلق بالزواج والطلاق. 2- أسئلة حول طبيعة العلاقة الزوجية. 3- أسئلة متعلقة بقضايا النفقة والحضانة وبيت الطاعة. 4- أسئلة حول الأوضاع الاجتماعية والأسرية. 5- أسئلة تتطرق الى نظرة المرأة المستقبلية بعد الطلاق ونظرة المجتمع لها. منطقة البحث (مدينة البيرة): إختياري للمدينة لم ينجم عن تخطيط مسبق، ولكن من خلال الأحاديث المتداولة بين النساء في تلك المدينة حول موضوع الطلاق، دفعني لدارسة هذه المشكلة في تلك المدينة الصغيرة كمدخل لدراسة شاملة عن موضوع الطلاق. والمثير للاهتمام وجود خصوصية للمدنية في قضية الطلاق، ناجمة عن هجرة الأزواج الى الخارج (تحديدا امريكا) مما كان سببا في وقوع الطلاق بين النساء في تلك المدينة، وذلك نتيجة لرغبة الزوج الحصول على الجنسية الامريكية للعيش هناك، مما يضطره الى طلاق زوجته والزواج من اجنبية، كون ان القانون الأمريكي لا يبيح للرجل الجمع بين زوجتين في آن واحد. الحالات المدروسة: تم دراسة (30) حالة من جموع الحالات التي كان عددها (63) التي استطعت مقابلتها، وقد حصلت على عناوين هؤلاء النساء عبر جولات عشوائية كنت أقوم بها، حيث زرت عدة بيوت في المدنية لأستدل على العنواين المرجوة، مكنني ذلك من وصول منازل بعض النساء المطلقات، وعبر هذه الزيارات التي كنت أجري فيها المقابلات، كنت أستعرض الأسماء التي بحوزتي عليهن، بهذه الطريقة تمكنت من الحصول على عدد آخر من عناوين النساء المطلقات، وعن طريق آخر كان من خلال علاقات شخصية بمدينة البيرة استطعت الحصول على بقية العناوين. والعدد المتبقي من الحالات لم أستطع مقابلته للأسباب التالية: 1- مشكلة الحصول على عناوين وأماكن سكن هؤلاء النساء. 2- عدم تعاون السكان في مدينة البيرة في اعطاء عناوين هؤلاء النساء تخوفا من أهداف الباحث ولحاسية الموضوع في المجتمع. 3- زواج عدد منهم مرة أخرى، وسفر أخريات الى الخارج بعد الطلاق، وقسم منهن من سكان الولايات المتحدة. * الأوضاع الاجتماعية العامة للبمحوثات: المستوى الاجتماعي الاقتصادية: بناء على الخلفية الاجتماعية قسمت العينة الى (عالي، متوسط،متدني)، بناء على الاسس التالية: - ملكية الأرض - الدخل الشهري - عقارات أخرى (محلات تجارية .. الخ). حيث كانت الخلفية للنساء المطلقات: (3) مطلقات من المستوى الاجتماعي العالي، (22) مطلقة من المستوى المتوسط و(5) من المتسوى المتدني واللواتي إنحدرن من أسرؤ عمالية فقيرة. وعن الخلفية الاجتماعية لأزواج هؤلاء النساء فقد تمثلت (6) أزواج من المستوى العالي و(19) من المستوى المتوسط و(5) من المتسوى المتدني وهؤلاء أيضا من أسر عمالية فقيرة. كذلك الأمر بالنسبة للنساء والرجال الذين تمثلوا بالحالات من المستوى المتوسط، فقد إنحدروا أيضا من أسر عمالية فقيرة. وقد كانت طريقة زواج هؤلاء النساء بمعظمها تقليدي \"عن طريق الأهل والمعارف والأقارب\" باستثناء حالة واحدة من الحالات تزوجت بناء على معرفة شخصية بينها وبين الزوج. الدرجة العلمية للزوجين: ترواح التحصيل العلمي لمجموع الحالات ما بين (أمية، ابتدائي تعليم متوسط، تعليم عالي)، وتشير الدراسة أن الغالبية العظمى منهن وعددهن (25 حالة) حصلت على تعليم متوسط (مرحلة إعدادية وثانوية) و(3 حالات) حصلن على درجة علمية متدنية (أمية إبتدائي) وحالتين على درجة عالية (دبلوم، جامعة). أما عن الدرجة العملية لأزواجهن فقد كانت كالتالي: (9) نساء من المبحوثات تحصيل ازواجهن العلمي متدني، ترواح ما بين أمي وإبتدائي، و(19) حصلوا على درجة علمية متوسطة (إعدادي وثانوي) و(2) حصلا على درجة علمية عالية (دبلوم، جامعة)، يلاحظ هنا ان نسبة كبيرة من أزواجهن، حصلوا على درجة علمية متوسطة. العمل المهني للزوجين: الغالبية العظمى من المبحوثات هن ربات بيوت ومثلث في الحالات (27) مبحوثة باسثناء (3) حالات، إحداهن مدرسة والأخرى طالبة والثالثة موظفة. أما مهنة الازواج، هناك (12) زوجا مهنهم عمال وباعة في محلات تجارية و(9) ازواج من أصحاب المحلات التجارية و(4) يعملون سائقي سيارات وشاحنات و(3) عاطلون عن العمل وإثنان موظفان في مؤسسات . الفترة الزمنية للحياة الزوجية: تبين من خلال الدراسة ان فترة الحياة الزوجية لهؤلاء النساء قصيرة جدا، حيث ترواحت ما بين (3 الى 12 شهر)، ومن (12 الى 24 شهر). ومن (2-5 سنوات) حيث ثمتلت الغالبية العظمى وعددها (25) حالة بالفئة من (شهر الى 12 شهر) و(3) حالات فقط أمضين فترة زمنية من حياتهن الزوجية تترواح بين (2-5) سنوات وحالتان كانت فترة حياتهما الزوجية تتراوح من (20-3). الانجاب: أما من حيث الانجاب، تشير الحالات ان هناك (5) نساء منجبات و(25) غير منجبات، ومن بين ال(25) حالة، إتضح أن (3) منهن كان سبب طلاقهن عدم الانجاب، و(22) حالة لم ينجبن لقصر الفترة الزمنية للحياة الزوجية كما ذكرنا سابقا، او بسبب سفر الزوج بعد زواجه مباشرة وهجره لزوجته. العمر الزمني للزوجين: وبالنسبة لأعمار الزوجين عند الزواج، فقد ترواحت أعمار النساء ما بين (14-18 سنة) وتمثلت ب(19) حالة ومن (18-21 سنة) تمثلت ب(4) حالات فمن (21 فما فوق) تمثلت ب(7 حالات). وعن أعمار أزواج النساء المطلقات كانت كالتالي : من (18-20) تمثلت ب (11 حالة) ومن (21 فما فوق) تمثلت في (19) حالة. * الطلاق التفكير والمبادرة بطلب الطلاق: أشارت الدراسة لوجود (23) حالة طلاق من بين المبحوثات، بادرن بطلب الطلاق و(7) مبحوثات تم طلاقهن دون رغبتهن. الحصول على الطلاق: حصلت معظم النساء المبحوثات على الطلاق مقابل تنازلهن عن كامل حقوقهن الزوجية وإمتلاك حريتهن، هؤلاء من النساء الللواتي بادرن بالطلاق. ولكن النساء اللواتي تم طلاقهن دون رضاهن فقد لجأن الى القضاء ولم يتنازلن عن حقوقهن، ولكن لم يحصلن عليها لاعتبارات وأسباب \"مقنعة لدى المحكمة\" والتي كان يطرحها الزوج مثل إتهامها بقضايا أخلاقية وفقدانها لعذريتها قبل الزواج. أما الفترة الزمنية التي استغرقت في سبيل الحصول على الطلاق، فقد كانت كالتالي11) مطلقة حصلن على الطلاق خلال أشهر معدودة و(12) خلال أسبوع و(7) مطلقات إستغرقهن ذلك مدة سنة وأكثر. نيل حقوق الزوجة بعد الطلاق: ويقصد بها الحقوق المثبتة بقانون الاحوال الشخصية والمتمثلة بالنفقة، حضانة، مهر مؤجل، توابع مهر ما يخصهن من ممتلكات. كما قلت سابقا ان معظم النساء تم حصولهن على الطلاق مقابل \"الابراء التام\"، أي تنازل عن كامل حقوقهن الزوجية، وما يخص النفقة الزوجية، فقد وجد في الحالات ان معظم النساء لم يطالبن بالنفقة عبر القضاء إطلاقا والبعض منهن تمثل بـ (8) مبحوثات توجهن للقضاء ولكن لم يحصلن على النفقة، رغم ان الشرع الاسلامي يمنح حق النفقة للزوجة ولأطفال، وفق الشروط المنصوص عليها شرعا. والحالات التي تستحق النفقة فعلا لوجود أطفال لديهن وتنطبق عليها الشروط، تمثلت ب(5) حالات. و(3) حالات تضررت من جراء الطلاق وتمثل الضرر، بفقدان المرأة أطفالها وبيتها وواحدة لكونها عاقر، تخسر فرصة الزواج مرة أخرى. وعن حضانة الأطفال، فقد حصلت امرأتان على حقهما بحضانة أطفالهما و(3) حالات رفعن قضية حضانة ولم يحصلن عليها. دوافع وأسباب حدوث الطلاق: برز تشابك وتداخل بين كافة أسباب ودوافع الطلاق، كان للسفر والهجر والغياب نصيب كبير، وتمثل ذلك ب(14) مطلقة مع إشتراكهن في قضايا أخرى مثل ( تعاطي المخدرات من قبل الزوج، عدم الانسجام العاطفي، ومشكلة السكن مع الاهل). أما النساء اللواتي كان السبب في طلاقهن الضرب، تمثلن ب (3) حالات مع إشتراكهن أيضا في قضايا أخرى والتي ذكرت سابقا، بالاضافة الى الزواج من أخرى. وعن طلاق النساء لتعاطي أزواجهن المخدرات وإحضارهن عشيقات لبيت الزوجية ( كما ورد في اقوال النساء) ظهر بين الحالات(3) مبحوثات تقاطعن مع زميلاتهن اللواتي كان السبب في طلاقهن الضرب وعدم الانسجام الجنسي والعاطفي. أما من كان سبب طلاقهن عدم إنجاب الأطفال، تمثلن ب(3) حالات فقط ولم يشتركن هؤلاء بأي سبب من الأسباب الأخرى المذكورة سابقا. وعن الزواج من زوجة أخرى تمثلن بثلاث حالات مع إشتراكهن في أسباب أخرى، الضرب، وعدم الانسجام العاطفي. وقد كان للانسجام الجنسي والعاطفي نصيب كبير والذي تكرر لدى معظم الحالات كونه سبب ثانوي، إشتركت به معظم النساء ولم يطرحنه كسبب رئيس للطلاق، و(3) حالات فقط من اللواتي إعتبرنه السبب الرئيس في طلاقهن، ومن المبحوثات (4) حالات ممن طلقن بسبب مشكلة السكن مع الأهل والزوجة الاخرى وما ينجم عن ذلك من تدخل الأهل بالأمور الزوجية، تدبير شؤون المنزل، تنظيم العلاقة مع بقية افراد الاسرة وعدم إعطاء مصروف للزوجة، وكان هؤلاء أيضا قضايا مشتركة كانت سبب من أسباب الطلاق منها طبيعة أفكار الزوج اتجاه المرأة وعدم الانسجام الثقافي والانسجام الجنسي وتعاطي المخدارت والضرب. لوحظ من خلال الدراسة وجود أسباب رئيسة للطلاق وعوامل مساعدة له، ولكن النتيجة واحدة وهي \"الطلاق\". من الملاحظ أن السبب الرئيس حسب أقوال المحبوثات هو السفر والغياب، ولكن تبين أن هناك أسباب أخرى، والتي كان من ضمنها أسباب إعتبرنها المرأة ثانوية، لكنها في صلب الموضوع وهي عدم الانسجام الجنسي والعاطفي ويجدر الاشارة هنا، لماذا هؤلاء النساء لايطرحن هذا الموضوع بصراحة؟ والجواب، لأن مجتمعنا العربي مجتمعا مغلقا وخاصة في قضية الثقافة الجنسية حيث تعتبر من المحرمات والممنوعات في مجتمعنا وخاصة بالنسبة للمرأة، كما ذكر سابقا كان لعدم الانسجام الجنسي (3) حالات فقط ممن أشرن على أنه كان سببا مباشرا ورئيسا للطلاق والباقي إعتبرنه من ضمن الأسباب الثانوية والمساعدة، ولكن الحقيقة تختلف، وإختلافا نابع من أن هذا السبب \" الثانوي\" تكرر عند معظم النساء. وما يدعم وجهة النظر هنا، أنه وجد في دراسة الحالات نماذج حية وكان السبب في طلاقها هو عدم الانسجام الجنسي وسوء العلاقة الزوجية، واحدى المبحوثات والتي تزوجت مرتين أجابت: \"أن هناك تشابه كبير بين الزوجين في أسلوب العلاقة الجنسية حيث كانت تضرب قبل وبعد الانتهاء من ممارسة الجنس\"، وحالتين تعرضتا للضرب قبل البدء بالعلمية الجنسية، وحالة أخرى إضطرات للرجوع الى بيت أهلها بسبب ذلك في ليلة زفافها. وأود الاشارة هنا ان الشرع الاسلامي يمنع إهانة المرأة وهناك نصوص شرعية تمنع الرجال من الاساءة الى النساء وضربهن، والحديث واضح في ذلك \"لا يجلد أحدكم إمراته جلدة العير ثم يجامعها في أخر اليوم رواه البخاري عن الرسول\" صلعم\" (5)، ونموذج آخر تعرضت للاضطهاد الجنسي من نوع مختلف وهو أن الزوج الذي يعيش في أمريكا ولسوء حظ الزوجة تمكن من الحصول على إقامة لها، حيث كان يتعاطى المخدرات ويحضر عشيقاته الى بيت الزوجة ويمارس الجنس معهن على مرأى منها وفي فراشها، ( كما جاء في أقوال النساء) وأخرى تعرضت للآعتداء الجنسي وفقدت عذريتها وهي إبنة الخامسة عشرة حيث اعتدى عليها رجل سكير، مما إضطر بالأب الى بيع الإبنة لرجل كبير ليداري فضيحتة الاجتماعية ولاعتقاده ان هذا الرجل لا يميز، ومع ذلك لم تدم العلاقة الزوجية طويلا وانتهت بالطلاق. وأخرى تم طلاقها بناء على ما سبق ومن خلال الحديث قالت:\" ان الزوج كان يطلب منها قضايا جنسية تعتبر في نظرها عيبا وحرام ولكن من وجهة نظر الزوج كان العكس، مما دفعه بالزواج من أخرى. هذه النماذج كثيرة في مجتمعنا لكن عدم خوضها ونقاشها بشكل علمي وصريح ساهم في إخفائها وما يدعم ذلك، ما حدثتنا به المحامية حنان ريان البكري (6) التي أشارت بأن هناك عدة نساء يراجعنها بهدف رفع قضايا طلاق، نظرا لعدم توفر الانسجام بين الزوجين، وما يترتب عليه من تعرض الزوجة للضرب المؤذي، حيث يبدوا على المتقاضيات آثار ضرب وحشية. وقد إستفسرت من المحامية، إذ كان يطرح هذا الموضوع في المحكمة كسبب رئيس للطلاق؟ فأجابت لا، والسبب عدم جرأة المرأة على طرح هذا الموضوع أمام القاضي لمدى حساسيته عندها. ووصفت المحامية شعور هؤلاء النساء وهن يطرحن الموضوع عليها وكانت تبدو عليهن علامات الخجل والحياء من طرحه امام المحامية والتي هن من نفس الجنس، فكيف لها ان تطرحه أمام القاضي وكلنا ندرك خلفية التنشئة الاجتماعية والثقافية اتجاه تلك القضية في مجتمعنا. أما عن مشكلة السفر والغياب، وما يترتب عليها من إجراءات، وما يتبع ذلك من مشاكل، مثل السكن مع الأهل، وتدخلهم بحياة الزوجة، وما يرافقه من تحكم بها، وتقييد حريتها واستلاب حقها بالتصرف في القضايا التي تخصها. ومثال على ذلك، ما روته النساء، بأن حقوقهن الطبيعية وعلاقاتهن مع أزواجهن تتعرض للاعتداء والانتهاك، حيث أشارت مبحوثتان، أن أهل الزوج يمنعونه من دخول غرفته المخصصة له ولزوجته، إلا بناء على رغبة أمه وأخواته، وأخرى قالت أن حماتها وشقيقات زوجها كن يمنعنها من الاتصال بزوجها وكن يفتشن أمتعتها الخاصة عند خروجها من الغرفة ويفرضن عليها القيام بالأعمال المنزلية. أما عدد الحالات التي تعرضت لمشاكل مع أهل الزوج (18) حالة من المبحوثات. من خلال ما ذكر، يوجد دوافع وعوامل ساعدت المرأة على الجرأة والمطالبة بالطلاق، وتعود هذه الجرأة حسب اعتقادي، الى التغيرات الاجتماعية الحادثة على المرأة، وتبعا لذلك تغيرات مفاهيم الأهل نحو تلك المشاكل. وبرزت هذه التغيرات الاجتماعية نظرا لتحمل المرأة مسؤولية نفسها، أثناء غياب زوجها عنها، وأصبح لديها القدرة على إتخاذ القرارات بمعزل عن الزوج وأهله، ولا شك أن إطلاع الجيل الجديد من النساء على ثقافات وتجارب مختلفة، ساهم في مدى وعيهن وادراكهن لحقوقهن وتبعا لذلك ساهمت النساء في تغيير مفاهيم الأهل، خاصة نحو مشكلة الطلاق، مما دفع بهم للوقوف الى جانب بناتهن في إتخاذ قرار الطلاق، فظروف الزوج وغيابه سهل على المراة بان تجرؤ على إتخاذ قرار الطلاق دون انتظارأن يبادرالزوج ويرسل لها ورقة الطلاق. وكان هذا واضحا من خلال دراسة الحالات ومقابلة النساء اللواتي طالب معظمهن بالطلاق. * المفاهيم الاجتماعية تجاه قضية الطلاق من وجهة نظر المرأة: نظرة المجتمع للمرأة المطلقة: أجابت (15) مبحوثة بأن نظرة المجتمع لنا سلبية ومجحفة وغير عادية، فالرجل لا ينظر الى المرأة المطلقة الا ما ندر، وتمثل \"كالطبخة البائتة\". قالت إحدى المحبوثات: عندما كنت أخرج للعمل قبل الزواج لم يكن هناك معارضة إجتماعية على ذلك، لكن بعد الطلاق تكاثرت أحاديث وأقاويل الناس، وتغيرت نظرتهم الي كامرأة مطلقة.. فيتهامسون الى أين تذهب هذه المرأة وماذا تعمل؟.. الخ. و(15) مبحوثة أجبن بأن نظرة المجتمع تنم عن تعاطف وشفقة عليهن ولا يعني بالضرورة انها نظرة ايجابية للمطلقة. وتنبع نظرة التعاطف هذه لكون المرأة أصلا تعتبر ضعيفة كما أنها مستغلة ومضطهدة في المجتمع. نظرة الأهل للمرأة المطلقة: لقد أجابت (12) مطلقة على معارضة أهلهن لفكرة الطلاق ولكن على الرغم من ذلك فقد تم الطلاق. وكانت معارضتهم نابعة من العادات والتقاليد ونظرة المجتمع وتأثير ذلك على فتيات العائلة العزباوات، ومقابل هذه الموافقة نابعة من الحرص على حياة ومستقبل بناتهن ولماهية الظروف الصعبة التي تعيشها المرأة في ظل حياتة زوجية غير متكافئة، هؤلاء الأهل كانوا قلقين على مستقبل بناتهن بعد الطلاق، ومن نظرة الناس والمجتمع لهن، حيث قالوا أن كلاههما مر بالطلاق أحلى الأمرين. نظرة المرأة المطلقة لنفسها ولمستقبلها بعد الطلاق: أجابت (14) حالة بأنهن شعرن عند الطلاق بالراحة والخلاص من العبودية والاضطهاد، سواء من قبل الزوج أو أهله و(16) حالة أجبن بأن شعوورهن امتاز بالقلق والخوف من المستقبل ونظرة المجتمع لهن كمطلقات. وعن موقف هؤلاء النساء إتجاه الزواج من رجل آخر، ونظرتهن للرجل بشكل عام، (10) من الحالات قد حكمن على الرجل بشكل سلبي وأجمعن على أنهن لن يفكرن بالزواج مرة أخرى، وأن الرجال متشابهون. و(20) حالة لم يتخذن موقف سلبي إتجاه الرجل وذلك بسبب قصر فترة الحياة والتي لم تمكنهن من الحكم على الرجل من خلال تجربتهن البسيطة. أما بخصوص تفكيرهن بالزواج مرة أخرى، فقد أجابت الغالبية العظمى منهن بعدم التفكير بالزواج في الوقت الحالي ولكن في المستقبل يمكن التفكير بذلك حيث أجبن بان الزواج الثاني يشترط ألا يتم بناء علبى رغبة الاهل وضمن شروطهم. والأقلية منهن لم يفكرن مطلقا بالزواج، خاصة ممن لديهن أطفال، واثتنان فقط من الحالات تزوجتا مرة أخرى. وعن نظرة المطلقة لمستقبلها بعد الطلاق كما ذكرنا سابقا فان معظم المطلقات كن ربات بيوت، ولكن بعد الطلاق بدأ تفكيرهن بمستقبلهن يأخذ منحى جديد، حيث أن البعض منهن فكرن بالعودة الى مقاعد الدراسة، سواء لاكمال تعليمهن الثانوي أو الجامعي، وقسم آخر إتجه الى التعليم المهني، بهدف تعلم مهنة ذات قيمة تعود بمردود اقتصادي عليهن، وأخريات توجهن للبحث عن عمل ليعتمدن على أنفسهن اقتصاديا، وبعضهن لم يحالفهن الحظ في الحصول على وظيفة أو لم تتح لهن الفرصة لاكمال تعليهمن، حيث لم يكن لديهن مؤهلا يساعدهن على ذلك. وعدد بسيط من العينة ممن كن بالأصل موظفات في مؤسسات ولم يتركن عملهن، إضافة الى طالبة واحدة لم تترك مقعد الدراسة. أما نصيحة النساء المطلقات اللواتي يفكرن بالطلاق، فقد أجمعن على أنه إذا كان هناك مشكلة لا يمكن حلها ومستعصية جدا فلا مفر من الطلاق، مع أنه أبغض الحلال الى الله ، ولكن اذا كانت المشكلة لها حلا، فيجب أن لا يفكرن في الطلاق وخصوصا اذا كان لديهن أطفال ، كون ان الأطفال سيصبحون ضحية الخلافات، ويجب عليهن التروي والتفكير قبل الاقدام على طلب الطلاق. سكن النساء بعد الطلاق: لقد سكنت معظم النساء مع عائلاتهن بعد طلاقهن، ما عدا حالتين من مجموع الحالات، إحداهن لأن زوجها خارج البلاد، بقيت في بيتها مع أولادها والأخرى إستاجرت بيتا لتعيش مع أطفالها. حضانة الأطفال: كما ذكرنا سابقا لم يكن في الحالات المدروسة عدد كبير من النساء المنجبات، فقط خمس نساء هن المنجبات، وكسبنا حضانة أطفالهن، ما عدا حاليتن لم تكسبا قضية حضانة أطفالهما، وتركت رعياتهم للزوج وأهله. * الأثار الاجتماعية للطلاق على المرأة وأطفالها من المعروف أن لكل مشكلة سبب ونتائج مترتبة عنها وهذا ما كان بالنسبة للطلاق في مدينة البيرة، حيث إنعكست أثارها على المرأة وأطفالها، وتمثلت بالأثار الاجتماعية والنفسية على الأطفال، وفي هذا الجانب أجابت مبحوثتان لديهما أطفال بأن أثار الطلاق على أطفالها لم تكن سلبية بل على العكس، تخلص الأطفال من التوترات اليومية. وأحضرت لي إحدى الحالات ابنتها الصغرى (عمرها ست سنوات) لتسألها عن وجهة نظرها تجاه والدها، أجابت\" بانني لا أحب والدي لأنه يضربنا ويضرب أمي ولا يصرف علينا ولا يهتم بنا مطلقا\". وبالمقابل أجابت ثلاث حالات بأن الطلاق ترك بصماته وأثاره السلبية على أطفالهن حيث تشتت أفكارهم وتشردهم ما بين عائلتي الأب والأم. وحرمانهم من أبسط حقوقهم وهي العيش في أمان واستقرار في ظل الوالدين، فالطلاق بالنسبة للطفل الذي تعود رعايته الى أمه، يتأثر بتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فالأم غالبا ما تكون أشد فقرا من الأب وأقل منه إستعداد في الدفاع عن نفسها في سوق العمل، حيث أن معظم النساء في الدراسة هن ربات بيوت ولا يعملن شيئا، لذلك لم يكن للمطلقات موردا تعيش منه سوى زوجها وعائلتها. أما في ما يتعلق في الأثار المترتبة على الطلاق بخصوص المرأة، لقد وجد في الحالات نساء تعرضن لمشاكل نفسية، مثل الانطواء على النفس والعزلة تنيجة لكلام الناس ونظرة المجتمع لهن، وقد أوضحن بأن خروجهن للعمل والعمل من الممكن أن يساعدهن في تخطي ذلك. ولكن الأثار الإجتماعية كانت أكثر من النفسية، حيث تعرضت المرأة لموضع علامة إستفهام حولها من قبيل، لماذا طلقت من زوجها؟...الخ. وتعرضت لضياع حريتها وانتهاك حقوقها الإنسانية فالمرأة المطلقة في المجتمع مستغلة من قبل صاحب العمل وعرضة للاستغلال الجنسي. ومن المشاكل الإجتماعية التي تواجهها، قلة الفرص المتوفرة لديها في الزواج مرة أخرى لاعتبارات إجتماعية متوارثة من جيل الى آخر، حيث تكون فرصتها الوحيدة في الزواج من رجل أرمل أو مطلق أو مسن. وكما جاء في الحالات بأن معظمهن من النساء اللواتي يفتقرن للمهنة ذات القيمة، وبناء عليه فان مستقبلهن غير واضح ومظلم. ومما لا شك فيه أن الفقر وانعدام المورد الاقتصادي يلعبان دورا خطيرا في مآسي الأمهات المطلقات الحريصات على صالح أطفالهن، لهذا فان أول خطوة لتحرر المرأة من القهر الجنسي والإقتصادي، هو أن تعمل وتنال من عملها أجرا. فاذا عملت المرأة بأجر، يحميها ذلك من أن يفرض عليها زواج الحاجة. * الطلاق والمفاهيم الاجتماعية وقضايا الأحوال الشخصية قانون الطلاق مرتبط بقانون الزواج، ويصبح الطلاق أمرا واقعا، في حال بروز مشاكل في الحياة الزوجية، وتقبل المرأة في الزواج رغم إدراكها لهذا المصير التعيس، إلا انها تدرك ايضا أنه المصير الوحيد والمقبول إجتماعيا (7). والمعروف لدينا ان الزواج في المجتمع الفلسطيني زواج تقليدي، يصنعه الكبار وفي معظمه زواج مبكر يسلب المرأة حريتها في إختيارها للزوج المناسب وبما أن هذا الزواج هو الأكثر شيوعا وانتشارا، فله تأثيرات على قضايا الطلاق، حيث أن عدم التوافق بي شخصية الزوج والزوجة من الممكن أن يؤدي الى الطلاق. وكان للزواج المبكر وإختيار الأهل للزوج أثر كبير في الطلاق وإتضح لي هذا من خلال حديثي مع المحامية في قضايا الأحوال الشخصية، حيث قالت أن معظم الحالات التي تأتي لرفع قضايا طلاق، هي بمعظمها زواج مبكر وخاصة في مدينة البيرة التي أجريت عليها الدراسة وتحديدا في فترة الانتفاضة. ومن المفاهيم الاجتماعية السائدة عم الطلاق، والمتبعة في مجتمعنا، ان على المرأة المطلقة أن تذهب مباشرة الى بيت أهلها، وهذا يتناقض مع ما ينص عليه الشرع الاسلامي. فالشرع الاسلامي ينص على بقاء المرأة في بيت الزوجية خلال فترة عدتها ومع زوجها داخل البيت لكن دون علاقة زوجية (المعلومات من المحامية حنان ريان البكري). وهذا يعني أنه في كثير من الحالات تطبق العادات والتقاليد، بدل من النصوص الشرعية المبنية على أساس الشريعة الاسلامية. وهذه الشريعة التي ترتكز على القرأن وأحاديث الرسول وتفسيرات علماء الدين لتلك الآيات والأحاديث. والطلاق في مجتمعنا العربي لا زال بيد الرجل، لا تحصل عليه المرأة الا بعد مشقة وعناء وفي ظروف أخرى تحصل عليه بعد التنازل عن كامل حقوقها الزوجية. والطلاق أحيانا يكون مستحيلا بالنسبة للمرأة، وقد لا يطلق الزوج تجبرا واستغلالا لحق قانوني جائز، وقد يطلب زوجته في بيت الطاعة عن طريق رجال الشرطة والقانون فاذا بها تجد زوجة أخرى مع زوجها. فالطلاق في مدينة البيرة كان إستثناء حيث معظم النساء حصلن على الطلاق بسرعة ما عدا حالات معدودة، لم تحصل عليه بتلك السرعة وهذا ما وجد حقيقة من خلاىل الحالات المدروسة، حيث سردت مبحوثة فصتها قائلة:\"طلبت لبيت الطاعة ثلاث مرات وكان مطلقي في كل مرة يستأجر بيتا ويأتي بشهود ليشهدوا بصلاحية البيت من ناحية شرعية وبعد ذهابهما يطردني وأطفالي\". فالشرع الاسلامي كما نعرف صريح ويقول \"الطلاق مرتان إمساك بمعروف أو تسريح باحسان\" ولا يقول تشبثوا بالنساء لمجرد إذلالهن وقهرن، والقصد من الطاعة ليس الاستغلال والاضطهاد من الرجل وهل اذا رفضت المرأة كل هذا يحق لزوجها ان يطلبها في بيت الطاعة ويتزوج عليها أثناء ذلك. وهنالك قول شهير لعمر بن الخطاب \"متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا\" فمن المرأة إذن ان ترفض الاستبعاد والذل. * نظام الاحوال الشخصية والسلطة السياسية إن السياسة العليا لأي بلد، بالضرورة ان تنطلق من الحياة اليومية والعادية للناس، وأن تضع قوانينها بما يتلائم مع الحقوق الطبيعية للانسان والمتعارف عليها دوليا. والعمل على حماية هذه الحقوق من الانتهاك والاستغلال، فمنح الأفراد حياة حرة كريمة وضمانات إجتماعية، تمكن العامل والفلاح الخروج الى عملهم يوميا دون المعاناة من أي مرض أو الخوف على مستقبل أبنائهم.. تمكن ربة البيت من إدراة شؤون منزلها دون أن يضربها زوجها، والموظفة مطمئنة في عملها، وحق الأطفال في رعاية الأب لهم وعدم هروبه الى زوجة ثانية أو عشيقة جديدة...فهذه الأمور الشخصية الصغيرة جدا، هي بالواقع كبيرة ومهمة جدا. فاذا لم تميح للأفراد حقوقهم الطبيعية هذه، فلم يعد بامكانهم أن يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع. والمرأة كونها الانسان الأضعف (إجتماعيا) هي أكثر عرضة لانتهاك حقوقها (8). كون أن السلطة في مجتمعنا العربي تتجاهل هذه الحقوق أو بالأحرى لا تفرض رقابة حازمة على تنفيذها، مما ساهم في تكريس نهج إنتهاك القيم في الاسر، فالبعض في مجتمعنا بعيش حياته بوجهين، وجه يبرزه في الحياة العلنية ويدعي فيه الفضيلة وحياة سرية يمارس فيها الرذيلة، حيث يعني معظم الرجال في ترسيخ بعض المفاهيم التي تمنحهم القوة في التجبر بالمرأة. فيستخدمون العادات والتقاليد كسلاح في وجه كل من يحاول سحب هذه الامتيازات منهم، فيكون بذلك هو رب الأسرة والسيد في البيت وبالمقابل تبقى المرأة مسلوبة الارادة لا تستطيع ان تقرر ما يخصها الا بموافقة الرجل وذكور العائلة، وهذا ما ينطبق على قضايا الزواج والطلاق بالنسبة للمرأة حيث لا يكون لها دور إيجابي بصدهما. وبما أن الرجل في مجتمعنا العربي، يتربع على هرم السلطة السياسية، فهو الذي يضع القوانين والدساتير بما يتوافق مع مصالحه في السلطة، حتى لو تعارض ذلك مع الشريعة الاسلامية. طبعا ذلك لم يحدث فقط في عصرنا الحدبث، فهو موروث عن التاريخ الاجتماعي للبلاد العربية، حيث السلطة السياسية في أي بلد إستطاعت في كل وقت أن تضع من القوانين ما يخالقف الشريعة الاسلامية، ولم يكن في مقدور أي مؤسسة دينية أن تنمع صدور هذه القوانين، بل كثيرا ما كانت تتعاون السلطة السياسية وتطوع الدين للسياسة وتستخرج من الايات والاحاديث تفسيرات جديدة تتناسب مع رغبة الحكام والسلطة، وكما طورت الكنيسة نفسها في أوروبا لتناسب العصر الحديث، كذلك المؤسسات الاسلامية ومشايخها طورت أفكارهم وتفسيراتهم لتناسب السلطة والحكام(9). وبقدر ما أسرعت السلطة السياسية في تغيير قوانين النظم الاقتصادية، بقدر ما تلكأت في تغيير القوانين المتعلقة بالزواج وحياة المرأة. والسبب في ذلك واضح وهو أن السلطة السياسية في كل زمان وكل مكان لا تعبر الا عن مصالحها، ولم تكن هذه السلطة في معظم البلاد العربية وغيرها الا سلطة أبوية قائمة على سلطة الرجال داخل الأسرة وفي المجتمع الخارجي. وعلى الرغم من أن تطور قوانين الاحوال الشخصية في بعض البلدان العربية، الا انه لا زال إجحاف في حق المرأة فيما يخص قضايا الطلاق والزواج. ولنأخذ على سبيل المثال قانون الاحوال الشخصية في مصر، جرت محاولات لتطويره. ولكن لا أثر يذكر لهذه المحاولات، حيث لازالوا يتعاملون بالقانون الذي مضي عليه حوالي (63) عاما وهو الذي يتحكم في مصائر النساء ويبيح للأزواج إستغلالهن، ويمنح الرجل حق حرية الطلاق وتعدد الزوجات. فالسلطان القضائي في المحاكم الشرعية المصرية بدأ بالتقييد والتحديد في مجال واحد فقط، قانون الأحوال الشخصية (القانون الذي يغطي الزواج، الطلاق، الميراث، الابوة..(10) أي ان السلطان القضائي في المحاكم الشرعية المصرية ناقش كل القوانين ولكنه حدد النقاش في القوانين المتعلقة بقضايا المراة، حيث تركت هذه القوانين كما هي ولم توسع بها. فالمرأة العربية تعيش في معضلة ثقافية وأيديولوجية. بالرغم من أن غالبية الحكومات العربية بدأت نهضة إجتماعية إقتصادية كهدف رئيس وكان دمج المرأة في ذلك شيئا ضروريا. فقد تم إصلاح قانون يحتوي على فقرة تؤكد ان المرأة مساوية للرجل، وبالقيد الذي يقيد حريتهن يجب أن ينتهي. لذا وبدون إستشناء فان جميع القوانين التي تتضمن مادة للعمل على المساواة بين الرجل والمرأة يجب ان تمارس في حدود الشريعة الاسلامية، ولكن ترجمات الشريعة الاسلامية التي بني عليها قانون الأحوال الشخصية مختلفة، خاصة عندما طبق المجتمع العربي الاسلامي العلمانية في دساتيره، الا ان موضوع العائلة ما زال مفتوحا للنقاش في البرلمان المصري وما هو واضح في هذه القضية هو ان الشريعة الاسلامية التي تتمتع بالطهارة هي التي أبقت الباب مغلقا في وجه كل جهود المساواة بين الجنسين. حيث إستطاعت التغيير في قضايا عدة منها: حق التصويت، الترشيح للأماكن العامة، الاجر المتساوي للعمل المتساوي..الخ ولكن رجال البرلمان ظلوا عاجزين وغير قادرين ومحبطين في محاولتهم لتغيير قانون الأحوال الشخصية(11). فالنصوص القانونية المعدلة بالمرأة جيدة، اذا قورنت بنصوص سالفة لكن إفراغها من مضمونها التقدمي والانساني في الممارسة والتطبيق جعل من مساواة شيئا نظريا وليس في حيز التطبيق، وقد جاء في مقال لسهى عبد القادر(12) على ان الجمعية العامة للامم المتحدة تبنت إتفاقية تنص على التخلص من جميع أشكال التمييز ضد المرأة وبعد ذلك بسنوات أقرت ووافقت الحكومة المصرية على هذه الاتفاقية لكن بتحفظ، وعلاوة على ذلك فان الفقرة التي تمنح المراة حقا مساويا للرجل في حضانة الاولاد، وحسب العادة فان المرأة عندما تتزوج من رجل آخر بعد طلاقها تقبل بان يتبع أولادها الأب، وفقرهأخرى من نفس الاتفاقية تحتوي على حقوق متسوية للمرأة والرجا تتعارض مع قانون الأحوال الشخصية المصري المبني على الشريعة الاسلامية كمصدر للتشريع بينما هذه التغييرات محظورة لأنها تمس بالشريعة. * الخلاصة خلاصة القول أن سن القوانين وتنفيذها للمساواة بين الجنسين هي أفضل الطرق لتحسين مركز المرأة في المجتمع. لكن القوانين وحدها لا تغير العقليات وترتيبات المجتمع، ولا تغير الأفكار والمعتقدات الضاربة جذورها ولا العادات والتقاليد. كذلك إن فرض هذه القوانين من أعلى لا تحل المشاكل ولربما تزيد في التعقيدات والصراع. إن التغيرات في قانون الأحوال الشخصية إذا لم يعقبها تغيرات في جوهر العلاقات الاجتماعية ونظرة المجتمع للمرأة لا يمكن أن تحل شيئا. حيث أن غالبية النساء في المجتمعات العربية الاسلامية هن أميات ويفتقرن للتعليم ويتمسكن بالعادات والتقاليد البالية، لحل المشاكل الاجتماعية في القانون وحتى في الدين تبقى مسألة شائكة، فلو سئلت غالبية النساء عن سبب تعدد الزوجات فالكثير منهن سوف يجيب أن هناك معارضة لأزواجهن لكن جمعيهن يؤكد أن الدين أو \"الله هو الذي أعطى الرجل الحق بذلك\". من خلال المعلومات التي حصلت عليها من الميدان عن القضايا التي تتعلق في قانون الأحوال الشخصية تبين أن الدور الذي تلعبه المرأة دورا سلبيا حيث تنازل معظم النساء عن كامل حقوقهن الزوجية والاجتماعية مما أتاح المجال للرجل لممارسة ذلك كورقة ضغط على المرأة لتطالب بالطلاق ولن تحصل عليه الا بعد تنازلها عن كل ما تملك وأطفالها وكان هذا نتيجة الجهل وعدم الوعي لحقوقهن الاجتماعية وعدم معرفتهن بقانون الأحوال الشخصية. وكذلك عدم متابعتها للقضايا التي ترفعها (النفقة، الحضانة، وحصولها على ممتلكاتها...الخ). وهناك قضية مهمة تتمثل بسماح المرأة لزوجها بالسفر بعد فترة قصيرة من الزواج مما يساهم في التباعد بينهما وعدم فهم كل منهما للآخر، وبالتالي يؤدي الى عدم التوافق والانسجام في معظم القضايا التي تخص الاثنين. بما أن المرأة في كافة المجتمعات تعتبر الفئة المستضعفة والدونية، ولكن المجتمعات العربية مجتمعات أبوية تسود فيها لثقافة التي تجعل المرأة تابعا للرجل، نجد أن الكثير من الرجال ليسوا معنيين بنهوض المرأة وانعتاقها من العادات والمفاهيم الاجتماعية السائدة، وبحجة الحفاظ على تلك العادات يرون أن هذه القيم الاخلاقية تنتهك كل يوم حياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجنسية، ومع ذلك لا يرتفع صوت أحدهم بالاعتراض، بل إن البعض منهم يشارك في انتهاك هذه القيم سرا وعلنا؛ وانتهاك القيم الأخلاقية في السر كانتهاكها في العلن. ضعف المرأة ناتج عن عدم امتلاكها للقوة الاجتماعية التي تساعدها على أخذ حقوقها، فالمشكلة الرئيسة لا تكمن في عدم قدرة المرأة على الاستمرار في النضال الاجتماعي من أ>ل تغيير ظروفها الاجتماعية، بل تعي دورها ومركزها في المجتمع لما سمحت باضطهاد الرجل والمجتمع لها، فمن خلال كونها إمراة واعية لمركزها في المجتمع لما سمحت باضطهاد الرجل والمجتمع لها، فمن خلال كزنها إمرأة واعية لمركزها تستطيع أن تلعب دورا مهما في خلق المبادئ والأفكار لذاتها وفي بناء أيديولوجية لحياتها اليومية والاجتماعية ولما تختاره من مفاهيم تتحدى بها وتكون تحت ظلها. وأخير فالتغير في المفاهيم الاجتماعية والعادات وكذلك في قانون الأحوال الشخصية يحتاج الى وقت وجهد كبيرين، فالنساء يشعرن باجحاف هذه العادات والقوانين لحقوقهن الاجتماعية، والرجال يشعرون بالتهديد من هذه الفكرة \"فكرة التغيير\" لأنهم يعتبرون ذلك إعتداء على حقوقهم التي منحها المجتمع والدين وثقافة التنشة الاجتماعية لهم. -bbbb- المراجع والهوامش 1- شابيلا د.برنارد. جمعية الدراسات العربية، القدس 1983 ص 200. 2- المرنيسي، فاطمة. السلوك الجنسي في مجتمع إسلامي رأسمالي تبعي، دار الحداثة، الطبعة الأولى 1982، ترجمة أورويل فاطمة الزهراء. ص 180-184. 3- السعداوي، نوال، الانثى هي الأصل، المؤسسة العربية للدراسات والنشر 1982.ص. 165-166. 4- بعض هؤلاء النساء أصلهن من مدينة البيرة، والبعض الخر ينحدر من أصول مختلفة قدم من عدة مناطق للسكن في مدينة البيرة. 5- الترابي، د. حسن المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، الدار السعودية، الطبعة الأولى، 1984،ص 40. 6- البكري، نان ريان، مقابلة مع محامية شرعية في محكمة رام الله الشرعية. 7- الأنثى هي الأصل ، مرجع سبق ذكره، ص.166. 8- السعداوي، نوال، الوجه العاري للمرأة العربية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 1982، ص 143-145. 9- الوجه العاري للمرأة العربية، مرجع سبق ذكره، ص 143-145. 10- الوجه العاري للمرأة العربية، مرجع سبق ذكره ، ص 144-145. 11- \"Abdel Kader, Soha,

المراجع

www.swmsa.net/articles.php?action=show&id=406موسوعة الأبحاث العلمية

التصانيف

الأبحاث