برز جيش المهدي على الساحة العراقية من جديد بعد أحداث تفجير المسجد المذهب في سامراء في 22 شباط (فبراير) الماضي 2006م، ولكن هذه المرة ليست كبروزه في مايو
2004 في معركته مع القوات الأميركية حينما اكتسب تأييداً جماهيرياً كبيراً، بل ظهر هذه المرة كأبرز ميليشيا طائفية تحارب أهل السنة وتعتدي عليهم في مناطق نفوذها.
فبمجرد الإعلان عن تفجير أضرحة الشيعة
- انتشرت عجلات مدنية تحمل المقاتلين الشيعة في بغداد خاصة ومدن عراقية أخرى، وبدأت عمليات حرق المساجد وقتل أئمتها والمصلين فيها أو اختطافهم وتعذيبهم والتمثيل بهم سراً وعلانية... وكذلك عامة أهل السنة حيثما انفردت بهم تلك القوات... فجاء تحرك (جيش المهدي) وباقي الميليشيات الشيعية في تناغم سابق التخطيط وبمنتهى الإتقان مع ذلك الحدث الجلل. وشهادات الشهود المؤكدة أن من قام بالعملية هم عناصر من قوات حكومية وبالتحديد مغاوير الداخلية الذين ينتمون أصلاً إلى فيلق بدر (الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق)، تلك القوات التي تأسست على يد الائتلاف الشيعي الحاكم.
ويعمل جيش المهدي الذي أُعلن عن تشكيله أثناء صلاة الجمعة في الكوفة من قِبَل زعيمه (مقتدى الصدر) بعد الاحتلال بستة اشهر بنظام السرايا التي لا تتجاوز غالباً الخمسين مقاتلاً من عامة الشيعة الذين ينضمون إليه عن طـريـق هيـئات تشـكلت في الحسينيات والجوامع التابعة للتيار الصدري، وهم يعـملون متـطوعين بلا مخصصات مـالية ثابتة معتـمدين فـقط على نظـام العـطايا وما يوزع عليهم من الخُمْس؛ إضـافة إلى تقديمهم في فرص العمل لدى الدولة وخـاصة في أجـهزة الأمن من شرطة وقوات الأمن كجزء من الاتفـاقات المعقودة بين التيار الصدري وبين حكومة الائتلاف الشيعي.
ومن أبرز تلك السرايا سرية الشيخ محمد الصدر في مدينة الصدر، وسرية الشيخ مصطفى الصدر في بغداد الجديدة، وسرية الشيخ مؤمل الصدر في منطقة الشعب وحي أور، وسرية الشيخ علي الكعبي وسرية الشيخ حسين السويعدي وكلها في بغداد، وهي في معظمها أسماء لمن يعتبرهم التيار الصدري شهداءه إبان حكم نظام صدام حسين، ويكون عدد أفراد السرية غالباً متعلقاً بقوة الزعيم الشيعي الذي يقودها وحجم المساحة الجغرافية أو السكانية التي يتولاها، وقد تتعدد السرايا في المنطقة الواحدة كما هو الأمر في مدينة الصدر في بغداد.
ولم يكـن لجـيش المهدي تجهـيز بالسلاح من قِبَل القيادات، بل كان المقاتل منهم يأتي بسلاحه الشخصي، معتمدين على بعض العشائر الشيعية في جنوب وجنوب وسط العراق التي استولت على كمية كبيرة من أسلحة الجيش العراقي السابق مما قلل من المتاجرة ببيع هذه العشائر السلاح المتوسط والثقيل للمجاهدين السنة خاصة في جنوب العاصمة بغداد، إلا أن الأمر تغير تماماً عندما توافق الصدريون مع إيران التي زودتهم بشتى أنواع الأسلحة ولكن بالطريقة التي تضمن تفوق فيلق بدر (الأكثر ولاء لها) دائماً من ناحية التسليح.
ثم كانت المواجهة التي خاضها جيش المهدي مع قوات الاحتلال الأميركي في النجف وبغداد ومدن جنوبية أخرى، وانتـهت خلال شـهرين بهـدنة بـين الطـرفين بـرزت بعـدهـا قـوة جديدة داخل الجيش اصطُلح عليها بـ (فرسان الهدنة) ثم جرى المصطلح بين الصدريين على كل السرايا التي تتصرف بطريقة لا ترضي جماهيرهم، وأصبح مسمى (فرسـان الهـدنة) إشارة إلى أن القوة تلك ليست مرتبطة تماماً بالتيار الصدري، بل مدعية لذلك فحسب، ولكن زعيم الجيش (مقتدى الصدر) لزم الصمت ولم يتدخل لمنع هذه السرايا من الاستمرار في العمل باسم (جيش المهدي) وقد أخذت بالتوسع مدعومة من الدولة وأحزاب شيعية أخرى وقوى خارجية حتى أضحت أقدر من باقي سرايا (جيش المهدي) على كسب المقاتلين والانتشار في المناطق السنية مستفيدة من تسهيلات قدمتها أجهزة الدولة الأمنية وهي السـرايا الـتي يحـاول زعـماء التـيار الصـدري ومنـهم (مقتدى الصدر) اتهامها بالاشتراك في الحرب الطائفية ضد أهل السنة
وكان الانتقال الأخطر لـ (جيش المهدي) في الشتاء الماضي عندما خرج ملايين الشيعة في مظاهرات حاشدة تلبية لنداء الزعيم (مقتدى الصدر) مطالبة الحكومة العراقية بتوفير الخـدمات الأسـاسـية للمـواطـن العراقي، وأمهلت الحكومة 72 ساعة لتلبية طلباتها، إلا أن المتظاهرين انسحبوا بعد أن أذعنت الحكومة للشروط غير المعلنة التي تم الاتفاق عليها مع زعيم التيار بتوفير آلاف الوظائف لجماهيره، وزج قيادات وأفراد جيش المهدي في قوات الشرطة والحرس الوطني ومغاوير الداخلية وعلى الأخص قوات حفظ النظام التي تميزت بمسميات دينية شيعية، ومنذ ذلك التأريخ والتيار الصدري يتفانى في خدمة الحكومة والحفاظ على مصالحها، وقد أحال حسينياته إلى ثكنات عسكرية ومفارز لسيارات الشرطة والأمن.
وحـسب معلومات مؤكدة للأمم المتحدة فإن (جيش المهدي) تقاسم مناطق النفوذ في العراق وبغداد خاصة مع الحكومة المؤقتة، وكان ضمن مناطق سيطرته الشريط الشرقي للعاصمة بغداد فيما يسمى شرق القناة؛ حيث تقع مدينة الصدر المعقل الرئيس لـ (جيش المهدي) والثكنة العسكرية الأكبر له، وقد تحولت كل الحسينيات والجوامع التـابعة للتيار الصدري إلى ثكنات علنية لـ (جيش المهدي)، وكذلك لسيارات الشرطة العراقية وقوتي مغاوير الداخلية وحفظ النظام.
وكان من أهم المواقف التي افتُضح فيها (جيش المهدي) مـمارسـاته الطـائفـية ضـد أهل السنة؛ فهناك (فِلمٌ مصور) يظهر فـيه زعيـمه مقـتدى الصـدر وهـو يأمر بتوجيه قواته إلى مدينـة (تلـعفر) ضـمن قوات الجيش العراقي، ويقصد تحـديداً الحرس الوطني؛ حيث استبيحت المدينة عن بكرة أبـيها بمسـاندة مـن القـوات الأميـركيـة التـي بدأت أول عمل مشـترك هنـاك مـع (جيش المهدي) إلا أن الصدر تدارك الأمر، وكذَّب هو ووكلاؤه الشريط المصور، وتقبَّل عامة المسلمين السـنة التكـذيـب حيـنها لموافـقته رغبـاتـهم غـير الطـائفـية فـي التعايش مع الشيعة، حتى كذبت أحداث ما بعد سامراء تلك الآمـال وأظـهرت (جيـش المهـدي) وقيادته على حقيقة حالهم.
وبعـد التصعيد ضد أهل السنة ومقدساتهم من قِبَل (جيش المهدي) أقامت بعض سرايا الجيش العراقي مفارز في الطرف الغربي لمدينة الصدر لصعوبة التغلغل داخل المدينة لقلة وجود الصدريين بين أفراد الجيش العراقي، وتمكنت من إلقاء القبض على أكثر من ثلاثمائة مقاتل شيعي عامتهم من جيش المهدي، ومع ذلك تم التكتم على الموضوع، ثم توالت إعلانات وزارة الدفـاع عـن إلقاء القبض على فرق موت أخرى؛ إلا أن أي نتيـجة للتحقيق لم تعلن بعد؛ بينما تأكد إطلاق سراح كثيرين منهم.
وكان التيار الصدري قد دخل على استحياء الانتخابات النيابية الماضية ضمن قائمة الائتلاف برغم خصومته المعلنة مع المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وفيلق بدر وعبد العزيز الحكيم شخصياً، لكنه ارتقى في ولائه لحزب الدعوة الذي تربطـه به عـلاقة تاريـخية تعـتمد على تنحية فكر الصدر الثاني وهو الخصم اللدود للتيار الشيعي الصفوي والعودة إلى الصدر الأول مؤسس التيار الصدري وحزب الدعوة معاً، حتى أصبح الصدريون الدعامة الرئيسة لرئيس الوزراء السابق (إبراهيم الجعفري) والمطالبين بقوة لاستمراره لكونه أكثر من حقق لهم رغباتهم الطائفية، وسهل على غلاة الشيعة تحقيق أحلام الأجداد في تقتيل أهل السنة تحت مسمى (الوهابية) واستباحة بيضتهم بطريقة غوغائية بشعة، فكانوا السبب الرئيس وراء أزمة تأخر تشكيل الحكومة العراقية الجديدة واستمرار حالة الفوضى الأمنية، وتأخير العمل بالنظـام الأمـني الجـديد واستمرار مسلسل القتل اليومي لأهل السنة مما أسهم في تراجع ترشيحه رئيساً للوزراء، وجاء البديل (جواد المالكي) وهو القائد العسكري لميليشيا حزب الدعوة.
وقـد شـملت التحـولات في موقف الصدريين توطيد العلاقة مع إيران إلى حـد التهديـد بالدفـاع عنـها عسـكريـاً لو أنها تعرضت لخطر أميركي محتمل كما جاء على لسان (مقـتدى الصـدر) وشـمل هذا التطور مد إيران جيش المهدي ـ سيئ التسليح ـ بأحدث الأسلحة وأشدها فتكاً، وقد تسلم (جيش المهدي) فعلياً شحنات من الأسلحة المتطورة والعادية شملت القاذفات والرشاشات الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات، واتخذ الجيش من حسينياته مقرات لها.
وفـي هـذا التطور تكون القوى الشيعية الغالية قد اجتمعت بطريقة لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، ولكنه اجتماع غير منضبط ولا يمكن ضمان استمراره؛ فبين الحوزتين (الفـارسـية) و (العربية) أو ما يسمى بالحوزتين (الصامتة) و (الناطقة) من الخصومة الشيء الكثير مـن تاريـخ ملـيء بالدماء والثارات والاختلاف على الحقوق الشيعية (الخُمْس) ومردودات السياحة الدينية والدخول المتأتية من الأضرحة والمـزارات ما لا يمـكن أن يـذوب نهـائـياً فـي ليلة وضـحاهـا ولو للمصلحة المشتركة في الحرب على أهل السنة | |
لكن هذا الاجتماع خطير جداً برغم كل المعوقات والمنغصات؛ فالمساعدات الشيعية تجتمع إلى قيادات تلك التـيارات من كل حدب وصوب؛ وقد تفانى شيعة المنطقة الـشـرقية في السعـودية وغيرهم في البحرين والكويت وغــيرهما في دفـع هـذه الميـليشـيات ودعمها بالقوة السـياسية والمال، وفـي المقـابل فـإن شـباب شيعة تلك الدول حصلوا مـن هـذه الميـليـشيات ـ شـبه الحكومية ـ على فرصة نـادرة في التـدريب على السلاح والإعداد العسكري، في حـركة دؤوبــة لوصـل الشـرق بالـغرب والشمال بالجـنـوب لاسـتـثـمار الفـرصة التـاريخية الـتي فتحت الباب مشرعاً أمام شيعة المنطقة لإثارة القلق والاضطرابات في كل دول جوار العراق.
الحقيقة أن الضريحين ليسا أضرحة للشيعة فقط بل هما من أئمة أهل السنة فضلاً عن وجودهما في منطقة السنة، وكان أهل السنة هم المشرفين على الضريحين وكما قيل فإن أهل سامراء من أحفاد هذين الإمامين الجليلين، ونسبتهما للشيعة فيه نظر ويحتاج إلى تصحيح، إلا أن اتخاذ قبريهما أضرحة يطاف بها ويُتعبد عندهما، لا يقره الإسلام ولا يقره هذان الإمامان الجليلان، وليس لهما ذنب في تلك الأفعال كسائر الأئمة الذين بنيت فوق قبورهم المشاهد.
المراجع
samara.alrashead.net/ موسوعة الرشيد
التصانيف
أخبار
|