لقد أكد خامنئي سيره على نهج خطى ( الخميني) وتعاليمه, وتعهد بتطبيقها بحذافيرها.[1] إلا أن بعض التوجهات قد طرأ عليها نوع من التغيير نحو الاعتدال والبراغماتية ، أما على مستوى رئاسة الجمهورية فقد طالب الرئيس رفسنجاني بضرورة تخلي المتشددين عن تطرفهم وان يتيحو الفرصة أمام الإصلاحات الجديدة[2], ويمكن القول أن مبدأ " تصدير الثورة " مع انه باقي كأساس ضمن الدستور الإيراني في عهد (رفسنجاني), إلا أن وسائل تطبيقه قد اختلفت[3] . وان الأوضاع الداخلية الإيرانية ازدادت سوءا ولهذا فان السياسة الإيرانية الجديدة أخذت بالعمل على كسر عزلتها السياسية والانفتاح على العالم لحل مشكلاتها ومنها الاقتصادية ولهذا شهدت مرحلة التسعينات سياسة خارجية إيرانية منفتحة ومرنة على الصعيد الإقليمي مع جاراتها (جمهوريات آسيا الوسطى) والجارات الجنوبية (دول مجلس التعاون الخليجي) وحتى مع تركيا في الغرب وعلى الصعيد الدولي مع أوربا ودول العالم الثالث. وأما في إطار الوضع الداخلي ذهبت السياسة الإيرانية إلى مد الجسور مع المذاهب الأخرى لترصين الوحدة الوطنية من جهة ولإرضاء جاراتها ، كما أنها هبت بشكل غير مباشر إلى تشجيع منظمات أصولية للعمل وتقديم الدعم لها وبشكل يمكن للباحثين من إدراكه[4] وتواصل العمل في البرنامج النووي كإحدى أهم أولويات حكومته. واستمر الأمر في عهد الرئيس (خاتمي) وبدأ بتأكيده على انه عهد جديد لإيران قد انطلق بسياسة منفتحة على الجميع وأنها ستمد يدها لكل الدول على أساس الاحترام المتبادل وحقوق المسلمين وخدمة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون[5]لأنه كان راغبا في تغيير سياسة إيران الخارجية مما يمكنها كسب قبول المجتمع الدولي. لكن الإطار الدستوري في إيران لا يسمح له بان يترجم أفكاره السياسية إلى سلوك سياسي خارجي لنظامه السياسي على الرغم من انه يحتل المركز الأول في هرم السلطة التنفيذية إلا انه لا يملك فرص حقيقية من توجيهها لأنها من اختصاص المرشد الأعلى للثورة الإيرانية[6]. أصبحت السياسة الخارجية الإيرانية تحددها المصالح الوطنية أكثر من الاعتبارات " الإيديولوجية", حيث فتحت التحولات الإقليمية أفقا جديدا لإيران في مجال دعم علاقاتها مع دول المناطق المجاورة لها على أسس سياسية براغماتية , دون أن يعني ذلك التخلي عن الطابع الإيديولوجي المميز لها [7]. وبعبارة أخرى.إن السياسة الخارجية لحكومة (رفسنجاني) اتسمت بالمزج بين الإيديولوجية والواقعية.وذلك من خلال استخدام الأساليب غير المباشرة للنفوذ والتأثير في علاقاتها الإقليمية الدولية, ومد الجسور مع المذاهب الأخرى والتشجيع لمنظمات دينية متطرفة للعمل بخفية وتقديم الدعم لها بشكل واضح[8]. لم يتغير الأمر في عهد الرئيس(محمد خاتمي) وقد بدأ بالتأكيد على انه عهد جديد سيبدأ, وان سياسة إيران تقوم على أساس الاحترام المتبادل والمحافظة على استقلال البلاد وخدمة المصالح المتبادلة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى فضلا عن تبنيه سياسة الانفتاح.[9] لان خاتمي كان راغبا في تغيير سياسة إيران الخارجية لكسب القبول في المجتمع الدولي فهو لا يملك سلطة فعل كل شيء . فهناك المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي والذي يحتل المركز الأول في هرم السلطة في إيران[10], وعلى الرغم أن رئيس الجمهورية هو من يرأس السلطة التنفيذية وله صلاحيات واسعة في كل ما هو تنفيذي إلا انه لا يملك فرصا واسعة في رسم السياسة الخارجية دون الرجوع إلى المرشد الأعلى. أن سياسة خاتمي وصفت بالتعقل والاعتدال وهو يعد احد الأعضاء البارزين في (المؤسسة الدينية السياسية) في إيران منذ عام( 1979) وعليه فان سياسته الإصلاحية لم تكن بعيدة عن الدستور المترجم والوثيقة السرية التي سميت(شورى الثورة الثقافية – الإيرانية)عام 1998, والتي أكدت بان الحكومة الإيرانية فضلا عن مهمتها في حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة عقائدية تجعل من (تصدير الثورة ) إحدى أولوياتها [11]. ومن هنا فقد واجهة إيران بعض المواءمة بين "الإيديولوجية الدينية" التي انتهجتها منذ عام (1979) وبين التطورات التي يشهدها النظام الدولي الجديد, ولذلك فان الموازنة صعبة بين أن تكون إيران أمينة للإرث الذي تركه( الخميني) في تصعيد حدة المواجهة مع القوى الدولية والإقليمية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وبين الانصياع لمنطق التعقل والاعتدال لمتطلبات البيئة الدولية وعليه فقد أكد خاتمي في أن عهده (ستكون أمينة على ميراث الثورة) , وإتباع سياسة تنشد السلام والأمن وعلينا أن نتمسك بالثوابت ونتجاوب مع المستجدات , وعلى هذا الأساس فان إيران ستبذل جهودا حثيثة من أجل رفع قدرات شعبها القتالية وتطوير أسلحتها[12] مما ذهبت بالسياسة الخارجية الأمريكية إلى وصف إيران بأنها تمزج بين التظلم والطموح[13]. وترى السياسة الخارجية الأمريكية أن إيران لا ترغب في التخلي عن إيديولوجيتها, ولا في التخلي عن الأنشطة السياسية والتي تعدها مرادفا لقيمها فالحماس الإيديولوجي الإيراني قد صدأ ولكنه لم ينته بعد, حيث أن عناصر متشددة في الحكومة الإيرانية لا تزال تتبنى فكرة "تصدير الثورة" وتبذل جهود حثيثة لتطوير وتعزيز قوتها وقدرتها العسكرية تحقيقا لهدفها الأعلى وهو إيران القوة الإقليمية المهيمنة[14]. ولذلك يعد التصور الأمريكي بمحاولة إيران مليء الفراغ الإيديولوجي في المنطقة محل الإيديولوجية الشيوعية من خلال تأكيد خامنئي باستمرار إيران على نهجها السابق ودعمها لقوى إقليمية وحركات شيعية كحزب الله في لبنان ومنظمة بدر و جيش المهدي في العراق والتطلع إلى دور إقليمي مؤثر مما يزيد من القلق الأمريكي ويبرر احتوائها لإيران. - التوجهات الإقليمية ومبررات الاحتواء لإيران من خلال: 1- استمرار النزعة الدفاعية أن السعي الإيراني في الحفاظ على حدود الدولة واستقلالها, جعل إيران عرضة للتهديد وإثارة النزاعات بين باقي الأقليات مع العنصر الفارسي مما جعلها عرضة للتفكك وجعل الحفاظ على الدولة ذاتها مرتبطا باستمرار الدفاع عن أمنها الإقليمي, وتأتي التدخلات الأجنبية المصدر الأساسي لهذه القلاقل. 2- استبدادية الأنظمة السابقة. أن غياب البناء السياسي الموحد في معظم حقب التكوين السياسي , وهيمنة الدكتاتورية الشاهنتانية المدعمة بالقهر والاضطهاد على امتداد التاريخ , فالشعب الأيراني تعرض لمشاق عديدة في إذعانه لحكم الشاهنشاهي المستبدوعلاقته بأمريكا, مما أنتج سلوكا اتسم بالخوف وعدم المواجهة وردود الأفعال السريعة من أي وسيلة يمكن أن تفضي بالنتيجة إلى تحقيق أغراض عدوانية ولمواجهة هذا الاحتمال فان تطلع إيران الجديد يمكن أن يكون محفزا لقوى الاستكبار لاحتوائها ولذلك كانت إيران يقظة وحذرة من اجل إفشاله.[15] 3- التكوين الطبوغرافي والقدرة العسكرية الإيرانية. تتكون إيران من هضبة صحراوية كبرى في الوسط (وتحيط بإيران مجموعة من الجبال على هيئة عدد من السلاسل, تشكل 50% من مساحة البلاد). [16]
والوضع الجغرافي في تاريخ السلطة المركزية في إيران, وتباعد التأثير لمختلف الأقاليم المجاورة. الأمر الذي جعل السيطرة عليه من الصعوبة وحفاظ حدودها يكون من الأصعب, فقد أصبحت مسألة التحسب لأي اعتداء خارجي وفرض الهيمنة العقائدية والعسكرية على حافات الهضبة هو حالة ضرورية. وإظهار وجه إيران الحقيقي لما سم (حركة توحيد إيران)[17]. هذا ما دفع إيران إلى زيادة قدرتها الدفاعية وامتلاك أسلحة متطورة لمواجهة الاعتداءات الخارجية وخاصة أن إيران لها أبعاد دولية تؤدي دور بين الطرد والجذب تحت تأثيرات مختلفة إلى الأقاليم المجاورة.

المراجع

www.alrashead.net/index.php?partd=2&derid=1709

التصانيف

سياسة