لا شك أن تعاظم الإرادة الشعبية المعبرة عن طموح الشباب المثقف من أصحاب القضية والانتماء لهذه الأمة يحدوهم الأمل والتصميم والإصرار العنيد في النضال المتواصل، للوصول إلى أهدافهم المرجوَّة من وراء هذا الحَراك؛ فبعد تعاظُم وتغول الأنظمة القمعية وتربُّعها على صدور شعوبها لم يكن بدُّ إلا أن تنزع هذه الجموع ثوب الاستكانة والتدرع بدرع الثورة الجديد، التي لم يكن لها سلاح سوى صداح الحناجر بشعارات الثورة المحبوكة بإتقان شديد في رباعيات يعجز عن مواجهتها الظالمون، ولم يكن لها من دروع المواجهة سوى استقبال رصاص هذه الأنظمة بصدور عارية لا تخشى على حياتها بقدر خشيتها على إجهاض ثورتها، فالثورة تشكل اليوم ميلاد حياة امة غابت عن مسرح الأحداث بعد أن استحوذت مجموعات مستبدة بالسلطة على نشاطات الحَراك السياسي؛ فلم يعد شيء منه معبراً عن طموح أبناء الأمة، بل والأدهى من ذلك والأمَرُّ هذا التزاوج غير الشرعي بين السياسة والاقتصاد فعادت المؤسسات الاقتصادية للدولة رهينة بالحاكمين ومن ينتمي إليهم بصلة قرابة أو تملُّق جعلت من ثروات البلاد غنيمة لهم ومن القرارات المصيرية لعبة لا يشاركهم بها أحد.
وإذا حاولنا قراءة ما يجري في الساحة العربية عموماً في الدول التي شهدت هذه الثورات فسنجد أن الإصرار والتصدي بحزم لكل ما يُطرَح من مشاريع وتسويات وتنازلات لا تأبه بها جموع الثائرين بل تزيد من عزمها وديمومتها وتَعُدَّها مؤشراً لصدق توجُّهاتها وقوَّتها فتزيد من حَراكِها أملاً في الإسراع للوصول إلى أهدافها بأقل قَدْر من الوقت والتضحيات.
لقد أينعت ثورة تونس وأبدعت منهجاً جديداً في التصدي للظلم، وأنارت أرجاء مصر ثورتُها التي أبدعت في إنتاج نموذج التلاحم المصيري في مواجهة مؤسسة حاكمة لأكثر من أربعين عاماً، ربما كان بعض العادين يرى أن من غير المتصور أن يحدث تغيير في تونس، تلك الدولة التي حُكمَت بالحديد والنار مؤتزرة بالأنظمة الإلكترونية لتحصي أنفاس الناس جيئة وذهاباً، ومثل ذلك حدث في مصر التي كانت حكومتها ترتب للتوريث الجمهوري وتسليم السلطة من الأب إلى الابن لتبقى رقاب المصريين رهينةً بنظامهم الذي استحكم حلقات التضييق على الناس في السياسة كما التجارة فلم يَعُد للشعب رأي ولا يجد مساحة للتعبير عما في داخله تجاه المعاهدات المريبة التي تعقدها الحكومة بمعزل عن الشعب.
إن موضوع التأثُّر والتأثير بين الثورات العربية والوضع في العراق لا يعني أن العراق بمعزل عن الدول العربية ولا الدول العربية ذاتها تتحرك في فلك غير فلك العراق؛ بل إن العراق والدول العربية في كلا الدائرتين (التاثير والتاثُّر) يقعون، ولو أن منصفاً رصد الحَراك العراقي في مستواه الميداني منذ الاحتلال الأمريكي وإلى يومنا هذا لوجد أنه يخوض في بحر من الأرقام المهولة في قتل وجرح جنود الاحتلال وتدمير آليات الاحتلال وإسقاط طائراته بطياريها وتلك التي تنطلق من دون طيار، وهذا يعني أن بداية الرفض لمشروع الاحتلال الأمريكي المتمثل بالشرق الأوسط بتسميتَيه (الجديد والكبير) إنما كانت عراقية.
وعلى الرغم من أن الاحتلال الأمريكي استطاع بشِق الأنفُس - بالنسبة إليه لتعاظم الرفض الشعبي لصفحاته - أن يواصل تنفيذها بالاعتماد على أدواته وعملائه الأذلاء، غير أن الإصرار الشعبي العراقي أفشل جميع هذه الصفحات بدءاً من صفحات الشحن الطائفي ومروراً بعدم الاعتراف بالدستور الملغَّم وليـس انتهاءً بمشروع التقسيم باستخدام آلية الفدرلة.
إن ما حدث في العراق من احتلال وتوالي صفحاته وما جرى للعراقيين ألهب مشاعر العرب بالثورة ضد الجلادين، وإن ما حدث في السودان من تقسيم وإثارة الفتن العرقية والطائفية وإدامة النزاعات الداخلية جعل من الشباب العربي شعلة وضاءة لإعادة إنارة الطريق للخلاص من هذا الواقع المؤلم فالتأثر والتأثير متبادَل بين ما حدث في العراق وما يحدث اليوم من ثورات في البلاد العربية؛ فمطلب الثورات التخلصُ من تركة ثقيلة جثمت على صدور هذه الشعوب فما عادت تطيق النطق بحق، فكان لا بد من ثورة شبابية تعيد لهذه الشعوب هويتها الحقيقية.
إن العراق على مرِّ العصور موصوف بأن من يحكمه يحكم الجهات الأربع؛ لما يمتلكه من موقع إستراتيجي، ولما يتمتع به أبناؤه من حصافة الرأي. فليس غريباً عن العراقيين رجاحة العقل فهم الموصوفون في كتب الفقه الإسلامي بأنهم أهل الرأي والمنطق ورجاحة العقل في إيجاد الحلول لأصعب المسائل وأكبر المشكلات، وعلى الرغم من أن صفحات الاحتلال الأمريكي في العراق أجهدت العراقيين وأخذت من جهدهم كثيراً إلا أن العراق على مدى ثماني سنوات عجاف - هي عمر الاحتلال - يعيش حالة من الارتباك والتخبط والصراعات السياسية التي يغذِّيها المحتل، وتعمل على إدامة صراعها دولة الإقليم المتمددة بمخالبها الشيطانية.
هذا الصراع وتلك الأجندات الغريبة عن المجتمع العراقي جعلته يعيش أوضاعاً متدهورة نتيجة المحاولات المتكررة وإدامة الطرق على وتر إلغاء الطابع الانتمائي للعراق من خلال ممارسة السياسة الإقصائية، وفي مقابل هذا كله كان الجهد المناهض للاحتلال الأمريكي حاضراً وله بصمته في ذهنية الشارع العراقي؛ بل إن ثوابت القوى المناهضة للاحتلال صارت أرجوزة يرددها أبناء العراق من خلال تعبيرهم عما يجري من صراعات في الساحة السياسية العراقية؛
فالعملية السياسية الجارية تحت رعاية المحتل ومنذ تأسيسها على يد الحاكم المدني المعيَّن من إدارة الاحتلال عقب غزو العراق (بول بريمير): مرفوضة بالكامل، ومرفوض من يسلك مسالكها، والدستور الملغَّم الذي استوردته إدارة الاحتلال من اليهودي نوح فيلدمان مرفوض مهما حاولوا (عرقنته) بإضافة ديباجة طائفية أو تحصينات عرقية على اعتبار أن من تولى صياغته وإقرار فقراته هي مجموعة عرَّابي الاحتلال الأمريكي، ومع كل هذا الجرم الموجود في الدستور الحالي فإنهم قدَّموا له ليمرروه من خلال الإقرار أن استفتاء شعبياً سيحصل عليه الدستور، وها هي اليوم جحافل المحتلين تخرج من العراق ولم يحدث أي استفتاء؛ بل إن الأوضح في مشاكل الدستور ما عمد إلى ترديده بعض أقطاب العملية السياسية في ظل الاحتلال من أن الدستور يحتاج إلى إعادة كتابة؛ فيا للعجب قبل سنتين كان الدستور مقدساً لا يسمح أحد منهم التعرُّضَ له
فما الذي تغير؟ إن الذي تغير هو أن المؤسسات التي رعاها أذناب المحتل صارت بيدهم بالكامل ويريدون التغيير لمحاصرة كل من يعترض عليهم؛ فالأقاليم التي كانوا ينادون بها اليوم ليسوا بحاجة لها إذا استتب الأمر لهم وصاروا قادرين على فرض أجندتهم على كل العراق؛ إذن العملية السياسية القائمة على المحاصصة بنِسَبها الاحتلالية والدستور الملغَّم بمشاكِلَ طويلة الأمد: تديم الصراع في العراق ليتسنى لهم حكم الضعفاء.
كل هذه الفقرات تدعو أبناء العراق الغيارى الذين تصدوا للاحتلال بصفحته العسكرية ومرغوا أنف الإمبراطورية الموهومة بالتراب العراقي، وكشفوا زيف المؤامرات وما وراء المخططات ليرسموا بوعيهم الأفق الجديد للعراق، فكان لهم حَراكهم المتميز عن بقية التحركات وإن كان استلهم مقومات الثورة العربية في البلدان التي حكمتها دكتاتوريات لعقود من الزمن، كيف استطاعت هذه الشعوب سحب البساط من تحت هؤلاء الظالمين وجعلتهم كالريشة في مهب الريح؟
هذا النجاح في التحركات الشعبية وهذا الإصرار الشبابي المؤطر بالوعي العالي وعدم الانجرار إلى محاولات الاختراق والتمييع والتجميد والتسويف التي تسوقها الأنظمة ومثيلتها في العراق (مجموعة أدوات الاحتلال)، جعلت من الشباب العراقي يديم حَراكه الذي ابتدأ في الخامس والعشرين من شهر فبراير شباط من عام 2011م ليشكل بمجموع أبناء العراق حركة عراقية قوية زلزلت الأرض من تحت المتدرعين بقوات الاحتلال الذين يستخدمون شماعة الإرهاب وتخريب العملية السياسية المهترئة - أصلاً - تمهيداً لاعتقالات بالجملة وزجِّ العراقيين وحشرهم في كانتونات مناطقية وأخرى طائفية وثالثة عرقية لا يخرج منها أحد ولا يدخل إليها أحد إلا عبر بوابات تقف عليها عناصر القمع الحكومي للتضييق على أي حَراك عراقي يريد أن ينتشل العراق من حالة الاختطاف التي قامت بها زمرة العملاء بالتعاون والإسناد من قوات الاحتلال الأمريكي.
في ظل ظروف كهذه كان لا بد للعراقيين من استلهام الفكرة التي حررت الشعوب في المنطقة من رِبقَة الانصياع للحاكم الظالم، ورفع الصوت عالياً في ساحات البلد لتكون صرخة تدوي في أرجائه يتصدع منها البناء المتهالك لمؤسسات الطائفية والمتاجرات العرقية التي ظنت أن بمساندتها من المحتل سيكون لها ما تريد من إقامة إقطاعات طائفية وعرقية وسرقة قرار البلد وتجييره لمصالح ومنافع الاحتلال وأدواته ودولة الإقليم المتمددة بواسطة الأدوات التي رعتها لعقدين من الزمن قبل الاحتلال وحان سداد ما بذمتها لهذا الإسناد بخراب العراق وتمزيق لحمته.
لقد قرأ العراقيون تجارب إخوتهم في البلاد العربية الثائرة واستلهموا نقاط نجاحهم وقوة تأثيرهم واستنسخوا الأسلوب والطريقة والكيفية وصاغوها عراقية بما يتناسب وطبيعة الشخصية العراقية فكان لهم ما أرادوا؛
فسرعان ما ظهرت تجمعات وائتلافات وروابط تجمع العراقيين وتنسق حراكهم، فلم يكن من مجموعة الأدوات إلا التصدي لهذا الحَراك بوحشية فاقت كلَّ تدابير الظالمين في مناطق أخرى من بلاد العرب؛ إلا أن التحدي الذي ينفرد به العراقيون عن غيرهم في حَراكهم الثوري التغييري أنهم يتصدون لمنظومة ثلاثية الأبعاد:
الأول: الاحتلال وانتهاكاته.
والثاني: هي مجموعة عملاء المحتل الذين أدركوا أن الشعب بوعيه وحَراكه إنما يمثل جرس الإنذار الأخير قبل أن تعاد صورة هروبهم كما فعل أسيادهم في سايغون؛ ولذلك استنفروا كل طاقتهم في التصدي للعراقيين وحاصروا ساحاتهم التغييرية في بغداد والموصل والرمادي والكوت والديوانية والناصرية والبصرة وغيرها من ساحات العراق التي تجلت فيها لحمة العراقيين وعصيانهم عن تنفيذ مخططات التقسيم و(الفدرلة) والتمزيق مهما اختلف منفذوها.
والثالث: هو تمدُّدات دولة الإقليم التي تحاول جاهدة في السيطرة على القرار العراقي من خلال اعتماد الأدوات نفسها التي اعتمدها المحتل؛ وذلك بمدهم بأسباب استقوائهم على الشعب.
إن الشعب العراقي بشتى أطيافه وتوجهاته أدرك تمام الإدراك أن محتلاً لن يبني بلداً، وأن لصوصاً لن يأتوا له بأي خير، وأن دولة الإقليم الطامعة بالعراق تحاول من خلال عملائها الإبقاء على الصراعات الداخلية للإفادة منها في الإبقاء على قرارها في المنطقة وإقامة هلالها الموعود في ظل الرعاية الأمريكية وإن كانت التصريحات الإعلامية تقول غير ذلك.
إن الثورة العراقية لم تَحِد عن منهج الثورة الشبابية؛ بل إنها تسير وَفْق تخطيط وإدراك ووعي منقطع النظير؛
فلم تُرفَع لافتة في الثورة الشبابية العراقية تطالب الولايات المتحدة بالتدخل وإيجاد الحماية لها - وهذا مؤشر قوي على استقلالية الثورة - ولم يسجَّل على مدى الحَراك العراقي في ساحات التغيير العراقية فرزاً طائفياً أو عرقياً؛ بل إن أحد أيام الثورة العراقية كان يوم جمعة أزادي وهو اسم كردي بمعنى الحرية، ولم يلتفت جموع الشباب إلى محاولات الحكومة الاحتلالية بالتسويف والانتظار لمائة يوم وبعدها يكون ما يستدعي الثورة إن ثبت فشل الحكومة؛ بل إن الإصرار ازداد وصار أكثر صلابة في التصدي للفساد الحكومي والارتماء بحضن المحتل. ومن توفيقات الحَراك العراقي أنه لم يستمع إلى محاولات التمييع التي أطلقها من يزعم أنه قائد تيار في المجتمع العراقي لإنقاذ الحكومة، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن الثوار العراقيين لم يعودوا يأبهون بالعناوين الفارغة وأن الفعل الحقيقي صار في ساحات التغيير.
ولا شك في أن الثوار في تونس ومصر واليمن وغيرها من البلاد التي تشهد حركات ثورية شبابية على تواصل مع القائمين على الثورة العراقية؛ وذلك بإرسال الرسائل وتبادل المعلومات وكتابة المقالات والبحث في سبل إدامة الحَراك وتشكيل الهيئات والائتلافات والتنسيق بينهم.
يقول أحد الكتَّاب التونسيين[1] عن بطولة أبناء العراق في التصدي للاحتلال بالعمل الميداني ويحثهم على الحَراك الثوري الجماهيري بمقالة جعل من كلمة رسالة عنواناً لها وجَّهها إلى العراقيين يبارك حراكهم فيقول: (واجهتم كل ذلك بأدوات بسيطة ولكنها كانت فاعلة ومؤثرة في قوة العدو؛ حتى أنه ضج من صبركم وقدرتكم على التحمُّل؛ فأصيب أكثر من نصف جيش الولايات المتحدة بعاهات نفسية مستديمة قبل تدمير معظم آلياته ومعدَّاته بفعل عبواتكم الناسفة المطوَّرة عراقياً، واستهدفت أكثر ما استهدفت كاسحات ألغامه نوعاً من التحدي التكنولوجي لشعب علَّم كلَّ العالم الكتابة واخترع الحروف؛ فكيف لرعاة البقر أن يهزموا إرادته لقد برهنتم أنكم أقوى من جلاديكم ولقنتموهم دروساً في الوطنية والفداء والثورة في كل مكان من العراق الأشم:
من الفلوجة الأسطورة إلى الرمادي وتلعفر واليوسفية واللطيفية إلى تكريت والموصل وسامراء والناصرية والبصرة وبغداد إلى كل ذرة تراب في العراق تحكي بطولاتكم وعنفوانكم).
هذا الفهم والوعي المتكامل للتجربة العراقية يعطيها بُعداً عربياً تكاملياً تأخذ من أخواتها الثورات العربية كما أخذت أخواتها منها فالعراق اليوم وفي ظل الاحتلال الأمريكي وما خلَّفه وأنتجه من مؤسسات تأتمِر بأمره يحوي دكتاتوريات مزدوجة وبأنواع مختلفة، أنتجتها الفوضى الخلاَّقة التي رعتها كونداليزا رايس فكان نتاجها المِسخ كل هذه الدكتاتوريات الممسوخة والمشوهة للمشهد السياسي في العراق؛ ففي العراق اليوم مشروع دكتاتورية فردية تقوم على أساس استقواء الحزب الحاكم، تسعى للتخلص من المنافسين بطرق متعددة (قتل بكاتم الصوت، أو اتهام بالإرهاب، أو ملفات فساد ملفقة وغير ملفقة)، وتوجد أيضاً دكتاتورية عائلية تريد تأسيس دويلة في شمال العراق تساندها أمريكا ومن خلفها الصهيونية العالمية، وهناك دكتاتوريات حزبية استقوائية بالمناصب السيادية التي نالتها نتيجة المحاصصة الحزبية والفئوية تسعى لتأسيس قوة تبقى تهدد اللحمة العراقية. ويشمل المشهد السياسي في ظل الاحتلال دكتاتوريات واستقواءات متعددة أخرى تجمعها منافعها الفئوية والفردية والحزبية، وتفرِّقها قسمة الغنائم واستلاب الأموال، والحَراك العراقي الدائر على الأرض العراقية يتصدى لكل هذه الأنواع من الدكتاتوريات ومن يقف مسانداً لها من الاحتلال الأمريكي ودولة الإقليم المتمددة في ظله (إيران).
إن العامل الرئيسي الذي يقرؤه المتابعون: أن المقاومة العراقية بتصدِّيها البطولي وكسر شوكة الاحتلال الأمريكي في العراق، ألهب شعور المجتمع العربي في التوجه نحو جلاديه وظالميه والإطاحة بهم؛ فالعراقيون بكل فخر كانوا الحلقة الأولى في كسر حاجز الخوف وانقلاب الهرم المجتمعي بتوجيه حركة الشارع إلى الأهداف الرئيسية التي تمهِّد لولادته من جديد،
وإذا كان للعراقيين هذا الفخر فمن باب الاعتراف بالفضل فإن شعب تونس وشعب مصر الكنانة كان لهما السبق في جني ثمرة الحَراك الثوري المجتمَعي وميلاد عهد جديد يعيد للشعوب حياتها وتأثيرها.
إذن التأثير متبادَل بين الحَراك العراقي وباقي الحراكات العربية سواء التي أنتجت تغييراً أو تلك التي لا تزال تناضل من أجل التغيير وإعادة الحياة إلى قرارها السياسي.
خلاصة القول: إن تحالف النيتو والصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية تفاجؤوا جميعاً بالثورات العربية، وهم في محاولات متكررة وجادة من أجل خرق هذه الوحدة الجماهيرية بإيجاد مناطق تأثير تسندها هي وتنفذ هذه المناطق أجنداتها، هذه القوى تريد حرف البوصلة العربية عن أهدافها، وستحاول ابتعاث الأقليات والمجاميع وإدامة الصراع تحت عناوين مختلفة لتنمية الصراعات ودفعها إلى أبعد نقطة مخافة الالتقاء وتحطُّم الفوارق؛ وبذلك يسقط مشروعهم المشترك الذين يعملون عليه جميعاً وهو مشروع الشرق الأوسط الكبير والجديد.
إن ما جرى في الدول العربية من ثورات نجحت بالإطاحة بحكامها المستبدين أقلق دوائر القرار في إدارة الحرب الأمريكية فما كان منها إلا أن دفعت باتجاه اعتماد عملاء (المنطقة الخضراء) ومدِّهم بأسباب البقاء بإصدار الإشارات إلى العالم بالتغاضي عما يحصل في العراق؛ وإلا بماذا تفسر السكوت عن خمسة وعشرين شهيداً في تظاهرة يوم الخامس والعشرين من فبراير شباط الماضي؟ ولماذا السكوت عن انتهاكات واعتقالات شملت الناشطين؟
وكيف نفهم إشادة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بإنجازات حكومة المالكي بمعية هذه الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان؟ وربما ليس من نافلة القول أن نذكر أن في شهر واحد كان تعداد المعتقلين قد تجاوز الألفين، ومع هذا نجد السكوت المطبِق من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، وكيف وكيف...؟ ولا أدري إذا أطلقتُ العنان لقلمي كم يسطر من هذه الكيف؟
ومع كل ما يحصل في العراق فإن تناغم الحَراك المجتمعي بطبيعته الثورية مع الثورات في بلاد العرب إيجابي وسينتج بإذن الله -تبارك وتعالى- تغييراً للوضع في العراق، يكون أبطاله الشباب الثائرون على نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، الرافضون للاحتلال وما نتج عنه، العامدون إلى تغيير الدستور وإعادة كتابته على أسس الانتماء للبلد لا كما تمليه عليهم إدارة الاحتلال ودولة الإقليم المتمددة (إيران).هؤلاء الشباب يستمدون قوتهم من الله القوي العزيز ثم من انتمائهم لدينهم وتواصلهم العربي مع بقية الشعوب، وكيف لا وهم كانوا طليعة من أسقط المشروع الأمريكي في العراق؟ فليس من الحصافة والفهم أن يتغافل المتغافلون عمداً حَراكهم، بالتعامل على أساس الأمر الواقع مع حكومة عميلة صنيعة للاحتلال، ومثلما أعادت الثورات العربية الاهتمام بقضية فلسطين والقدس عاصمتها، وجعلتها تعود إلى الواجهة فسيكون للعراقيين شأنهم في إعادة العراق قوياً عزيزاً معافىً من أدران الاحتلال ونجس عملائه التابعين الأذلاء.
إن مرحلة الثورات العربية ستُنتج فهماً جديداً وإعادة صحيحة لترتيب أوراق الشعوب، وستمنع - بإذن الله - ظهور دكتاتوريات جديدة كالتي شهدناها خلال العقود الماضية؛
إذا ما أحسنت هذه القوى أحكامها في تنظيم العقد الاجتماعي الذي على أساسه يكون التجمع والاجتماع والحركة داخل المجتمع الذي تنتمي إليه، ولا شك إن لكل مجتمع خصائصه ومميزاته فعلى القائمين على هذه الثورات أن يضعوا البصمة الواضحة لهم لكي يتجاوزوا اختلاط الأوراق وضياع المفاهيم؛ فكما يقال: إن الذي أوله شرط آخره نور.
نوَّر الله لهذه الأمة طريقها وجعلها على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
المراجع
ar.islamway.net
التصانيف
تصنيف :تاريخ أحداث جارية العلوم الاجتماعية
|