لسنا بحاجة للتعريف بالشاعر الراحل محمد القيسي المولود في – كفر عانة – قضاء يافا عام 1944 ورحل عنا في صبيحة الجمعة الأول من آب عام 2003 عن 59 عاما وأربعين كتابا توزعت بين الشعر والسيرة والرواية .. وبرحيله فقد الشعر العربي واحدا ً من أكثر الشعراء ألغزيري الإنتاج في جيله .. بات صوته أشد تميزا ً في غنائيته ..

 

كانت قضية الشعب الفلسطيني هي القضية الرئيسية عند الشاعر الراحل محمد القيسي ..
القضية الأساسية التي تشغله هي قضية الحياة والوجود الكريم ...
- الحـِداد يليق بحيفا – المجموعة الرابعة للشاعر الراحل محمد القيسي والتي صدرت عن دار الآداب – بيروت – تشرين الأول 1975 ...

 

تحتوي المجموعة على إحدى عشر قصيدة .. يعبر فيها القيسي عن ذاك الحلم الممتد ما بين الطريق من كل الوطن العربي إلى فلسطين ...
يبدأ الشاعر مجموعته بقصيدة – يرفع الستار – وهي مهداة إلى الشهيد – كمال ناصر – الأديب الفلسطيني الذي يجمعه الأيمان بالثورة وبالجماهير ويمتص حزن الأطفال وغضب الثوار ..

 

ناديت يا كمال , يا كمال
يا وجه أمي الفقيد بين الموت والإهمال
لمن تغني " بئر زيت " حـُزنها يا أيها الرجال !

 

وبين بيروت وعـّمان تمتد قوافل الشهداء .. وراية أيلول الأسود التي واصلت احتلال ما عجزت عنه آلة الحرب تحاول اليوم الامتداد إلى لبنان لتحتل مواقع الجراح .. والمؤامرة اتسعت دائرتها وكبرت ليكبر أيلول لبنان على موائدهم جراحا ..

 

تنزف في عـّمان
وتسقط عند مشارف صيدا
وضواحي بيروت
والعمر يفوت
يتسـّع فضاء الربع الخالي
وطيور البحر تموت
وتطارد في الأرض العربية !

 

يعود الحنين والشوق إلى الشاعر ليستذكر كل الليالي الجميلة مع سكون الليل والأغاني الجميلة .. ويطل علينا الشاعر في قصيدة – الحـِداد يليق بحيفا – حيث يهتز صراخ الحقد – القهر – ليعلن إن القمر الأتي جميل ..
مراسيم قهرك جارية
إنهم يتركونك وحدك
في ساعة الطلق , يلقون باللوم – زورا – على القابلة
سمعت الرياح تغني
يليق الحـِداد بحيفا
يليق بها كل سجن ومنفى
يليق الحـِداد بأفراسها الحمر والقافلة

 

يعيد الشاعر إلى الوطن الأم .. ويبدأ بالغناء الحزين في قصيدة – نبيذ من المتوسط – عندما يخط بالدم أسم حيفا على شرايين القلب .. وينثر الزهور على جباه الحزانى حين تعانق الزهرة سفح الرابية ..

 

وما بعد
في القلب حيفا
واني أصعّد أحزانها بالغناء
وأرسم خارطة , وحدائق غنّاء , أشيّد دارا وحانة
تقدّم للمتعبين وللغرباء
نبيذا ً من المتوسط
أملأ قبعتي بالزهور الندية
أنثر فوق جباه الحزانى زهوري

 

أما قصيدة – تحت سماء أخرى – فهي مليئة بروح الغربة والحزن والألم ,, ذلك الحلم الذي يعتلي كل موجة دفعتها الرياح لترسم بنادق ورصاص .. زهورا وأناشيد .

 

حلمي لا يهمد
حزني لا يخمد
وأنا أتوقـّد جمرا ً, أتعمـّد بالريح
سلام الشفق الناري ّ عليك
سلام يدي ّ الحالمتين
السنبلتين الصفراوين
سلام اليوم الآتي

 

في تلك اللحظة يعود الشاعر بذاكرته إلى الصوت الحنون – صوت الأم – فيسري صوتها في كل عرق نابض من جسده , ويأخذ صدى ندائها يتجاوب داخل أعماق الشاعر.. فيتذكر حزن الطفولة ويتذكر الغناء الذي كان يسمعه من أمه .. هذا الغناء والصوت الشجي والملئ بالأسى الذي كان يسرد حكاية الطرد ويحكي عن الهم البعيد .. والذي كان أول محرك داخلي باتجاه الغناء ...
أسمع أغنية من غور أريحا
وأنا تحت سماء ٍ أخرى
فتناديني أمي .. وتناديك دماي
ويناديك غنائي الطالع
من حزن طفولتنا الموقوفة في الأسر
ومن فرح القلب , وتقطيب الشارع
وينهي الشاعر هذه القصيدة .. حين يرى السادة يشرعون في إغماد خناجرهم في ظهر حبيبته , الأكثر سمرة من رمال الصحراء العربية .. ويسهمون بالقاءه خارج الوطن .. في المنفى .. ليتلوع بالغربة والحزن والعذاب ...

 

والآن , أبحث عنك , واقرأ فاتحة النهر
لقد وسعتك الدمعة
والصحراء العربية ضاقت
نامي مستو حدة في القلب
ولا تنتظري أحدا ً .. وسعتك يداي
يا آخر ما أملك في قاطرة الغربة
يا نجم هواي

 

يحدثنا الشاعر عن حبيبته عندما تطرز تأريخ فلسطين ثوبا جديدا وتنسج راية وتحتضن الأطفال والشيوخ والنساء .. ذلك في قصيدة – فاتحة للعذاب وفاتحة للأغاني – حيث يعانق الفرح الأكبر من فرح فوهات البنادق مع الدمعة الأخيرة ..
تجيئين بعد فوات الأوان
تجيئين فاتحة للعذاب .. وفاتحة للأغاني
تجيئين لا أعرف الآن من أين
أعرف انك أنت معي كل آن
تجيئين مثل الأغاني
وينشد في سهل عينيك لي طائران
ولكنني لم تلامس يداي الندى
والسلاسل تأخذ شكل البدن
ومخفورة أنت , من ينزع الآن مني يديك
وينهب ساحل عينيك , من ... ؟

 

وهكذا يبقى الشاعر الراحل محمد القيسي في القلب دائما وكما يقول " لا تنتهي الحياة إلا في الصمت " .. وما دامت الكتابة تقول وتجد مساحتها في القلب والورق .. فهذا يعني أن نبض الحياة ما زال يسري وان الكلام ما زال قابلا للإفضاء " ...
 

المراجع

ahewar.org

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع