إحدى إبداعات مالك بن نبي رحمه الله, وقد أراد بها كما قال لناشرها الفرنسي أن يمسّ جزءً مهماً من الفلكلور الجزائري ( أعتقد أن مالكاً قد قصد معنى آخر غير المعنى الذي يتوارد للذهن بخصوص كلمة فلكلور, ولكنها الترجمة!, وربما كان هذا المعنى له علاقة بالشخصية) وهي من منشورات دار الفكر في دمشق لعام 2009م. قام بترجمتها عن الفرنسية الدكتور زيدان خوليف, الذي عثر على هذه الرواية أثناء إعداده لرسالة الدكتوراه عن حياة مالك بن نبي وأعماله.
وكما جاء على لسان عمر مسقاوي تلميذ مالك بن نبي فإن قصة "لبيك حج الفقراء" قد "رسمت عمق الروح الجزائرية وشخصيتها المنتمية إلى تراث الثقافة والحضارة الإسلامية المنشدّة إلى منازل الوحي".
ففي هذه الرواية ذات الأحداث البسيطة, استطاع مالك أن يقدم لنا وصفاً للمجتمع الجزائري ببساطته وأصالته ومحافظته على هويته وتراثه ودينه رغم كل المحاولات الفرنسية لطمس هذه الهوية وحرف الشعب عن فطرته وإنسانيته.
فإبراهيم بطل القصة الذي قرر الاستجابة لنداء الفطرة والدين, نداء المجتمع وعاداته وتقاليده, نداء الذكريات العائلية التي حفرت في نفسه قيم دينه وأمته ومجتمعه, كان يمثل تلك العودة إلى الروحانية والنقاء بعد ابتعاده عن تلك القيم, وغوصه في قذارة الإنحلال والمادية.
لا أعتقد أن مالكاً كان يبتغي من كتابة روايته تلك أن يبدع رواية أدبية وكفى, بل إنني أرى أنه كان يريد أن يؤكد على أن في هذا المجتمع قيماً راسخة ليس من السهولة طمسها, وأن هذه القيم هي التي ستحمي حضارتنا من الذوبان والاضمحلال. فقوة الدين, قوة المركز, تشد دائماً أفراد المجتمع لتعيدهم نحو تلك القيم مهما ابتعدوا عنها, ومهما أثرت فيهم دعوات المادية الفجة.
لم يكن مالك بن نبي منشغلاً بمسألة الهوية بقدر انشغاله بالبحث عن أسباب الانحطاط والقابلية للاستعمار, ولكنه في هذه الرواية تطرق بحسه السليم إلى مسألة الهوية وكيف تكون حامية ومنجية للشخصية ومكوناتها.
وبالرغم من أن تلك الرواية قد كُتبت قبل سنوات كثيرة (1947م) فقد وجدتها من الروايات التأصيلية التي تعاملت مع المجتمع من منظور الاحترام, وليس من منظور النقد والاحتقار, فقد صورت لنا تلك البساطة والحميمية في التعامل بين أفراد المجتمع, وتطرقت لمسألة في غاية الأهمية, وهي مسألة الانتماء للمجتمع, فالفرد الذي يخرج عن قيم المجتمع هو فرد منبوذ ومطرود من قبل الشعب, ولكنه سرعان ما يعود للاندماج ويلاقى بالترحيب والسرور إذا عاد للالتزام بهذه القيم واحترامها.
"لبيك حج الفقراء" رواية بسيطة ولكنها مؤثرة, لا تخلو من تشويق رغم سلاسة أحداثها, هي من تلك القصص التي نسمعها عن رحمة الله بعباده, وأنه يهدي من يشاء إلى طريقه المستقيم, ولكنها من الروايات التي تذكرنا بأن قيمنا وهويتنا هي طريق نهضتنا, وأن عودتنا لتلك الأصول هي التي يجب أن ننطلق منها لرسم حياة جديدة وحضارة اتصالية, نابعة من ذاتنا ومن أخلاقنا ومن خصائصنا, تؤكد للعالم بأن هناك حضارة قوية راسخة, تستطيع مقاومة تيار المادية الجارف الذي يريد الهيمنة على باقي الحضارات ومحوها من الوجود.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع