الباب الأول
( مذاهب أخلاقية في الفلسفة الغربية )
الفصل الأول
( تعريف علم الأخلاق وصلاته بعلوم أخرى وأهدافه )
يمكن تعريف علم الأخلاق من حيث البحث عن المبادئ وترتيبها واستنباطها والكشف عن أهميتها للحياة الأخلاقية مع بيان الواجبات التي يلتزم بها الإنسان .
ومن التعريفات لهذا العلم ما يتجه به نحو سلوك الإنسان بالنظر إلى مثل أعلى حتى يمكن وضع قواعد عامة للسلوك والأفعال تعين على فعل الخير والابتعاد عن الشر ومن خلال هذا التعريف يؤكد الكاتب على أنه بحاجة على إيضاح كثير من الموضوعات في المجال الأخلاقي من تلك الموضوعات معرفة الفرق بين الإرادة الخلقية والإرادة الطبيعية لأن أفعال الإنسان وسلوكه منها ما هو صادر عن دوافع طبيعية غريزية بحثة شأنه فيها شأن الحيوان ومنها ما يخضع للقوانين والمبادئ والقواعد فقد كشفت الدراسات الأنثروبولوجية الحديثة إلى أن تاريخ الحضارة البشرية ملئ بالشرائع الأخلاقية ، ومن خلال استعراض التعريف السابق يؤكد المؤلف إلى أننا بحاجة إلى :
- صفة علم الأخلاق كعلم معياري وليس علما وضعيا .
- التعريف بالقيم أو المبادئ الأخلاقية .
- الإلزام الخلقي .
1 – علم الأخلاق علم معياري : وقد ذهب أتباع مدرسة علم الاجتماع إلى اعتبار علم الأخلاق علم وضعي فهدموا التصور التقليدي له ، فقد فصل ليفي بريل وأستاذه دروكايم علم الاجتماع عن الفلسفة وأطلقا عليه اسم علم العادات إشارة إلى أن الأخلاق هي دراسة موضوعية تجريبية لقوانين العادات الخلقية عند الإنسان . وفي اعتبار الكاتب أن علم الأخلاق – حتى كعلم عادات – لا يمكن أن يتجرد من المبادئ والقيم المعنوية التي لا تخضع للتجربة باعتبار أن الطرق التجريبية لم تحل لنا إطلاقا هذه المبادئ التي هي في جوهرها معنوية ن فإن التجربة لم تخبرنا عن حقيقة الخير أو الشر أو السعادة أو الكرم أو الشجاعة .
2 – التعريف بالقيم : أنها تعد نقطة بدء ضرورية لكل بحث سواء كانت خاصة بالعلوم أم بالأخلاق كمبادئ علم الهندسة وكمبدأ الحتمية العام في علم الطبيعة وكمبدأ الواجب المطلق في الأخلاق ، وقد أصاب المبادئ الأخلاقية في العصر الحديث ما أصاب باقي المبادئ للعلوم الأخرى وأصبحت المكانة التي تتمتع بها هدفا للهجوم وأصبح من الخطورة بمكان إنزال القيم أو المبادئ الأخلاقية من مكانتها واستهدفها لتأثير النظريات النسبية التي سادت في القرن التاسع عشر حيث امتدت فكرة الحقائق النسبية إلى ميدان الأخلاق وغلت في القول بنسبيتها وسوت بين العادات الأخلاقية المتغيرة في كل قطر وفي كل أمة وفي كل عصر وبين القاعدة الأخلاقية الثابتة ، وبذلك خلص الكاتب إلى أن كلمة القيم أو المبادئ تشير إلى معاني الضرورة والكلية والثبات والإطلاق وبهذا يجب علينا الحذر من النظر إلى المبادئ الأخلاقية بمفهوم العصر الحاضر في الغرب المتسم بطابع النسبية والمرونة لأننا إذا أخضعنا القيم الأخلاقية إلى قوانين التغير والنسبية فلن نلبث أن نصيب الحقيقة في الصميم وبالتالي فإنه لن يلبث أن يؤدي إلى بلبلة الرأي العام الأخلاقي .
3 – الإلزام الأخلاقي : وفي نظر الكاتب يختلف عن الحتمية في القانون الوضعي فهذا الإلزام ينطوي على المسؤولية الأخلاقية لأن الأفعال تصدر عنه ككائنات أخلاقية تملك الحرية وينبغي أن يدرك كل فرد ضرورة فعل الخير وتجنب فعل الشر وأن يرغم نفسه على إتباع هذا المنهج ببذل جهد إرادي فالإلزام هو المحور الذي تدور حوله المشكلة الأخلاقية فإذا انعدم الإلزام انعدمت المسؤولية وضاع الأمل في إقامة العدل وعمت الفوضى وساد الاضطراب .
الهدف من دراسة علم الأخلاق
باعتبار أن "الخلق" في اللغة هو السجية والطبع والعادة فإنها لوحدها لا تعطي معنى الأخلاق الحسنة لأنها تحتمل المعنيين الحسن والقبيح ، وبذلك تأتي دراسة علم الأخلاق لكسب الأخلاق الحسنة والتخلص من الخلاق السيئة فبواسطة الجهد الدائب يمكننا أن نرتفع بأخلاقنا إلى المستويات الحسنة وبذلك بعد البحث والدراسة يمكن للإنسان أن يتخلص من أخلاقه الرديئة واكتساب الأخلاق الحسنة باعتبار أن العلم يقود إلى العمل وإلا فلا فائدة فيه ، إذ الاكتفاء بالعلم دون العمل مضيعة للوقت والجهد ، فالهدف من علم الأخلاق كما يحدده ابن مسكويه أن نحصل لأنفسنا خلقا تصدر به عنا الأفعال كلها جميلة وتكون مع ذلك سهلة علينا لا كلفة ولا مشقة .
صلة الأخلاق بالتربية
يقرر المؤلف أنه من المعلوم أن التربية الخلقية هي السياج التي تحيط بألوان التربية جميعا فمن واجب الفنان مراعاة قانون الحشمة واللياقة والمحافظة على ستر الحياء والعفاف ، وعلى المعلم الإحسان في اختيار مادة تدريبه العقلي واللغوي ، وهكذا ينبغي إخضاع سائر ألوان التربية في وسائلها وبواعثها لقواعد الآداب وأن نقيس ذلك كله بمقاييس الفضيلة ، من ذلك فالتربية الخلقية تحتاج إلى أنواع من التعب والصبر وطول المراقبة لتكوين الملكة الخلقية حتى يصبح السلوك الأخلاقي عملا انبعاثيا محببا إلى القلب ، أما الكسالى الضعفاء فلا تتكون لديهم الملكات بل تموت مواهبهم وتضعف عزائمهم ويحرمون من الاضطلاع بأعباء الحياة والتأثير فيها .
صلة الأخلاق بالدين
إذا نظرنا على الدين باعتباره معرفة الحق الأعلى وتوقيره ، وإلى الخلق باعتباره قوة النزوع إلى فعل الخير وضبط النفس عن الهوى فإننا أمام فضيلتين ، أحدهما : نظرية والأخرى عملية ، فالقانون الأخلاقي الكامل هو الذي يرسم طريق المعاملة الإلهية كما يرسم طريق المعاملة الإنسانية ، والفكرة الدينية الناضجة هي التي لا تجعل من الألوهية مبدأ تدبير فعال وحسب بل مصدر حكم وتشريع في الوقت نفسه ، والعقيدة باعتبارها المصدر الرئيسي للإحساس بقدسية القوانين الأخلاقية هي أكبر دافع يدفع الإنسان إلى الأعمال الإيجابية الخيرة ، وأقوى رادع يكفه عن إتباع الهوى ، فبعد البحث الذي أجراه القاضي البريطاني ديننج في فضيحة الوزير البريطاني وكريستين كيلر حيث مكث نحو ثلاثة شهور يحقق في هذه القضية قابل خلالها 180 رجلا وامرأة وعكف يدرس القضية بمنظار الباحث المدقق فخرج منها بنتيجة مهمة أعلنها في قوله :"بدون الدين لا يمكن أن تكون هناك أخلاق وبدون أخلاق لا يمكن أن يكون هناك قانون"
المراجع
odabasham.net
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع