ياسين سليماني
المبحث الثاني: نقد آراء شحرور في الكتاب والأسماء المشابهة له
1- حول رأي شحرور في معنى مصطلحي "الكتاب" و" القرآن":
قدّم شحرور كتابه" الكتاب والقرآن" بهذا العنوان كي يلحظ القارئ من أول وهلة أن الإسمين مختلفان. غير أن لم يتحدث عنه هو أنواع الكتب التي ذكرت في التنزيل الحكيم وأدلته على أن الكتاب لا يعني من بين ما يعنيه "القرآن" فاهم إشكالية طرحها شحرور هي أن القرآن ليس هو الكتاب (الستين حزبا)، ولكنه جزء يسير منه، ولأن شحرور ينفي الحديث النبوي وينتمي إلى فئة القرآنيين الذين لا يؤمنون إلا بالتنزيل الحكيم- رغب انه يتحفظ في مؤلفاته على هذه التسمية- فهو لا يقر بالكثير مما ثبت عن النبي (ص) حول هذا الشأن.
يقول النبي(ص) عن القرآن:" هو كتاب الله تبارك وتعالى، فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل...الحديث"، فجاء النبي (ص) في حديثه هذا على ذكر ثلاثا من أهم المصطلحات التي يستخدمها شحرور وهي: كتاب الله، نبأ، حكم.
فالنبي (ص) قال عن القرآن أنه الكتاب وأن فيه النبأ (وهو المصطلح الذي يأخذ منه شحرور كلمة "النبوة")، كما وفيه الحكم (الذي يقول الكاتب بأنه الآيات المحكمات). ولم يفرق (ص) بين النبأ والحكم ولا بين النبأ والحكم من جهة والكتاب من جهة أخرى.
ويرفض شحرور السنة النبوية رغم أنها جاءت مفسرة للتنزيل الحكيم، فتفسير السنة لكتاب الله هو تركيب المعرفة الإنسانية على مقتضى الوحي الإلهي من كتاب وسنة، ومقتضى الواقع الكوني في حركته من الدنيا إلى الآخرة، والهدف الأكبر لذلك هو حصولنا على اليقين الإلهي الذي نفسر به كل خطوة جديدة نخطوها على طريق التقدم، لنعلم ما هو حق مما هو باطل(1)
ولذلك برجوعنا إلى أقوال النبي (ص) سيزول الكثير من اللبس الذي وقع فيه شحرور وأراد إيقاع قارئ كتابه فيه.
إن ما ذهب إليه شحرور من تقسيمات للتنزيل الحكيم، غفلت عن التقسيم الحقيقي أو التنويع في استخدام كلمة "كتاب" التي جاءت كما يلي:
1. الكتاب الأم أو أم الكتاب كما سماه تعالى، وهو الكتاب الجامع الذي جعل الله عز وجل فيه حكمه وأمره وتدبره وقضاءه وقدره لهذه الدنيا. دليل ذلك قوله تعالى:" ولكن البر من آمن بالله واليوم الأخر والملائكة والكتاب والنبيين"، فالكتاب هنا من الأساسيات التي يجب الإيمان بها كإيماننا بالله واليوم الآخر
ومن ذلك قوله تعالى أيضا:" إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض "، فهذا إذن- كتاب الله - يوم خلق السموات والأرض أي قبل أن يوجد الإنسان وقبل أن يكون الرسل والأنبياء(2)
2. الكتاب الذي أنزله الله على رسله:
" ولقد أتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل "
" فقد أتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة واتيناهم ملكا عظيما"
وعن عيسى (ع) قال تعالى:" إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا"، فهو إذن كتاب واحد للناس جميعا".(3)
ورغم أن شحرور تفطن إلى أن لفظة "كتاب" تعني من بين ما تعنيه في التنزيل الحكيم الآيات التي جمعت بين دفتي المصحف (الستين حزبا) وتعني أيضا الكون، إلا أنه لم يتنبه إلى النوعين الباقيين وهما على التوالي النوع الثالث والرابع.
3. الكتاب الذي تسجل فيه أعمال الإنسان، قوله تعالى:" ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما هم فيه ويقولون يا ويلنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها"
4. الكتاب الذي ذكره تعالى في قوله:" فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤوا كتابي"، إلى أن يقول في ذات الآية:" وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه"
فهذا الكتاب جعله الله تعالى في جسد كل إنسان يسجل عليه كل أقواله وكل أعماله ويوم القيامة يخرجه الله عز وجل فينظر فيه المرء ولا يملك أن يجادل في أي شيء ورد فيه(4)
ونجد أن شحرور أخلط بين "الكتاب" في اللغة، وبين "الكتاب" في الاصطلاح الإسلامي، ولهذا لم ينتبه إلى تقسيمات الكتاب كلفظ وتسمية يعني بها العديد من الأشياء ما سوى التنزيل الحكيم، وبين لفظ الكتاب الذي جاء يعبر عن التنزيل الحكيم ذاته، كما أن شحرور غفل تماما عن قوله تعالى:" كتب عليكم" وهما اللفظتان اللتان تشير إلى الفرض الذي يفرضه الله على المسلمين فيما يتعلق بالصوم والقصاص وغيرهما.
غير أن الأهم هنا ما طرحه شحرور: هل الكتاب هو القرآن؟ ويجيب بأنه غير ذلك، فيما يقول النبي (ص) أنه كذلك، والنبي (ص) أحرى أن يصدق لا شحرور مهما بلغ من العلم.
أما عن " النبوة" ومعناها، فإن شحرور جاء بتفسير واحد فقط من بين التفاسير العديدة لمعناها ، فإذا كان هو يقول أنها من الفعل " نبأ" فليس هذا إلا رأيا واحدا ذكر العلماء غيره.
يقول ابن منظور في لسان العرب عن الفراء : " النبي هو من أنبأ عن الله ، فترك همزه ، قال : وإن أخذ من النَبوة والنباوة وهي الارتفاع عن الأرض أي أنه أشرف على سائر الخلق(5)
فالنبوة كلفظة جمعت بين النبأ أي الإخبار، و بين النباوة أي الشرف. والنبأ هنا عام غير خاص فكل ما أنبأ به محمد(ص) عنه تعالى فهو من النبوة، ولا يصح أن نقول أن هذا من النبوة وهذا ليس منها وكله من عند الله. خاصة أن شحرور يربط النبوة بالمعلومات الكونية والتاريخية فقط رغم عدم امتلاكه للأدلة الكافية، حيث لم يشر إشارة واضحة إلى آيات النبوة وآيات الرسالة واكتفى بكلام مجمل يحتاج إلى تفصيل.
لقد فرق شحرور بين النبوة والرسالة وحاول جاهدا – كما يرى أحد الدارسين – إلغاء دور الرسول(ص) في بيان ما انزل عليه هادفا إلى إلغاء دور الشريعة في حياة المسلمين، كما ادعى أن النصوص التي تحتوي على نبوته وهي ما تتناول ظواهر الوجود المادي وقوانين الطبيعة لا يعلم محمد(ص) تأويلها، وإنما يؤولها "ورثة" النبي (ص) " وهم حسب شحرور الفلاسفة وعلماء الطبيعة وفلاسفة التاريخ (أي أئمة الفكر الماركسي) وداروين وعصابته.(6)
فالنبوة عند شحرور مربوطة بالعلوم الطبيعية والتاريخية، والرسالة محصورة في العلوم الاجتماعية وعلوم الشريعة، فيخرج بذلك أحكام الحلال والحرام من خصائص النبوة وهذا افتراء على كتاب الله ورسالة نبيه، فالنبوة تشمل كل ما يوحي به الله إلى رسوله الذي اصطفاه ليجعله نبيا، والرسول هو من يكلفه الله بحمل رسالة ما ليبلغها لمن أمره الله أن يبلغها لهم(7)
وما يلاحظ في تقسيم شحرور للكتاب هو اعتماده على ثلاثة أصناف: "الكتاب المتشابه" ، "الكتاب المحكم" و"تفصيل الكتاب" ورأى أن هذا الأخير (أي تفصيل الكتاب) نوع وقسم ثالث من أنواع وأقسام التنزيل الحكيم رغم استناده إلى آيات تنفي ما هدف إليه أكثر مما تؤيده.
فالمحكم هو الرسالة، والمتشابه هو النبوة، وتفصيل الكتاب ليس بالمحكم ولا المتشابه فهو إذن ليس من الرسالة ولا النبوة و لم يذكر شحرور أبدا ماذا يكون هذا القسم إن لم يكن جزءا من أحدهما ونحن نقرأ قوله تعالى:" كتاب أحكمت آياته ثم فصلت"(8)
لقد اخترع شحرور هذا التقسيم الغريب العجيب ليمرر ادعاءاته على كتاب الله المنزل على رسوله كما يهوى- حسب أحد الدارسين- أساتذته الملاحدة الماركسيون(9)
فهذا عن "الكتاب" عند شحرور أما "القرآن" وزيادة على حديث النبي (ص) الذي ورد سابقا يكفي أن النبي(ص) والمؤمنين والمسلمين يفهمون أن لفظة "القرآن" تطلق على كل الآيات الكلامية التي كانت تنزل على محمد (ص) والتي جمعت في المصحف واستمر كل الناس يفهمون هذا حتى جاء شحرور وأدعى أن لفظة القرآن تطلق فقط على بعض آيات المصحف وهي الآيات التي تتحدث عن الوجود المادي والتاريخي(10)
1- محمد العفيفي، مقدمة في تفسير الرسول للقرآن الكريم، دار ذات السلاسل، القاهرة، مصر، دط، دت، ص137.
2- عودة أبو عودة، الكتاب والقرآن: دراسة دلالية في السياق القرآني، مجلة المشكاة، العدد30، 1999م، وجدة، المغرب، ص57.
3- المرجع نفسه، ص58.
4- المرجع نفسه، ص58.
5- ابن منظور، لسان العرب، المجلد3، ص561.
6- محمد فاروق الخالدي، المرجع السابق، ص283.
7- عبد الرحمن حبنكة الميداني،المرجع السابق،ص104.
8- سورة هود، الاية01.
9- عبد الرحمن حبنكة الميداني، المرجع السابق، ص ص58-59.
10- المرجع نفسه، ص ص69-70.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
الآداب أدب العلوم الاجتماعية