لا أستطيع  أن افصل  النقد  الحديث، عن  جملة التطورات الفكرية  والثقافية التي صبغت حياة العصر  بجملة من التصورات الغريبة العجيبة؛حيث  انتهت  تلك السلسة الطويلة من التحولات- فيما بعد النقد الثقافي  والتفكيكية- إلى غابة من الأفكار  المتناطحة،  التي  لا يربط بين شعابها إلا تلك الفوضوية العارمة ،وسرعة التحول، وتعدد المصطلحات، وغياب  الرؤية.
ولعل الأخطر -في  ظل  هذا التشتت  والضياع- ذلك الانبهار والانسياق بكل  جديد  واعتباره فتحا قريبا وحلا  سحريا لكل  المعضلات التي  فرضت ذلك التحول ، وما أن يستريح العقل الجمعي  الاتباعي  إلى هذه الفرضية أو تلك حتى تبدأ  عمليات الهدم والردم،  والتخبط  والبحث، وهكذا دواليك دواليك،  حتى نصل إلى حالة من الضياع عبر عنها منتقدو هذه  الفوضوية بثور هائج  دخل  محلا للخزف  والفخار  وبدأ يضرب  يمنة ويسرة حتى بدد  كل  شيء  وأهلكه.
إن غياب  الرؤية,واستبدالها بالانبهار الذي ينطلق  من بوابة الإعجاب  والعمى،يؤدى إلى هذا الواقع الفوضوي.
 والرؤية في  النقد  تستوجب  قيما ومعاير  يقف  معها  الناقد  على حدود  معرفية وقيم جمالية تؤطر  للشكل  والمضمون ولا تلقي  الحبل  على الغارب.
 والرؤية  هي  التي  تميز بين شكل  وآخر؛  أعني  ان المنطلقات الفكرية والفلسفية والإبداعية هي  التي  تحدد  هوية النص.
 وإذا  كانت الفوارق  الشكلية ليست ذات قيمة -إلى حد  ما- عند  من  يعتقدون أن الأدب  خلق  والأديب  يستطيع أن يشكل  لغة إبداعه ذاتيا، فأن المضمون الذي  يعبر  عن رؤية يقدمها  الأديب  في شكل  ما ستحدد بشكل  أوسع القيمة الحقيقية للنص؛ ذلك  أن أي  نص  فاقد  للرؤية سيكون نصا عبثيا،  وإن  كنا  نرى أن  عبثية النص  عند بعض  الكتاب  تعبر  عن رؤية،غير  أن هذه  الرؤية في  حد ذاتها تكشف  جانب  الضياع  في  منطلقات  أصحابها .
 ومن  هنا فاننا  نحب  أن  نتحدث  عن  وضوح  الرؤية في  الإبداع  من  نحو  ووضوحها ايضا في المواكبة  والنقد، أعني  أن تحدد  الأهداف  ضمن إطار  فضائي  واسع يجول  فيه الأديب  ويحكم  من خلاله الناقد. وهنا ستضيع  الأزمة الانفعالية التي  تحول  مفهوم التطور  إلى هزات  متسارعة لا يستقر  معها النص  إلى  حالة تعبيرية لها قيمها.
ومن مقتضيات وضوح الرؤية عندنا أن تنطلق هذه الرؤية من عتبة الخصوصية التي تجذر هوية الأدب العربي وتربطه بأصوله بعيدا عن الجمود والتخلف؛ ذلك أن التأثير والتأثر لا يمكن ان بعني بحال من الأحوال الذوبان في الآخر أو التلاشي والحرق كما يدعوا البعض من نقاد الحداثة المستغربين ؛ وخصوصيتنا الثقافية تدعو إلى خصوصية في المنهج ومذهبية في النقد فليس من عالم التطور والتجديد أن ننسلخ من مدرسة الجرجاني والسكاكي لنرتبط بمدرسة "اليوت وولسون وجاكبسون وداريدا " بل إن ارتباطنا بالمذاهب الغربية من كلاسيكية ورومانسية ورمزية وغير ذلك لا يعكس نقلة حضارية في منطق التفكير الإبداعي ،بل ربما عكس حالة من القصور عن بناء رؤية منهجية ذات علاقة لصيقة بواقعنا الأدبي والثقافي ،مما يعني أن العقلية النقدية العربية الحديثة عقلية تابعة لا مبدعة ،عقلية تستجيب لمفهوم الانبهار ،فتستجيب لدواعيه دون أن تعلم أن هذا الجانب التقليدي للغرب هو أسخم انواع الانحطاط والجمود ولا ينم عن رؤية حضارية محمودة.
 وإذا أرادت العقلية العربية النقدية أن تنتج إبداعا في سياق التحديث والتجديد فلا بدأن تنطلق من خصوصية الوعي الذاتي في تشكيل هوية الثقافة العربية ،إذ كيف لنا أن نمارس هذا التجديد أو ذاك التقليد للغرب بهذه العفوية والسطحية ونحن نعلم أن جانبا كبيرا من العلاقة مع الغرب لا يقع تحت دائرة المثاقفة،بل ربما دلل على جانب من جوانب الاستعمار الثقافي وهو إحدى منجزات العولمة السلبية التي تهدد الهوية والذات في آن واحد.
 ومن هنا فأنه قد آن لحركة النقد العربي الحديث أن تقف مع ذاتها وتتوقف عن منطق الانبهار والتبعية للغرب ،وتجديد ذاتها مستفيدة من تراثها دون إغفال معطيات العصر ومنجزاته.
 

المراجع

الموسوعة الالكترونية العربية

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع