عرفته صحفياً في بداية عقد الثمانينيات .. وخلال سنوات الحرب العجاف وجولاته المتكررة لتغطية أحداث الحرب بين الجنود وعلى السواتر الترابية في أحلك الظروف وأشدها قسوة كي يخرج بمعلومة أو مفردة يستطيع من خلالها من عنق المأساة ومعاناة العراقيين في حرب ضروس يقرأ ويتمعن عمق مأساة الأمهات والأرامل والأيتام والخراب الذي خلفته هذه الحرب المسعورة .
لم أألفه شاعراً طوال تلك الفترة ..ِإلا حينما خصني بمجموعته الشعرية الجديدة (( حضور متأخر جداً )) / 2005 ..لقد حاول الشاعر في مجموعته هذه البوح عن معاناته وعذاباته طوال ربع قرن ونيف عاشها بعيداً عن مدينته... وأجوائها الاحتفالية تحت ظلال النخيل وعلى ضفاف شط العرب وجزيرة السند باد وساحة أم البروم وأمسيات شارع الوطن في بواكير حياته الأولى .. نعم لازال الشاعر يعيش في عزلته تلك .. غربته .. رغم انه يعيش داخل أسوار الوطن :
ربع قرن
لا يزال الصوت يرن في الهاتف
القلب ..
-نعم
-ربع قرن من عذاب وغربة
المعاناة لم تكن هي الفيصل الوحيد الذي يحجب رؤاه الواسعة .. وأفقه الرحب .. إلا أن القدر شاء أن يجعل له صلة وثيقة بهذه العذابات من خلال فقده لشقيقه ( ميثم ) ذلك الفارس الذي ينتظره الشاعر أن يعود في يوم ٍ ما :
( كانوا خمسة يدافعون عن الوطن .. عن كل قطرة من قطرات بحره ، غاب بهم الزورق ، وغابوا عن الساحل لتستقر قبورهم في عمق البحر.. لكن قبورهم ظلت بلا شاهدة .. بلا شاخصة وظلت عيوننا تنظر إلى ألأفق البعيد لعل أخي الشهيد (( ميثماً )) يعود في يوم ٍ ما ..) .
هذه الزفرات تخرج من عمق المعاناة .. معاناة الشاعر المتوالية التي خلقت المفردة الشعرية التي تخفي خلفها مدلولاً رمزياً قلما نكتشفه والذي يجعل المتلقي يقف طويلاً يتأمل ويشارك الشاعر ذلك ألأفق والفضاء الرحب ألمليء بالأحاسيس المتدفقة بألفه وانشغالاته بالحب والحرب وربما في بعض الأحيان يأخذ طابع المشاكسة .
لم ينتهي هذا الحزن السرمدي الذي رافق تجربة الشاعر في حضوره المتأخر هذا على مساحة الشعر وفضائه الواسع للتعبير عن مفردته المجازية حينما كان يتأمل بعمق الجوانب الإنسانية والحياتية التي رافقته طيلة فترة التجربة لكن فقده ( لميثم ) عمق تلك المسافة وأغناها وأعطاها بعداً إنسانيا آخر:
كانوا خمسة
برد يلسع ،
عظم الزورق
ارض البحر ..
رمس..
زورق
رغم عمق المأساة يحلم الشاعر حبيب السامر أن يسترد هذا الوطن ألقه وإشراقه المتدفق .. أن يعود معافى رغم المعاناة والأهوال والحروب والقتل .. ليس الذي يقصده الشاعر في قصيدته – الزورق - ليس أخيه (ميثم ) أنه يعي أن الحرب قد سرقته وابتلعته أمواج البحر ..لكنه يحلم بعودته .. عودة وطن وبلد عانى حروب وماسي .. أن يعود وطنه وليس ( ميثم ) معافى كضوء قمر ينير الظلمة المكتظة بالفجيعة والألم :
بين الخمسة أمسى (ميثم )
ميثم
أني احلم
قل لي هلا تحلم
الحلم هاجسه الأول الذي يراوده رغم هذه الفترة الفاصلة الممتدة على مدى ربع قرن ونيف ألا أن هذا الحلم باق ٍ في ذاكرته والتي جعلت من ( ميثم ) رمزاً ينشده الشاعر ومفردة شعرية تبدو مباشرة لكنها تخفي مفردات تشكيلية أدت ما عليها من عمق ونظرة متفائلة للمستقبل:
قلت أمي : صبراً .. صبرا
تسبيحاً باسم الله الأوحد
ميثم جرحي.. جرح الوطن
السامر في حضوره المتأخر هذا ..جاء في الوقت الذي اختاره ليضع بصمته شعرية على الساحة الثقافية العراقية وانطلاقته نحو فضاء أوسع وهو فضاء الوطن الذي أحبه عبر فكرة وظفها لغرضه الشعري ..وقد أبدع الشاعر في رمزيته الجميلة حين تغنى بمفردات الجميلة للخروج من عتمته التي ينضوي في كنفها :
مدي ألي ذراعاً
من لؤلؤ العينين
يستلني
 من عتمتي
طرزي
 من زند هذا الليل
 أهداباً
بهذه الإيماءات والمفردات التي يخاطب محبو بته - الأرض - حينما تنجلي تلك العتمة وتتشظى من حوله عوامل اليأس والإحباط وذلك الظلام الذي يحيط عالمه .. ينتظر الشاعر بوهج بصيص الأمل الذي يشع في ضميره وذاته .. وتبقى مدينته ( التنومة ) تلك المدينة الغافية على الضفة الشرقية من شط العرب قبالة العشار هاجسه ورمزه الذي يحيا في داخله
يمرون
 يراقبنا الفجر
أدعو
في الفراغ وقتي
واتجهت
 ناحية ( التنومة )
 والقنابل
 توقظ الشوارع
الأطفال ( الحوا مد )
وهذا ما يؤكد نبض الشاعر حينما ينشد الحياة بين ركام الموت والحرب والدمار بنشد لقاء حبيبته التي فارقها منذ أمد بعيد والنهوض من جديد بعد أن راوده شبح الموت :
هنا عثرت على جثتي ..
 قامتي
أدركت صرختي ..
 كي لا أموت
 هذه الإشكالية الشعرية الجملية المتداخلة والممزوجة بين حبه للحياة وامتزاج معاناته الإنسانية بقيمة فنية تشكيلية وبمفردة سهلة تخفي ورائها رموز ومعاني كثيرة على مستوى النص الشعري المجازي بين الحبيبة والأخ الشهيد ومدينته ( التنومة ).
 

المراجع

ahewar.org

التصانيف

شعر  شعراء  أدب  مجتمع