ياسين سليماني
الـفرع الأول: نــوح
يقول شحرور:" كان الوضع الإنتاجي في هذه الفترة (فترة ظهور نوح) بدائيا جدا (...) واقتصرت رسالة نوح على التوحيد والاستغفار فقط دون أن يكون هناك وصايا أخلاقية أو شعائر تعبدية، فعند نوح لا صلاة ولا صوم ولا زكاة ولا أي شكل من أشكال العبادات"(4)، واقتصرت نبوة نوح حسب شحرور على:
1- التوحيد: وهو أن الله حق وأن ما يدعون من دونه الباطل.
2- تعليم البشرية ركوب الماء: ولهذا كانت صناعة الفلك، وهي وحي من الله.(5)
وجاء الطوفان بسبب كفر قوم نوح (ع)، إذ يقول شحرور في هذا الأمر: "يجب أن نعرف أن طوفان نوح كان محليا، أي عبارة عن عاصفة مطرية كبيرة جدا جرت بشكل محلي حيث كان قوم نوح يسكنون في مناطق منخفضة قريبة من الأنهار(...) وأن من يفسر بأن الطوفان عمّ كل الأرض فهذا غير صحيح (...) وبنفس الوقت لم يغطّ الجبال، حيث قال ابن نوح:" سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم"(6)، فالماء كان في شكله يشبه الجبال لا في أبعاده.(7)
ويرى شحرور أنّ السبب في أنّ جميع من لم يركب في الفلك قد غرق فذلك يعود ربما إلى أن الإنسان في زمن نوح لم يتعلم السباحة بعد(8)، كما أنّ نوحا (ع)- حسب شحرور- كان يجهل أنّ الولد الذي غرق ليس ابنا له فإننا نقرأ في القرآن قوله:" فقال ربّ إن ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين"(9)
فكانت الإجابة أنه ليس ابنه ونوح يجهل ذلك، بقوله:" إنه ليس من أهلك"(1) فابن نوح هو في ظن نوح ولكن نوحا كان لا يعلم أنه ليس ابنه(2).
ويرى شحرور أنّ الآية التي تقول:" قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك"(3) أنها تعني المؤمنين والكافرين ومنهم امرأته لأنها من أهله، وذلك لأن نوحا قال" ونجني ومن معي من المؤمنين"(4) فكان رد الله تعالى نجاته ومن معه فقط دون ذكر "المؤمنين" حيث قال:" فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون"(5).
فركب في الفلك عدد قليل من الناس وبعض الحيوانات الأليفة المتواجدة عندهم في منطقتهم مثل الدجاج وغيره، وكان لا يوجد أنعام في السفينة "خيل و بغال وغنم...الخ"حيث أن الأنعام – كما يقول شحرور- كانت برية ولم تذلّل بعد، فلم يأت على ذكر الأنعام إلاّ في قصة هود.(6)
أما فهمها على أنه حمل فيها من كل الحيوانات التي على الأرض بما فيها الدب القطبي والنمور والغوريلا والزرافة وغيرها فهذا خطأ يدل على قصور في فهم السياق التاريخي لخط تطور الإنسان ومن هنا يستنتج شحرور من قصة نوح استنتاجا يراه على قدر من الأهمية، وهو أنّ البشرية تعلمت اجتياز العوائق المائية قبل أن تذلّل الأنعام فكان اجتياز العوائق المائية وتذليل الأنعام الوسائل الوحيدة لانتشار الإنسان في الأرض، وبقيت الفلك والأنعام الوسائل الوحيدة لتنقل الإنسان حتى القرن الثامن عشر والتاسع عشر أي حتى اختراع الآلة البخارية(7)، وقد ورد هذا الترتيب في الآية:" والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون"(8).
وما يلاحظ في استشهادات شحرور بالنصوص القرآنية هو اعتماد قاعدة "الترتيل" التي تم ذكرها في الفصل الثاني فهو يجمع كل النصوص المتعلقة بقصة نوح ليبني عليها أحكامه.(9)
ويصل شحرور للقول بأن نهاية قوم نوح الذين غرقوا هو الرمي في فوهة البركان بعدما جرف السيل جثثهم، حيث يتبين من الآية أن فوهة البركان كانت منخفضة وعلاها الماء، ودخلت الجثث في البركان وقد بين هذا في قوله:" مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا"(1)، واستعمل فاء السببية والتعقيب بين الغرق وإدخال النار واستعمل النار نكرة وهنا لا يقصد فيها نار جهنم(2).
ويتحدث شحرور عن البركان مستدلا بالإشارة القرآنية "فوران التنور"، "حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك"(3)، فيقول شحرور:" يتوقع أنه في منطقة نوح وفي الجبال التي تحيط بهذه المنطقة كان يوجد بركان خامد، وكانت إشارة الطوفان هي إشارة هذا البركان"(4)
يحاول شحرور أن يثبت أن القرآن (الجزء الخاص بنبوة محمد (ص) كما يرى الكاتب) يناصر النظرية التطورية في ثوبها المادي، لذلك فهو يطبق فكرته هذه في القصص القرآني الذي يدرسه، ويبدأ بقصة نوح (ع) مع قومه، فنجده يقول بأن الإنسان في عهد نوح كان يعيش في الكهوف، حيث كانت المنطقة محاطة بالجبال وفيها أنهار فيعتقد أنهم كانوا يعيشون في الكهوف وفي الغابات المحيطة بالأنهار، لذا فقد كانوا يعبدون مظاهر الطبيعة حيث أن تمييز الآلهة لم يوجد بعد عندهم، فكانت من نبوة نوح التبشير بالبنيان والاستقرار(5).
وهذا التبشير في نبوته ورد في قوله تعالى:" ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم أنهارا"(6)، وقد ذكر إهلاك القرى المستقرة بعد نوح في قوله:" وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها، فحق عليها القول فدمرناها تدميرا، وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا"(7)
مما سبق يرى شحرور أن نوحا (ع) بشر الناس بالاستقرار في البناء، وهذا الاستقرار – حسبه- حصل في زمن هود، دليل ذلك قوله:" يمددكم بأموال وبنين".
ويؤوّل شحرور الآية السابقة على النحو التالي:
- كلمة البنين لا تفهم على أنها الذكور من الأولاد ولكن تفهم من فعل "بنن" وتعني الثبات واللزوم والإقامة وهذه هي طبيعة الأبنية والبنيان، أما قوله:" ربّ اغفر لي ولوالديّ ولمن دخل بيتي مؤمنا"(1)
فهنا البيت تعني المأوى والمآب وجمع الشمل فليس من الضروري أن يكون البيت بنيانا إذ يمكن أن يكون كهفا.
- كلمة "أموال" في الآية، لا تعني النقد، بل "المال" جاء من الفعل "مول" وتعني هنا أدوات الإنتاج البدائية وما يمكن أن يصطاده الإنسان ويجنيه من الطبيعة، وفي القاموس: خرج إلى ماله أي خرج إلى ضياعه وإبله.(2)
وفي عهد نوح بدأ توجيه العقل للتفكير بنفسه وبالوجود من حوله وتنمية المدارك العقلية للإنسان والتوجيه إلى البحث في الوجود الإلهي والكوني والإنساني وذلك بالنسبة لنوح ولمن بعده،(3) دليل ذلك قوله:" قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض"(4)، وقوله:" ما لكم لا ترجون لله وقارا، وقد خلقكم أطوارا، ألم تروا كيف خلق الله سبع سماوات طباقا"(5).
كما بدأ ترسيخ العبادة التجريدية عند الإنسان، وذلك بالاستغفار، حيث أن الاستغفار مفهوم مجرد غير مشخص، وقد بدأ مع آدم:" وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه"(6) أمّا عند نوح فقد وردت في عدة آيات منها:" وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم"(7)، " يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم"(8) وغيرها كثير.(9)
وأيضا بدأت مفاهيم البعث والجزاء والتلميح إليها دون ذكرها صراحة، فقد جاءت في نبوة نوح تلميحات بسيطة غير مباشرة إلى وجود بعث ورجعة بعد الموت، وهذه التلميحات وردت في الآيات:
"إنهم ملاقوا ربهم"(10)، "والله أنبتكم من الأرض نباتا، ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا"(11)، "هو ربكم واليه ترجعون"(12).
وينبه شحرور في هذا السياق أن البشرية في عهد نوح (ع) لم تكن قادرة على استيعاب الانفجار الكوني وتشكل الكون والبعث واليوم الآخر والجنة والنار لذا لم تذكر هذه الأشياء نهائيا في نبوة نوح وإنما ذكرت بالتفصيل في نبوة محمد (ص) وذلك لنضج العقل الإنساني وقتها وقدرته على عقلها.(1)
ويصل الكاتب في النهاية ليقول بأن مسار القصص القرآني يبين أن دعاة التطور والتقدم وهم الأنبياء ودعاة التشريع وهم الرسول كانوا ذوي أتباع قلائل وكانوا مغلوبين على أمرهم فكان الله يتدخل لنصرتهم من خلال ظواهر الطبيعة (الطوفان مثلا)، إضافة إلى ذلك فنوح (ع) قد بدأ به الإسلام:" فإن تولّيتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين"(2) والدين الإسلامي هو سلم التطور في الرسالات والنبوات حيث ختمه محمد (ص)، وبعد النبي (ص) أصبح الإنسان قادرا بنفسه على تطوير معارفه وتطوير تشريعاته.(3)
ويسأل شحرور قبل دخوله في موضوع "هود" (ع) السؤال التالي: - هل القصص القرآني هو من أساطير الأولين كما يقول البعض؟ ثم يقول:" أترك استنتاج جواب هذا السؤال للقارئ نفسه في ضوء ما سردناه في هذا المبحث حول نوح(ع)"(4).
- سورة الأعراف، الآية101.1
2- سورة هود، الآية120.
3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص675.
4- المصدر نفسه، ص676.
5- المصدر نفسه، ص681.
6- سورة هود، الآية42.
7- شحرور، الكتاب والقرآن، ص683.
8- المصدر نفسه، ص883.
9- سورة هود، الآية45.
1- سورة هود، الآية46.
2- شحرور،الكتاب والقرآن، ص683.
3- سورة هود، الاية40.
4- سورة الشعراء، الآية118.
5- سورة الشعراء، الآية119.
6- شحرور،الكتاب والقرآن، ص685.
7- المصدر نفسه، ص685.
8- سورة الزخرف، الآية12.
9- شحرور، الكتاب والقرآن، ص685.
1- سورة نوح، الآية 25.
2- شحرور،الكتاب والقرآن، ص685.
3- سورة هود، الآية40.
4- شحرور، الكتاب والقرآن، ص686.
5- المصدر نفسه، ص686.
6- سورة نوح، الآية 12.
7- سورة الإسراء، الآيتان 16،
1- سورة نوح، الآية28.
2- شحرور، الكتاب والقرآن، ص686.
3- المصدر نفسه، ص686.
4- سورة إبراهيم، الآية10.
5- سورة نوح، الآيات13،14،15.
6- سورة البقرة، الأية37.
7- سورة نوح، الآية07.
8- سورة إبراهيم، الآية10.
9- شحرور،الكتاب والقرآن، ص687.
10- سورة هود، الآية29.
11- سورة نوح، الآيتان17،18.
12- سورة هود، الآية34
1- شحرور، الكتاب والقرآن، ص687.
2- سورة يونس، الآية72.
3- شحرور، الكتاب والقرآن، ص688.
4- المصدر نفسه، ص698.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
الآداب أدب العلوم الاجتماعية