لا شك أن الأحداث الدراماتيكية المتلاحقة سواء في تونس أو مصر لم تقم بها المعارضة بل قام بها الشارع هذا الشارع الذي أصيب بالإحباط بعد سنوات طويلة من الحكم الفردي ، هذا الحكم الذي لم يسمح لأي نوع من أنواع المعارضة أن يكون فاعلا ولو صوريا على الساحة السياسية وفي الانتخابات المصرية التي جرت مؤخرا لم يسمح الرئيس مبارك حتى للمعارضة الموالية بأن ينجح نائب واحد منها ونجح كل النواب من الحزب الحاكم.
الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لم تنتقد هذين النظامين بسبب ممارساتهما غير الديمقراطية والسبب في ذلك أن الأوضاع الأمنية فيهما مستقرة وهذا الاستقرار يؤمن مصالحها وهذا هو المهم ، كما أن حجتها بأن أي ممارسة للديمقراطية ستجعل الإسلاميين يصلون إلى الحكم ، لذلك فقد غضت هذه الدول النظر عن ممارسات هذين الحاكمين ضد شعوبهما وحكم القبضة الحديدية.
ثورة تونس وثورة مصر أحرجتا الولايات المتحدة كثيرا فقامت في البداية بإطلاق تصريحات خجولة عن ضرورة التغيير لكن عندما بدأت الأمور تسير بعكس الاتجاه المتوقع وتحت إصرار الشارع المصري على إسقاط الرئيس حسني مبارك صار الرئيس الأميركي يطالب بضرورة الانتقال السلمي للسلطة.
الأحداث الآن تتوالى في الشقيقة مصر بشكل دراماتيكي والجماهير المحتشدة في الساحات العامة في المدن المصرية الرئيسية تطالب بالتغيير وأنها لن تغادر هذه الساحات قبل تحقيق مطالبها ونحن هنا نراقب الأحداث وندعو الله أن يحفظ الشقيقة الكبرى وأن يجنبها الأخطار ويحمي شبابها فرسان التغيير ، لكن في المقابل يتساءل الكثيرون عن أحزاب المعارضة التقليدية في مصر وأين هي في هذه الأحداث ولماذا لا نسمع عن أي دور تقوم به وحتى لو ظهر بعض الأشخاص من هذه الأحزاب على بعض الفضائيات ليدلي بدلوه في ما يدور من أحداث عاصفة فإن ظهور هؤلاء الأشخاص هو من باب الحراك الإعلامي فقط لكن قيادة الشارع المصري لا علاقة لها بهذه الأحزاب أبدا لأن هذا الشارع هو الذي فجر الأحداث الأخيرة وقد تكون تشكلت قيادات ميدانية شابة في الميدان لم يكن لها في الأصل أي انتماءات حزبية.
ما جرى في تونس وما يجري في مصر الآن قد يمتد ليطال دولا أخرى يعيش قادتها في أبراجهم العاجية وينسون أن لهم شعبا يعاني معظم أبنائه من الفقر ومن الحرمان والبطالة وهؤلاء القادة شكلوا مجالس نيابية وفصلوها على قياسهم وقاموا بتعديل دساتير بلادهم ليظلوا في السلطة حتى بعد موتهم أو يورثوا هذه السلطة لأبنائهم وتركوا بعض رجال الأعمال والمتنفذين والمنافقين يعيثون فسادا في المال العام ويمتصون دماء أبناء شعوبهم ويحققوا مكاسب وثروات قد تكون أكبر من ميزانيات بعض الحكومات.
إن ما جرى في تونس ويجري الآن في مصر يجب أن يكون درسا مهما جدا لبعض القادة الذين اعتقدوا أنهم هم أصحاب السلطة والجاه والمال وأن ذلك يجب أن يكون حكرا عليهم وعل عائلاتهم والمقربين منهم ونسوا أو تناسوا أن الشعوب إذا شعرت بالظلم وغضبت ، فإن غضبتها ستكون مدمرة وستأكل الأخضر واليابس ولن ينفع ساعتها الندم على ما فات لأن ساعة الحساب قد أزفت.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة نزيه القسوس جريدة الدستور