عزيزي القاريء...ربما هذه هي المرة الثانية التي أطرح فيها رواية ليالي تركستان.
يؤرخ الأديب للأحداث الحقيقة في روايته دون جعلها قصة تاريخية بحتة و لا حكاية مرسومة في ظل التاريخ و محسوبة على الأحداث.
ليال تركستان: رواية رائعة… تأثر فيها الأديب بتجارب المسلمين في بلدان أخرى.تأثر أيضا بتجربته الذاتية، فصقل الرواية بأفكاره و خرجت متكاملة. تقرأها في مصر أو أي بلد عربي أو إسلامي أو أي بلد يطمح إلى الحرية و المساواة كائنا ما كان؛ فتتأثر بها و تشعر أنها تجربتك الذاتية! و ليس فقط تجربة ليالي تركستان.
وجدت نسخة أخرى غير النسخة الورقية التي اقتنيتها مؤخرا. النسخة الجديدة هي نسخة إلكترونية على الانترنت بصيغة ملفات WORD. و قد وجدت فيها مقدمة مهمة و شيقة تمهد لسبب كتابة الرواية. كما وجدت فيها تاريخا بحثت عنه و هو العام 1930 ميلادي الذي ابتدأت فيه الرواية. و قد استدللت أنها في النصف الأول من القرن الماضي تقريبا و ذلك من الأحداث الواردة فيها. و لا أعلم شخصيا سببا لوجود نسختين مختلفتين. الطبعة الأولى للرواية كانت في العام 1971 ميلادي.
يقول الأديب في فقرته الأولى:
نحن الآن في عام 1930م، أعيش في مقاطعة (قومول) وكانت الصين قد احتلت هذه المقاطعة في نفس العام، وبعد الاحتلال أصبح القائد الصيني للمنطقة هو الحاكم بأمره، كل شيء يجري على هواه، والحسرة تملأ النفوس وتطل من العيون الحزينة، وأمير قومول المسكين يعيش في قصره لا يتمتع إلا بسلطة اسمية كنت أرى بعيني رأسي أفواج الصينيين تتدفق إلى الولاية.. أعني مقاطعة قومول.
ثم تجد نفسك -عزيزي القاريء- في قمة الأزمة الدرامية في الرواية من الصفحة الأولى:
وفي يوم من الأيام أصدر القائد الصيني منشورا هز البلاد من أقصاها إلى أقصاها..
هذا المنشور يلزم أي تركستاني بأن يزوج ابنته من أي صيني يتقدم لطلب يدها، برغم اختلاف العقيدة..
و يعلق على المرسوم و ليس الاحتلال. فأبشع ما في الظلم أن تسخر من العقيدة الدينية بين المسلمين. لهذا يعقب قائلا:
إن الاحتلال أمر مؤقت قد يزول في يوم من الأيام، والمعركة مع العدو كر وفر..أما أن يدوس العدو مشاعر الناس ويحتقر شرائعهم، ويسخر من دينهم فهذا أمر فوق الطاقة..
و هنا تعرف أن تسمية الرواية (ليالي تركستان) ستحمل معنى للأحداث التي فيها فر و كر و ليال ينتظر فيها الأبطال فجر يوم جديد بل يصنعونه في ليال الظلم التي تطول.
و قد علق قاريء قائلا: إن إعادة عرض و طرح هذه الرواية يتناسب مع تفاقم قمع الأقليات في تركستان أو إقليم الشينج يانج أو أقلية الإيجور في صيف 2009. فقلت و لم لا؟ فلنعرف أكثر.
يخاطبنا الأديب بلسان القائد قائلا:
"أدوات النصر أنتم تعرفونها... الصبر والصمود...الجهاد حتى الموت... لا جديد بعد كلمات محمد... انظروا... لا يفل الحديد إلا الحديد.. كل ما أعرفه أن أقواما بلا شرف.. هم موتى وإن كانوا يأكلون ويشربون ويتنفسون ... لا تستنكروا تصرفات العدو وحده، ولكن ابكوا على تهاونكم واستنكروا استسلامكم ...أتفهمون؟".
و ربما صلح هذا الخطاب في جميع أحوال المسلمين في كل مكان و زمان. و ربما استخلصه الأديب و وضعه عمدا و ملخصا في الرواية. كما تكررت العبارات الرنانة المتشابهة بالرواية و التي تصلح للتكرار. لكنها قبل ذلك تصلح للتفكير و التنفيذ.
ثم يزرع الأديب تحليله الفكري الخاص لأسباب أحداث الأقليات المسلمة و الأطماع التي تنتهشها بقوله:
أنا أعرف دعاة الصليبية في العالم، إنهم ينتهزون فرصة ضعفنا وهواننا ويحتشدون حولنا.. ويثيرون نعرات شعوبية وإقليمية.. إنهم يريدون أي شيء على ألا نكون مسلمين.. هل تفهمون؟؟.
تتابع الأحداث من زواج ابنة أمير المنطقة المسلمة من القائد الصيني المحتل غير المسلم!
و لا يفوت الأديب أن يشرح لنا شخصية القائد الصيني الانتهازي الذي لا يريد أن يتذكر أيام باع أهله بناته و أطفاله أيام الشقاء و الفقر و يحلم بمتع ليلة الزفاف و مساواة زائفة.
يقول الأمير مخاطبا البطل –مصطفى-
" هناك على التلال يعيش فئة من الرعاة الأبطال ، لم يستطع العدوان أن يقهرهم ، ولم يتزوج نساءهم ، بالقوة . . هؤلاء يشربون ألبان الماعز ، ويغزلون الصوف ، ويعبدون الله الواحد الأحد ، لا يخافون أحداً إلاّ الله . . . . أتدري ؟ هؤلاء هم الملوك غير متوجين . . . ما أشد حنيني إليهم يا مصطفى . . . "
ثم ينقذك الأديب من الصدمة السابقة بمفاجأة أنباء "الانتقام المشروع" و بداية المقاومة أو الانتفاضة إن صح التعبير.
و لا ينسى الأديب أن يضع على لسان الأبطال قول الله تعالى و حكمته في طيات أحداث الرواية:
ثم هب خوجة نياز حاجي واقفا، وصاح بأعلى صوته:
- سمعتكم تتحدثون عن الأربعمائة مليون صيني، كما لو كنتم حضرتم هذا الاجتماع بصفتكم وفدا عن الصين وليس جماعة من الفدائيين المسلمين، وإذا كنتم تقيسون الجيوش بعددها فوالله أن الإسلام ما كان لينتشر، وترفع راية الله في الأرض لو أن المسلمين الأوائل فكروا كما تفكرون، كأني بكم لم تقرؤوا قول العلي الأعلى: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ) (البقرة:249) ولكي نكره خصومنا على احترام ديننا، فعلينا معشر المسلمين أن تتخذ القرآن إماما لنا، فإنه يكفل خير الدنيا والآخرة، والله ما تحكم الأعداء فينا وملكوا رقابنا إلا لأننا تنكرنا لديننا، ونبذنا قرآننا وراءنا ظهريا، وإني أعاهد الله على أني لن أضع سلاحي حتى ألقاه أو أنتقم لديني وبلادي، فمن كان أبواه مسلمين فليتبعني.
تعرفنا الرواية بنجمة الليل المحور الرئيسي أو البطلة في هذه الرواية:
و لا أحب أن أعرفها للقاري بقدر ما أحب أن أنقل ما قاله مصطفى:
وشردت ببصري إلى بعيد، كنت أغمغم: " الليالي التي قضيتها أفكر فيك كانت أياما جميلة، كان للحرمان والصدود معنى صوفي يرقص له قلبي.. آه لو تعلمين.. قلبي الآن يخفق في فرح.. أعرف أن ورائي قلبا كبيرا يمتلئ بالحب لي، وسيضئ خيالك في ظلمات المعارك المدلهمة.. سأدافع عن شرفك وشرفي.. الشرف جزء من العقيدة التي أنعم الله بها علينا وعندما نعود سنتزوج.. يا نجمة الليل عودي إلى أميرتك.. فهس الآن وحدها.. فقد خرج الرجال.. وخروج الرجال في هذا اليوم المشهود ذكرى رائعة يجب أن تغنوا وترقصوا لها.. حرب المبادئ يا نجمة الليل، تصنع الرجال.. فيصبحون رجالا حقيقيين.."
و هنا تظهر الأنثى في الرواية. الأولى كانت الأميرة التي بكت و حاولت الانتحار حتى لا تتزوج الصيني. ثم الآن تطلب من أبيها ان يصحبها للحرب كما الرجال. و يظهر أن الحرب أيضا تفرق بين الأمير و الغفير حيث يقول الأمير لابنته:
"تعلمين يا أميرتي الصغيرة، أن الرجال قادرون على مجابهة العدو، وراغبون في الموت، فلتركن النساء إلى الخباء..".
بينما نجمة الجبل تتحور شخصيتها و تنفرد الرواية بفصليين كاملين من الأحداث و الأفكار التحليلية لتبرر فعلها –ليس حربا لكنه مقاومة الضعيفات- بل تصل الرواية إلى قمة أخرى من العقدة التي يتقابل و يتحاور فيها الحبيبان القديمان الذي سلك فيه الأول طريق الحرب و هو هنا الذكر –مصطفى- بينما الحبيبة الأنثى تحاول أن تبرر فعلها المشين في عرف المجتمع و الدين بأنه مقاومة نسائية! و لم يرق لي رمزية نجمة الليل إلى تركستان المحتلة و شعور مصطفى نحوها بأنه الرجل الذي اغتصبت أنثاه حيث تكرر هذا الترميز في الروايات و الأعمال التمثيلية.
قلت في شيء من الدهشة:
- وكيف تعيشين في كنف رجل لا تحبينه.
هزت كتفيها في سخرية وقالت:
- كما تعيش بلدي تركستان تحت وطأة الاحتلال، كما تعيش أنت في أورومجي الذي يحكمه العدو، كل شيء هنا يمضي بلا روح.
غمغمت : "بلا روح".
و هنا أرى البراجماتية في حديثها فلا اتعاطف معها و اتساءل هل هي حيلة أم براجماتية؟ لكن بطريقة من نطق بالكفر و هو مضطر يبرر لنا الأديب فعلها و يطوع أحداث الفصول المتتالية ليجعلنا نحترمها و نجعلها بطلة و كيف لا و قد فعلت هذا لتنقذ أسرة الأمير من السبي و نساءه ثم قتلت زوجها الصيني المتأسلم بنفسها. و هنا تخلع قناع الأنثى لتقول:
زعمت أنك مسلم، فلم تصل ركعة واحدة، وكذبت حين قلت إنك تكره الحرب، أنت لم تكن سوى حيوان، وأنا بالنسبة لك كالكأس التي أدمنتها ولا يمكنك الاستغناء عنها، ..قف.. لا تتحرك، لقد شحب وجهه، ركع على ركبتيه، رأيت في عينيه الموع، تصور أنه كان يبكي، لشد ما تلذذت ببكائه، ما الذي أتى بك في بلادنا؟
أغمض عينيه وقال متوسلا:
- أنا أحبك يا نجمة، لم أحب أحدا مثلما أحببتك، أعدك بشرفي ألا أعود لمثلها لوو طردوني من الجيش، أنت كل شيء في حياتي.
ضحكت وضغطت على الزناد وأنا أقول:
- وأنا أحبك، وقتلي لك يطهرك من قاذورات وخطايا كثيرة. خذ..خذ...خذ..خمس طلقات بعدد التعساء الذين راحوا ضحيتك.
ربما تأثر الأديب بتجربته الخاصة في وصفه لأهوال الظلم و القمع و ربما وصف فعلي لأحداث قومول. فالأهوال تتشابه في الدنيا.
ما أفظع أن تعيش في بلدك الحبيب، الحقيقة لم أكن أنا الغريب، بل شعرت أن تركستان هي الغريبة، هي الشاردة الهائمة على وجهها في عالك كله ابتزاز وسجون وقتل، والشيء الذي أعجب له هو أني ما ذلت حيا حتى الآن، لكنها إرادة الله، وما أقل ما بقي من المساجد، قلة من الشيوخ الطاعنين في السنين يتوجهون إلى المساجد خفية، ويرتلون الصلوات في نبرات دامعة خافتة وعيون الجواسيس تراقبهم، قد لا يصيبهم أذى، لكن بنيهم وأهليهم معرضون دائما للانتقام، وكنا نمر على المساجد التي استولوا عليها وأحالوها إلى مسارح أو أماكن لسكنى الشرطة والإدارة، ونتمسح في الجدران ونبكي في هدوء، فمن يبكي علانية يعرض نفسه لموت محقق، وكنت أتنقل من بلد إلى بلد وكنت أتخذ لنفسي في كل مرة اسما جديدا.. آهـ... إنها ذكريات قديمة.
و لا ينسى انه الأديب المهاجر فيقول على لسان البطل:
اليأس يدب في نفسي، وأنا أدب في الأرض حزينا تثقلني الأحمال التي أنقلها إلى السيارات أو إلى السفن،
ثم يتأرجح الأديب – البطل- تأرجح المفكرين عندما يقول:
وعدت إلى حجرتي المظلمة العفنة أصلي وأبكي، في كثير من الأحيان يبدو لي الموت أروح بكثير من الحياة، الموتى لا يشعرون بشيء، وأحيانا أخرى يملآ قلبي اليقين بأن الإسلام لا بد أن ينتصر، وأن الحرية حتما ستجئ، أنا معلق بين اليأس والأمل، راغب في الموت أحيانا، متشبث بالحياة أحيانا أخرى، أنا الممزق المعذب الضائع الذي لا يعرف له طريقا يسير فيه أو ملجأ يهنأ فيه..
تتابع الأحداث و التي هي حقيقة جملة حيث هرب الكثير من أهل البلاد فارين بدينهم جنوبا إلى إقليم كشمير المسلم، بينما اختلط البعض مضطرا و تبدلت روح البلاد في سنوات و عقود. يبحث مصطفى عن زوجته و ابنه و يأبى الأديب إلا أن يلتقيان لتكون هذه هي اللحظة الهادئة الوحيدة و التي جاءت في نهاية الرواية ليبدأ كلاهما من جديد. لم يختتم الأديب ليالي تركستان المتسارعة النشطة بغير الواقع المرير حيث تستمر معاناة هذا الأقليم.
سوف نسير إلى بيت الله الحرام.. إن قطرات من ماء زمزم قد ترد روح الضائعين والمتعبين.. إني أتخيل وأنا أصرخ في جموع الحجيج مبشرا بيوم الخلاص.. وكأني بملايين المسلمين يشقون الأكفان، وينطلقون تحت راية التوحيد ليحرروا من جديد ملايين العبيد..
تلك هي قصتي...
و قد سبقني الكثير من النقاد الكبار في ذكر دور العلماء في تذكير الناس و توعيتهم بما عليهم فعله. و هذا ما اورده الأديب في طيات الرواية على لسان الشيخ (خوجة نياز حاجي ) الذي يعرفه الأديب برجل العلم و الفكر و الدين و يجعل أفعاله الإيجابية في الرواية تنم عن هذا التعريف صدقا.
و لا يفوت الأديب أن يعرض تفصيل لأسماء البلاد و المقاطعات الحقيقية و أسماء الشخصيات المركبة مثل:
- الثوار يذبحون في مقاطعلة "إيلي".. وفي مقاطعة "أقصو"، و"تشوشك"، ومدينة شهيار تعاني من السجن والكبت والانتقام المريع.. نفس الشيء في "كوتشار" وفي "آلتاي"
بل يهدينا حكمته و خبرته حينما يعرض لنا أحداث التلاعب الروسي بالمسلمين ثم التعاون ضدهم و هذا موثق تاريخيا.
لا يبقى إلا مقتطفات من الجمل التي وردت ، و التي تصلح للتذكرة:
هكذا المدن-مثل الأجداد تماما-قد تكون ذات حسب ونسب، وقد تكون من أسافل المخلوقات، أو ممن لا وزن لهم من مخلوقات الله..
الثائر لا يعرف المهادنة،.... ليس الأمر خاصا بي، ولكنه ثأر لله.
خيانة الخائن ليست خطيئة.
والكفر ملة واحدة، والمسلمون ملل عدة، وبذلك تستطيع أن تفسر لماذا يكون النصر، ولماذا يكون الهزيمة.
مقدمة الطبعة المزيدة:
المدينة المقدسة تكتظ بحجاج بيت الله الحرام، وحول الحرم المكي خلق كثيرون من شتى الأجناس والألوان، السود القادمون من إفريقيا، والبيض القادمون من أوربا وأمريكا، والوجوه الصفراء المميزة التي أتت من أقاصي آسيا، والعرب والعجم كلهم يسيرون في مواكب متدفقة يهللون ويكبرون، ويطوفون بالبيت العتيق، أو يهرولون بين الصفا والمروة، أو يصلون في مقام إبراهيم، ويتسابقون لشرب قطرات من ماء زمزم، هنا في هذه البؤرة المقدسة يلتقي الناس إخوة من كل فج وصوب، تباينت لغاتهم واختلفت ألوانهم، لكن شيئا واحدا يجمعهم... الإيمان بالله ورسوله وكتابه...
وبعد أن أديت صلاة الظهر... اتجهت إلى البيت الذي إقيم فيه بمكة المكرمة، وفي طريقي دلفت إلى بعض الأزقة.. هناك تباع المسابح والسجاجيد الصغيرة للصلاة، والطواقي المزخرفة والأدعية الشريفة، وجلست في حانوت صغير، نظرت إلى وجه التاجر الذي يبدو أنه قد تخطى السبعين من عمره، لم يكن عربيا... هذا واصح من ملامحه ولون وجهه، ولكنه خاصة في كلامه، قلت وأنا أمسك بين أناملي بعدد من المسابح الجميلة:
- من أي البلاد أنت؟
سدد إلي نظرات يوشيها الحزن والأسى وقال:
- من بلاد الله الواسعة...
- أعرف... فأي هذه البلاد تقصد؟
- من تركستان.
فكرت قليلاُ ثم قلت:
- أهي بلاد ملحقة بتركيا؟؟؟
وعلت ابتسامته الساخرة ظلال كآبة وقال:
- المسلمون لا يعرفون بلادهم، ما هي صناعتك؟
- طبيب من مصر.
- أفي بلاد الأزهر الشريف ولا تعرف تركستان؟؟؟ حسناً... لا شك أنك تعرف الإمام البخاري والفيلسوف الرئيس ابن سينا والفارابي، والعالم الجهبذ البيروني.
- إنني أعرفهم...
- هم من بلادي...
وشرح لي الرجل واسمه "مصطفى مراد حضرت" ما هي التركستان، وأخبرني أن التركستان تقع في أقصى الشمال، وأنها قد انقسمت بفعل الاستعمار إلى تركستان شرقية وأخرى غربية، وأن الروس قد احتلوا تركستان الغربية وضموها إلى اتحاد الجمهوريات السوفيتي، وأن تركستان الشرقية قد احتلها الصينيون من قديم، وضموها إليهم وسموها سنكيانغ – أي الأرض الجديدة – وأن الشيوعية قد نشرت جناحيها على تركستان شرقها وغربها... وهكذا ضاعت بلاد إسلامية كانت من أعظم بلاد الله حضارة وتاريخا ومجدا... إنها الأندلس الثانية... عيب المسلمين أنهم لا يعرفون تاريخهم، ولا يدرون إلا القليل عن بلادهم...
هكذا كان يقول، ولحيته البيضاء ترتجف...
ثم التفت صوبي قائلا:
- أتريد أن تشرب الشاي؟
- لا مانع.. لكني أريد القصة من أولها...
قال وهو يتناول أقداح الشاي من فتى صغير، لعله حفيده:
- "القصة تشكل مأساة طويلة.. الحجاج يأتون كل عام إلى مكة، ويؤدون المشاعر، ثم يعودون أدراجهم من حيث أتوا... هل فرض الحج على المسلمين لكي يأتوا ويعودوا؟؟؟
لا أظن ذلك،.. من مبلغ عني كل زائر لهذه الديار المقدسة قصة الشعب المسلم التعس الذي سقط بين قسوة المنجل والمطرقة؟ حسنا.. يمكننا أن نلتقي في المساء.. سأحضر لك بعض الكتب، سأحدثك عن قصتي الطويلة، أنا هنا.. وعيناي معلقتان بالأرض الخضراء بالجبل السماوي" جبل تيان شان"..
بجبال "بامير" الواقعة بين حدود باكستان وتركستان.. بالنساء اللاتي نزعن البراقع من فوق وجوههن.. بالشباب المعذب المخدر الذي يساق إلى معاهد العلم الجديدة هناك ليتعلم الإلحاد.. ويسقى الأكاذيب والترهات، حتى ينسى تاريخه وإسلامه.. بالمآذن والقباب.. بالجموع التي تزحف في أطراف سيبيريا يحرقها الهوان والعذاب واللعنات الظالمة... أنا من تركستان الشرقية... وإليك القصة من بدايتها..."
الخلفية التاريخية: ما هي تركستان؟
دخل الإسلام إلى تركستان الشرقية (ترك" و"ستان" ومعناها أرض الترك ) منذ الفتوحات الكبرى على يد قتيبة بن مسلم الباهلي (88-96) هجرية. ثم ظلَّت تركستان موطنًا للأتراك الشرقيين المسلمين، دولة مستقلة لعدة عصور يشهد التاريخ بأنها تم غزوها من قِبل الصين واستعمرت بواسطة قوات الإمبراطور عام 1759م وخلال السنوات التي تلت ذلك قاوم وطنيو التركستان الاحتلال، وانتفضوا في عدة مناسبات ضد المحتلين، وفي سنة 1864م استطاع الإيجور طرد الصينيين المانشو من تركستان، وأقاموا حكومةً مستقلةً استمرت لعقدين من الزمان، لكن الإمبراطورية الصينية استطاعت السيطرة مرةً أخرى على تركستان الشرقية في مطلع عام 1880م معلنةً في 18 نوفمبر 1884م أن تركستان الشرقية هي المقاطعة التاسعة عشر للصين، و اسمها (شنج جانو) أي الحدود الجديدة أو الأرض الجديدة في الصين. وفي عام 1933م تواصل جهاد المسلمين لبعث وإحياء دولة التركستان الشرقية وفي عام 1944م نجح نضال المسلمين وحصلوا على الاستقلال، واستمر ذلك حتى عام 1949م حينما تحالفت جيوش الروس مع الصينيين واستطاعوا الإطاحة بهذه الحكومة، وشددت الصين بعد ذلك قبضتها على تركستان. تركستان غنية بالنفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم. المسلمون يمثلون بها أغلبية لا أقلية ،لكن وقوعها بين قوتين كبيرتين أدى لمعاناة الشعب المسلم بالتركستان الشرقية.
المراجع
shayunbiqalbi.wordpress.com
التصانيف
شعر شعراء أدب مجتمع